لقـد أصبحت العلاقة بين التجارة وحقوق الإنسان مركز فحص متزايد في السنوات الأخـيرة. وإذا كان بوسع التجارة أن تكون محركاً للنمو الاقتصادي من أجل مكافحة ​الفقر​ وتعزيـز التنمـية، فمـن المحتمل أيضاً أن تمثل تهديداً لحقوق الإنسان في بعض الحالات. ورغـم ذلك، فثمة سبل للتوفيق بين قواعد التجارة وحقوق الإنسان وتوجيه ​النمو الاقتصادي​ والتنمية الاقتصادية نحو تحقيق حياة كريمة للجميع.

عالم التجارة مليء بالعلاقات المشتركة المتعددة التي تجمع اطرافاً عدة بينها الموّرد والتاجر وصولاً الى ​المستهلك​. ولاشك ان  هذه الحلقة محكومة ببعض الثغرات والعقد لاسباب متعددة  لاسيما عندما تُمس حقوق احدهم وتكون النتائج خسائر تضر بمسار هذه العلاقة.

من الواضح ان مصلحة حماية المستهلك تسعى دائما بما تيّسر لها من صلاحيات الى التحرك في اتجاه حفظ حقوق المستهلكين والمخالفات متعددة  ومتنوعة في هذا المجال.

الا انه في المقلب الآخر ، هناك علاقة تعاقدية بين الموّرد والتاجر ، تاجر ​التجزئة​ اصبحت بحكم الظروف الاقتصادية الصعبة بحاجة الى إعادة ال​توازن​ سيما بعدما  ارتفعت في الاونة الاخيرة شكاوى بعض الموردين من ضغوط يمارسها عليهم بعض التجار بالتجزئة وعدم حصولهم على مستحقاتهم .

ولتصحيح مسار هذه العلاقة التعاقدية بين الموّرد وتاجر التجزئة، أعدّ رجل الأعمال ​موسى فريجي​ مشروع اقتراح قانون بالتعاون مع المحامي الدكتور بول مرقـص الذي صاغه مع فريق من المحامين من مكتب جوستيسيا للمحاماة، وذلك من أجل تقديمه إلى ​مجلس النواب​. وذلك على اعتبار أن المورّد يواجه صعوبات في فترة ​المفاوضات​ بغاية التعاقد مع التاجر بالتجزئة لكونه الطرف الأضعف، وكون المورّد يرضخ للشروط التعسفية المعروضة عليه.  

مرقص

ما هو هذا القانون واهميته؟

    المحامي الدكتور بول مرقـص يشرح "للاقتصاد" مشروع القانون المعدّ من قبل جوستيسيا مشيراً إلى أن المشاكل الأبرز التي يواجهها المورّدون اليوم تكمن في أن الظروف التعاقدية التي قد يُمليها تاجر التجزئة على الموّرد تبدو، وبشكل فاضح، ظروفاً تعسّفية بالإضافة إلى حالة تأخر تاجر التجزئة عن سداد قيمة السلع للمورد أو حالة عدم الدفع. لذا فإنه من الضروري تحديد الواجبات والحقوق العائدة لكل من المورّد والتجار بالتجزئة بما يؤدي الى شمولها وتغطيتها للقضايا التي تهمّ الموّرد اللبناني لمنع هدر حقوقه.

    ويضيف : بأن دولاً عديدة قامت بوضع هكذا قانون مما يثبت حاجته وضرورته من أجل إعادة التوازن إلى العلاقة ما بين المورّد وتاجر التجزئة ومنها: أوستراليا، المملكة المتحدّ، ​فرنسا​ بالإضافة إلى ​منظمة التجارة العالمية​ التي تطرقت أيضاً إلى هذا الشأن من خلال أحد الأسس القائمة عليها وهي المبدأ الثالث المتعلّق بالممارسات العادلة الذي أوجب مراعاة وضع صغار المنتجين المهمشين من خلال تسديد نصف قيمة السلع المباعة مسبقاً.

