أدّى إنخفاض مؤشر ​الدولار​ الأميركي الذي بلغ أدنى مستوياته منذ ثلاثة أعوام إلى زعزعة الثقة بالعملة الخضراء مُنذرة بتفاقم ​الدين العام​ الأميركي. وإذا كان ​الإقتصاد الأميركي​ سيستفيد من خلال إرتفاع الصادرات الأميركية، إلا أن التداعيات على الإقتصاد ال​لبنان​ي ستكون سلبية.

إنخفض ​سعر صرف الدولار​ بشكل كبير نهار الأربعاء الماضي على وقع تصريح وزير ​الخزانة الأميركية​ الذي صرّح أن الإدارة الأميركية لا ترى تتخوف من ضعف الدولار مُقابل ​العملات​ الأجنبية الأخرى. هذا التصريح أدّى إلى مخاوف في ​الأسواق المالية​ بسبب تضاربه مع تصاريح سابقة للإدارة الأميركية تقول فيها أنها مع ثبات سعر صرف الدولار. وإنخفض مؤشر ​الدولار الأميركي​ (DXY) إلى 88.87 نقطة مُسجّلًا بذلك أدنى مستوى له منذ تشرين الثاني 2014.

ويعود إنخفاض الدولار الأميركي إلى الإرتفاع المُستمرّ في الدين العام الأميركي بحكم أن العملة تعكس الثروة الوطنية. وهذا الأمر أثار مخاوف حاملي ​سندات الخزينة الأميركية​ وعلى رأسهم ​الصين​ التي تحمل في محفظتها 3.1 تريليون دولار أميركي منها 1.2 تريليون سندات خزينة أميركية.الجدير بالذكر أن وكالة التصنيف الصينية خفّضت تصينف الولايات المُتحدة الأميركية من A- إلى BBB+ مُنذرة بذلك بفقدان الصين الثقة بملاءة الولايات المُتحدة الأميركية.

فقدان الثقة هذا آتٍ من السياسة الضريبية التي خفّضت الضرائب بشكل كبير مما يُقلّل من مداخيل الدولة الأميركية ويُضعف قدرتها على سدّ ديونها. وترافق هذا الأمر مع موافقة ​الكونغرس الأميركي​ على طلب الرئيس ​ترامب​ رفع سقف الدين العام إلى 21 تريليون دولار أميركي (الدين الحالي يوازي الـ 20 تريليون دولار).

وهذا الأمر يعني أن الولايات المُتحدة الأميركية أصبحت تعتمد بشكل كبير على الدين العام لتحفيز الإقتصاد الأميركي مما يؤثرّ سلبًا على ملاءتها المالية. وإذا ما إستمرّ الوضع على نفس الوتيرة، قد تُصبح ​أزمة الديون​ السيادية الأميركية مصدر أزمة مالية عالمية جديدة.

التخوّف الصيني من هذا التحليل أصبح له أذان صاغية في الأسواق المالية العالمية بدليل ​تراجع الدولار​ حيث أصبح العديد من المُستثمرين يتخوّفون من وضع الدولار الأميركي. الجدير ذكره أن أكبر حاملي سندات خزينة أميركية هم الإحتياطي الفديرالي الأميركي، الصين و​اليابان​. وبالتالي فإن فقدان ثقة الأسواق بالعملة الخضراء سيقابله إرتفاع مُستقبلي لنسبة سندات الخزينة الأميركي في محفظة الإحتياطي الفديرالي.

ضعف الدولار الأميركي يُعقّد من ​التجارة العالمية​ بحكم أن الدولار هو العملة الرئيسية في ​التجارة الدولية​. وبالتالي هناك العديد من البلدان وعلى رأسها الصين تطّمح إلى جعل عملتها عملة رئيسية في التجارة العالمية. وتُشير الأرقام إلى أن حصة ​اليوان الصيني​ في التجارة العالمية إرتفعت على حساب الدولار الأميركي مدعومة من دول في صراع سياسي وإقتصادي مع الولايات المُتحدة الأميركية مثل ​روسيا​.

من هنا يُطرح السؤال الأساسي عن مُستقبل الدولار الأميركي؟ مما لا شكّ فيه أن التخوفات من ضعف الدولار أصبحت واقعية وتتمدّد يومًا بعد يوم. والعديد من المُحلّلين المالين يرون أن سعر صرف الدولار الأميركي لا يعكس واقع الإقتصاد الأميركي المُثقلّ بالديون. وبالتالي هناك عملية تصحيحية إلزامية بدأت معالمها في السنوات الأخيرة.

في مقابل هذا الوضع القاتم، هناك نقطتين تعول عليهما الإدارة الأميركية:

الأولى – عودة النشاط الإقتصادي في الولايات المُتحدة الأميركية مع خفض الضرائب بشكل كبير.

والثانية – زيادة الطلب الخارجي على البضائع الأميركية مدعومًا بضعف الدولار. وهذا ما تُثبته الأرقام حيث بين أول كانون الثاني 2017 ونهاية تشرين الثاني 2017، إنخفض مؤشر الدولار الأميركي بنسبة 8.96% وفي المقابل، إرتفعت الصادرات الأميركية بنسبة 11.38% على نفس الفترة.

وبإعتقادنا هذه الأرقام هي التي دفعت بوزير المال الأميركي إلى التصريح بأن الإدارة الأميركية غير متخوّفة من ضعف الدولار الأميركي بحكم أن إستعادة النشاط الإقتصادي الأميركي سيزيد من الناتج المحلّي الإجمالي الأميركي ومعه مداخيل الدولة وبالتالي ستزيد ملاءة الولايات المُتحدة الأميركية على سدّ دينها العام.

في هذا الوقت، يشهد سوق المواد الأولية حركة ناشطة مع إرتفاع مُعظم المواد الأولية من النفط إلى ​الذهب​ مرورًا بالمعادن مُترجمة بذلك ضعف الدولار الأميركي.

على الصعيد اللبناني، فإن ضعف الدولار الأميركي يُخفّف الضغط على ​الليرة اللبنانية​ ويزيد من الثقة بالعملة الوطنية التي وبدون أدّنى شكّ ستنخرط أكثر فأكثر في النشاط الإقتصادي اللبناني. يبقى القول أن ضعف الدولار الأميركي سيكون له تداعيات سلبية على ​الإقتصاد اللبناني​ على صعيدين: الأول إرتفاع فاتورة الإستيراد للبنان أقلّه بنسبة 5% والثاني على صعيد تحاويل المُغتربين التي ستشهد إنخفاضًا بقيمتها الحقيقية بحكم أن مُعظمها يتمّ بالدولار الأميركي.

لذا نرى أن سعر ​صفيحة البنزين​ سيستمر بالإرتفاع على إمتداد العام 2018 وسترتفع معه معظم أسعار المواد الإستهلاكية والمواد الأولية. وبما أن نسبة الضرائب في لبنان هي عالية، فهذا يعني أن القدرة الشرائية للمواطن اللبناني ستضعف لصالح مداخيل الدوّلة التي ستزداد.