قد نسمع في الكثير من الأحيان عن أشخاص بدأوا حياتهم المهنية من الصفر، ووصلوا بفضل جهودهم الى أعلى درجات النجاح، وهذا الأمر عادي وقد نصادفه يوميا في هذه الحياة. لكن ما هو استثنائي وغير اعتيادي، أن نرى شخصا عاد ليبدأ من الصفر مرات عدة، وكان في كل مرّة متسلّحا بالأمل والإرادة ​الصلب​ة لينفض الغبار عن الشركة التي ورثها عن والده، ويكمل المسيرة.

هو شخص مناضل تحمل الكثير من الجهد والعناء والضغوط، ولم يستسلم يوما مهما اشتدت الصعاب، بل سعى دائما الى النهوض واستعادة النشاط من أجل تحقيق المزيد من النجاح والتقدم. ومن أهم صفاته أنه عمليّ ومنظم ومنشد للكمال.

حول هذه التجربة الشيقة والشاقة أيضا، حاورت "الاقتصاد" رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة "Maison M"، شربل مخلوف:

أخبرنا أكثر عن "Maison M" وعن كيفية استلامك لهذه الشركة؟

أسس والدي هذه الشركة في العام 1948، وقد أحبها واهتم بها كثيرا، وبالتالي تربينا في المنزل على حبها أيضا؛ فوالدتي كانت تهتم بالشق المتعلق بالأطعمة، في حين أن والدي كان ينظم الأمور المتعلقة بالتجارة وما يتبعها.

خلال فترة الدراسة الثانوية والجامعية، كنا نساعد والدي ونهتم بالعمل، وفي العام 1989، استملت الشركة مع شقيقي، واتجه والدي حينها نحو التجارة والبناء.

مررنا بصعوبات عدة خلال فترة الحرب ال​لبنان​ية، ففي عامي 1975 و1982، أصيب متجرنا بالقصف، وفي العام 1985 تم وضع سيارة مفخخة أمام المتجر، ما أدى الى تدميره بالكامل. أما في العام 1990، فتدمّر المتجر مرة أخرى إثر انفجار في منطقة الدورة. وفي العام 2000، تم حفر الطريق أمام المتجر لمدة طويلة، ما عرقل وصول الزبائن الينا. وخلال حرب تموز 2006، عانينا أيضا من تراجع حاد في الحركة، لأن منتجاتنا مميزة وفاخرة (delicatessen)، وبالتالي لا نعمل خلال فترات ​الحروب​.

وبالتالي فإن الصعوبات والمطبات كثيرة، لكنني أشكر الله كل لحظة على صمودنا، وقدرتنا على الحفاظ على استمراريتنا.

لو لم يكن والدك قد أسس هذه الشركة، هل كنت لتختار العمل في مجال آخر؟

في طفولتي، لطالما تمنيت أن أصبح طيارا، لكن بعد العمل مع والدي، أحببت هذا المجال، وفور استلامي للشركة، عملت مع شقيقي وفريق العمل، على تطويرها والتقدم بها نحو الأمام.

واليوم نحن الشركة الأولى في لبنان من ناحية الجودة والأسعار، لأن الزبائن يجدون لدينا النوعية الأفضل من ​المنتجات الفاخرة​، وبأفضل الأسعار.

ولا بد من الاشارة الى أنه لا يمكن مقارنة "Maison M" بالسوبرماكت العادية، لأننا نقدم منتجات مختلفة كليا، ولا يمكن إيجادها في الكثير من نقاط بيع في لبنان والعالم أيضا.

ما هي المقومات التي ساعدت "Maison M" على الصمود والاستمرار طوال هذه السنوات؟

أولا، لطالما أحببنا الشركة، وبذلنا أقصى جهودنا من أجل ضمان استمراريتها، كما عملنا فيها بكل شغف وحبّ.

ثانيا، نحن نتمتع بخبرة طويلة في هذا المجال، وقد ورثنا الأساس الصلب والقوي والمتين من الوالد، ووأكملنا المسيرة من بعده، ووسعنا قاعدة الزبائن.

ثالثا، البضائع المميزة الموجودة لدينا لا يمكن الحصول عليها الا من "Maison M".

من الناحية الشخصية، ما هي برأيك الصفات التي أسهمت في تقدمك ونجاحك؟

أنا شخص منشد للكمال، وبالتالي أسعى للوصول الى حدّ الكمال والاحترافية في كل ما أقوم به، وإلا أفضّل عدم القيام به من الأساس.

من ناحية أخرى، لقد انخرطت في هذا المجال الى أقصى الحدود، وسافرت وتعرفت الى متاجر كثيرة حول العالم، كما عملت على تزويد "Maison M" بالبضائع المميزة والاستثنائية والفريدة من نوعها؛ من حبة ​الزيتون​ البسيطة، وصولا الى حبة الكافيار الأبيض الموجودة في عدد معين من المتاجر في العالم.