    لذا يستوحي هذا المشروع موادّاً تتناول حاجات المورّدين فمنها توقف إمكانية فرض شروط تعسّفيّة على الطرف الأضعف فهكذا شروط يعاقب عليها بالبطلان مهما كان الموضوع الذي يرمي إليه التعسف؛ الأسعار المتفق عليها إلى مهل الدفع وغيرها. كما يتضمن شروطاً موازية بين الطرفين فيما يخص تخزين أو جدولة السلع، ال​تعويض​ عن الخسارة اللاحقة في السلع، تسديد قيمة التعويض عن التقلص الحاصل في السلع، شروط التعاقد إبّان التسليم، إلخ.

الاسبابالموجبة

    واهم ما جاء في الاسباب الموجبة لاقتراح قانون  تنظيم علاقة المورّدين بتجّار التجزئة :

الصعوبات التي يواجهها الموّرد أثناء اجراء المفاوضات بهدف التعاقد مع التاجر بالتجزئة لكون المورّد هو غالباً الطرف الأضعف في العلاقة التعاقدية.  

الظروف التعاقدية التعسّفية التي قد يُمليها  تاجر التجزئة على الموّرد.

حالة تأخر تاجر التجزئة عن سداد قيمة السلع للمورد أو حالة عدم الدفع.

إلى جانب عدم وجود نصوص قانونية خاصة يتم الرجوع اليها في قضايا متعددة أضحى يتعرض لها المورّد بسبب انعدام توازن العلاقة التجارية التي تربطه بالتجار بالتجزئة.

ويقول مرقص  كان يقتضي معالجة هذه الإشكاليات  وسواها  والعمل على سدّ الثغر القانونية من خلال وضع ضوابط تشريعية بموجب  قانون  ينظم العلاقة بين الموّردين وأصحاب السلاسل بهدف إعادة التوازن بين الفريقين، كما ويشّكل ضمانة لتأمين حقوق الموردين خصوصاً بعد ما تعرضّ له الكثير من الموردين اللبنانيين من جرّاء عجز مجموعات تجاريّة عن دفع مستحقاتهم على أثر اتخاذ القرار باقفال فروعها العاملة في لبنان أو على أثر تعرّض هكذا مجموعات تجارية إلى الخسائر.

ولكن كيف تمت حماية مصالح المورّدين في دول العالم ؟

يوضح مرقص :

هناك  دول عديدة أصدرت نصوصاً بهدف حماية مصالح الموّردين، نذكر منها على سبيل المثال:

أوستراليا: Food  Grocery Code of Conduct    في العام2015 .

المملكة المتحدّة  :The Groceries Market Investigation Order    في العام 2009.

إضافة الى أن القانون التجاري الفرنسي قد أورد في المادّة 442-6 منه أحكاما ترمي إلى تنظيم العلاقة بين التجّار ومن ضمنها منع حصول خلل في العلاقة التي تربطهم.

    هذا فضلًا عن التوجيه رقم 35/2000/EC الصادر عن ​البرلمان الأوروبي​ والمجلس الأوروبي في 29 حزيران 2000 حول مكافحة التأخير في السداد في المعاملات التجارية، والذي جرى اعتماده من جميع الدول الأعضاء.

واين هي منظمة التجارة العالمية  من رعاية هذه المصالح ؟

وفق مرقص  تطرقت  منظمة التجارة العالمية أيضاً إلى هذا الشأن من خلال أحد الأسس القائمة عليها وهي المبدأ الثالث المتعلّق بالممارسات العادلة الذي أوجب مراعاة وضع صغار المنتجين المهمشين من خلال تسديد نصف قيمة السلع المباعة مسبقاً.

ويشير الى انه نظراً للوضع الاقتصادي والاجتماعي الصعب التي يشهده لبنان ونظراً لكون كل سلاسل ومنافذ البيع تبيع المنتجات نقداً للمستهلكين ، كان لا بدّ من سنّ قانون للحدّ من المساوئ والعقبات المبينة أعلاه من خلال تحديد الواجبات والحقوق العائدة لكل من المورّد والتجار بالتجزئة بما يؤدي الى شمولها وتغطيتها للقضايا التي تهمّ الموّرد اللبناني لمنع هدر حقوقه.