هل تعتبر اليوم أنك حققت كامل طموحاتك المهنية؟

يجب على الانسان أن ينظر دائما الى الأمام، ولا يتوقف أبدا عن السعي الى النجاح، فعندما يضع حدا لطموحه ستنتهي حياته، وعندما يتوقف عن التفكير والحلم سيصبح حينها خارج المعادلة.

وبالتالي مهما تقدم الانسان في العمر، سيبقى في حالة من النشاط والعطاء، طالما أنه يحلم ويتطور ويعيش. وفي المقابل، لو كان يبلغ من العمر 20 سنة، ويعيش دون أحلام وطموحات، فلا حياة له.

ما هي مشاريعك المهنية المستقبلية؟

لدينا مشاريع عدة سنقوم بها في المستقبل، تشمل التوسع في لبنان والخارج أيضا، لكننا ننتظر أن تتبلور الأمور على الساحة المحلية، لكي نتمكن من القيام بخطوات ثابتة.

من قدم لك الدعم في مسيرتك وشجعك على الاستمرار؟

حبي للعمل دفعني الى التقدم، في حين أن والدي لم يتدخل يوما بقراراتنا المستقبلية، ولم يجبرنا على استلام الشركة، بل توجّه الينا بالسؤال، وترك لنا حرية الاختيار.

فشقيقي قرر الدخول الى الشأن العام – وهو رئيس اتحاد بلديات حدث الجبة بشري و​رئيس بلدية​ بقاع كفرا منذ 20 عاما – وذلك الى جانب عمله معي في "Maison M". كما أن أولادنا يعملون اليوم في الشركة أيضا، وبالتالي بدأ ​الجيل الثالث​ ينخرط في العمل.

وقد يقولون أحيانا أن الجيل الأول يبني، والثاني يكمل، والثالث يهدم، لكن هذه المقولة غير مناسبة في حالتنا، لأن جيلنا الثالث يبني فعلا أكثر من الأول والثاني.

هل شعرت يوما بالتقصير تجاه حياتك الخاصة ووقتك الخاص بسبب انشغالك بإدارة الشركة ؟

إدارة الشركة تتطلب وقتا طويلا، وقد تقضي في بعض الأحيان على الحياة الاجتماعية، اذا لم يتمكن الانسان من تنظيم حياته ووقته.

ولكن لحسن الحظ، نجحت في تنظيم حياتي، وبات لدي اليوم إيقاع معين. فقد عدّلت حياتي كما أرتاح وكما أريد، وأصبحت قادرا على الحصول على بعض الراحة، لأن عدد الموظفين بلغ الـ400، وكل قسم بات لديه مديره الخاص.

فمنذ حوالي 12 سنة أشعر بالراحة في العمل، لكنني تعبت كثيرا في الماضي وكنت أربط أحيانا ليلي بنهاري.

كيف تقيم الحركة في "Maison M" خلال العام 2017؟

لقد حققنا تقدما في عدد الزبائن بنسبة حوالي 32% في العام 2017، بالمقارنة مع العام 2016. في حين سجلنا ارتفاعا بنسبة 20% فقط من ناحية المبيعات.

وبالتالي اذا أردنا قياس القدرة الشرائية للزبائن، نلاحظ أنها انخفضت بنسبة حوالي 18%. فشركتي تقدمت من الناحية المالية، في حين أن ​مشتريات​ الزبائن تراجعت؛ وهذا الأمر كارثي وخطير للغاية، خاصة في مجال الأطعمة. فعندما يوفّر المواطن في مأكولاته بنسبة حوالي 20%، هذا الأمر يدل على أن وضع البلاد بخطر.

أين ترى "Maison M" بعد 10 سنوات من اليوم؟

اذا استمرينا على هذا النهج في العمل، أرى الشركة في أماكن بعيدة جدا.

ما هي النصيحة التي تودّ إيصالها الى جيل ​الشباب​ اللبناني؟

جيل الشباب اليوم مختلف تماما عن جيلنا، و​بصراحة​ أملي فيه ضعيف، لأنني ألاحظ أن معظم الشبان والشابات، يريدون كسب الأمول دون العمل والقيام بأي نشاط منتج؛ وبالتالي فإن المطالب كثيرة والإنتاج ضعيف، ولا أعرف حقا كيف سيكون مستقبلنا في ظل هذا الوضع القائم.

في المقابل، من يعمل في لبنان بشكل صحيح ويتحلى بالإرادة والإصرار سيصل حتما الى طموحاته وأهدافه، لكن المنافسة كبيرة في مختلف المجالات، وذلك لأن عدد المتعلمين والمتخرجين من الجامعات بات كبيرا في حين أن سوق العمل لا يتوسع لاستيعاب كل المهارات الموجودة، ما يجبر البعض على الهجرة للعمل في الخارج.

لذلك، لا بد أن يكون الانسان قويا وقديرا وطموحا، ويتحلى بالحنكة والذكاء، ويمتلك قاعدة متينة لكي يطلق عمله الخاص، ويتقدم فيه، ويضمن استمراريته، ويكسب منه الأرباح.