اقتراح القانون

اما مشروع اقتراح القانون فيتضمن :

المادّة الأولى: تعريفات

تعتمد، من أجل تطبيق أحكام هذا القانون، التعريفات التالية:

المورّد: شخص يقوم بأعمال توريد السلع بهدف بيعها بالتجزئة من شخص آخر.

تاجر بالتجزئة: كل شخص يقوم بنشاط بيع سلع بالتجزئة.

التقلص الحاصل في السلع (Shrinkage): خسارة في السلع ناتجة عن سرقة، عن خطأ في المحاسبة أو أي خطأ أخر.

الخسارة اللاحقة في السلع (Wastage): سلع لم تعد قابلة للبيع.

إلغاء الإدراج: شطب سلعة معينة من لائحة السلع العائدة لكل تاجر بالتجزئة.

عقد التوريد: كل عقد ينشأ بين مورّد وتاجر بالتجزئة بهدف تزويد هذا الأخير بالسلع لغايات التجارة ضمن مجمعات أسواق  البيع .(Supermarket)

السلع: ​المواد الغذائية​، المشروبات، الجرائد والمجلات، الكتب، مسحوق التنظيف، الأدوات الالكترونية، ​فيديو​ واسطوانات مدمجة، ثياب، تبغ، ​ألعاب​، مساحيق تجميل، شتول وورد وأي سلعة مقدّمة من مورّد إلى تاجر بالتجزئة.

المادة الثانية: السوبر​ماركت

على كل منفذ بيع تزيد مساحة عرض المنتجات فيه عن ماية متر مربع أن يحصل على ترخيص خاص من وزارة الإقتصاد والتجارة تعرفه على أنّه "سوبر ماركت". على كل سوبر ماركت أن يودع ​مصرف لبنان​ ​كفالة​ مصرفية بقيمة ألف دولار عن كل متر مربع من مساحة  منفذ البيع  تأميناً  لمورّدي المنتجات له في حالة إخلاله بدفع المترتب عليه لهم. لا يُصرَف أي مبلغ من الكفالة إلاّ بموجب حكم قضائي. كما لا يحق للسوبرماركت مباشرة العمل إلاّ بعد حصوله على شهادة المباشرة من وزارة الإقتصاد وبعد إيداع الوزارة شهادة من مصرف لبنان تؤكد إيداعه الكفالة المصرفية المطلوبة.

المادة الثالثة: تسديد الثمن للمورّد

يتوجب على التاجر بالتجزئة تسديد ثمن السلع  الى المورّد ضمن المهلة المتفق عليها في عقد التوريد على ألاّ تزيد هذه المدّة عن ثلاثة أشهر. وفي حال عدم وجود عقد خطي بينهما أو سكوته عنه، فضمن مهلة ثلاثين يوماً تبدأ من تاريخ تسلّم الفاتورة أو من تاريخ تسليم السلع أيّهما يسبق.

المادة الرابعة: التعديل في شروط التعاقد إبّان التسليم

يحظّر على التاجر بالتجزئة، أثناء تسّلم السلع، وكأمر واقع، تعديل الشروط المتفق عليها مسبقاَ في عقد التوريد بما يراعي مصلحة أو ظروف هذا التاجر تحت طائلة البطلان الذي يعود للمورّد إثارته في أي وقت.

المادة الخامسة: تسديد قيمة التعويض عن التقلص الحاصل في السلع

يحظّر على التاجر بالتجزئة الزام المورّد، سواء كان ذلك على نحوٍ مباشر أو غير مباشر، بتسديد قيمة التعويض عن التقلّص الحاصل في السلع .(Shrinkage)

المادة السادسة: قيمة التعويض عن الخسارة اللاحقة في السلع

يحظّر على تاجر التجزئة الزام المورّد، سواء كان ذلك على نحوٍ مباشر أو غير مباشر، بتسديد قيمة التعويض عن الخسارة اللاحقة في السلع .(Wastage)

المادة السابعة: البدل مقابل  تخزين أو جدولة السلع

يحظّر على التاجر بالتجزئة  الزام المورّد  بدفع  بدل  مقابل  تخزين (Stocking) أو إدراج  السلع  العائدة  له (Listing)، إلّا في حال كان هذا البدل:

مرتبطاً بحسم ترويجي  (Promotion)،

     أو،ناتجاً عن سلع لم  يتم تخزينها، جدولتها أو عرضها من  قبل  التاجر بالتجزئة خلال مدّة 365 يوماً السابقة .

المادّة الثامنة: البدل مقابل عرض السلع على نحو أفضل

يحظّر على التاجر بالتجزئة  الزام المورّد، سواء  كان ذلك على نحوٍ مباشر أو غير مباشر،  بتسديد بدل مقابل ضمان:

عرض السلع  العائدة  للمورد على نحو أفضل .(Better Positioning)

زيادة  في ​توزيع​ سلع المورّد على الرفوف .(Increase in Allocation of Shelf Space)

لا تطبق الفقرة الأولى من هذه المادة في حال كان تسديد البدل منصوصاً عليه مسبقاً في عقد التوريد وفي مقابل حسم ترويجي.

المادّة التاسعة: انهاء العلاقة التعاقدية

يتوجب على التاجر بالتجزئة في حال رغب في انهاء العلاقة التعاقدية التي تربطه بالمورّد، ارسال انذار خطّي الى هذا الأخير خلال مهلة 3 أشهر تحت طائلة الزامه بدفع تعويض للمورّد يمثل الربح الفائت والخسارة اللاحقة بهذا الأخير.

المادّة العاشرة: إلغاء ادراج المورّد

في حال رغب التاجر بالتجزئة بإلغاء ادراج أحد المورّدين عن اللائحة الخاصة بالموّردين لوجود أسباب تجارية مشروعة تبرر ذلك، يتوجب عليه ارسال انذار خطي الى المورّد خلال مهلة ثلاثة  أشهر تسبق القيام بالغاء الادراج، يُحددّ بموجبه الأسباب المشروعة الباعثة إلى ذلك، تحت طائلة الزامه بدفع تعويض يمثل الربح الفائت والخسارة اللاحقة بالمورّد.

المادّة الحادية عشرة: التوازن في العلاقة التعاقدية

يقع  باطلاً أصلاً كل بند تعاقدي يخضع  المورّد لموجبات  تترك عدم توازن في الحقوق والواجبات مع التاجر بالتجزئة ومثل ذلك الشروط التعسّفية  بحقّ المورّد لناحية الأسعار أو مهل الدفع وغيرها.

المادّة الثانية عشرة: المصاريف

يلزم التاجر بالتجزئة بدفع مصاريف ​الاعلانات​ وكذلك التكاليف الناتجة عن اجراء حسومات على أسعار السلع وكل بند تعاقدي مخالف مدرج على كاهل المورّد يقع باطلاً أصلاً.

المادّة الثالثة عشرة: الاختصاص القضائي

يكون قضاء  العجلة صالحاً للنظر في ​مخالفة​ أحكام هذا القانون  والحكم  بالتعويض  وفي إعلان  بطلان البنود التعاقدية المخالفة له.

المادة الرابعة عشرة: الأحكام المخالفة

تلغى جميع الأحكام المخالفة لهذا القانون.

المادة الخامسة عشرة: نفاذ القانون

ينشر هذا القانون في الجريدة  الرسمية  ويعمل به  فور نشره.

أخيراً ، لابد من القول ان تدخل القانون يأتي في سياق تحديد القيم الاخلاقية الراعية لمسار العلاقات الثنائية والمشتركة سواء في التجارة ، او في ​السياحة​  او في الاقتصاد او غير ذلك ...