خاص ــ الاقتصاد

عندما يكون الأبناء قيّمين على رعاية آبائهم وأمهاتهم في خريف العمر، فهذه سنّة الكون التي تحكم طبيعة الحياة البشرية، لكن أن يكون الأولاد بعيدين عن الوالدين في عزّ الحاجة اليهم، تصبح هذه القاعدة شاذّة و​مخالفة​ للمعايير الانسانية، وعليها تترتّب كلّ الخلافات، العائلية منها والإرثية، التي تؤسس لمشاكل يصعب تجاوزها والتئام جروحها مع  مرور الزمن.

أحد النماذج الصارخة عن هذه الحالات، تمثّلت في ​الشكوى​ التي تقدّم بها "تامر. ف"، واتخذ فيها صفة الادعاء الشخصي ضدّ الطبيب "طارق. س"، إدعى فيها أن الأخير استطاع السيطرة على والدته الطاعنة في السنّ والتحكّم بارادتها، وبدأ منذ سنوات طويلة بادراة أموالها، ثم أقنعها الطبيب بمنحه قرضاً بقيمة مليون ونصف المليون دولار أميركي، وقد نظمت السيدة العجوز في ما بعد وصيّة عيّنت فيها الطبيب الذي يتولّى رعايتها منفذاً للوصيّة، وأشارت في متنها الى القرض الممنوح من قبلها له، وأن الأخير استغلّ ضعف إرادة السيدة ليستولي على أموالها بالمناورات الاحتيالية، مستغلاً موقعه الإجتماعي المرموق ليحرم ورثتها الحقيقيين من حقوقهم الارثية.

وتضمنت شكوى "تامر" أن والدته التي توفيت لاحقاً، كانت في التسعين من عمرها، حينما وقعت على إقرار لصالح الطبيب، دون أن تكون مدركة لحقيقة ما تقوم به، وغير مسيطرة على ارادتها ووعيها، ورد فيه أنها تسلمت من "طارق. س" كافة الدفعات الشهرية المستحقة بذمته لإيفاء الدين الذي حصل عليه، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ، إذ وجه المدعى عليه انذاراً يطالب فيه المدعي بمبلغ 210.000 دولار أميركي، يزعم أنه متوجب له بمثابة دين في ذمة والدته ومصاريف كان ينفقها عليها.

الابن الذي اعتبر في الانذار يشكّل تهديداً له، ردّ عليه بدعوته الدكتور الى الكفّ عن ممارسة المناورات الاحتيالية، والاستيلاء على أموال المرحومة والدته التي هي أموال ورثتها، وخلص في ختام الشكوى الى طلب اتهام "طارق. س" بمقتضى المادة 649 من قانون العقوبات، التي تنص على أنه "يعاقب بالحبس سنة على الأقل، كل من أقدم على اجتلاب نفع غير مشروع له أو لغيره، وعلى اغتصاب ​كتاب​ة تتضمن تعهداً أو إبراء أو اغصاب توقيع عليها". وبمتقضى المادة 650 التي تنص على أن "كل من هدد شخصاً بفضح أمره، أو إفشاء أمره أو الاخبار عنه، وكان من شأنه أن ينال من قدر هذا الشخص أو شرفه أو قدره، لكي يحمله على جلب منفعة له أو لغيره، عوقب بالحبس من شهرين الى سنتين وبغرامة مالية".

وخلال جلسة الاستجواب التي عقدت أمام قاضي الحقيق في بيروت، تقدّم الطبيب المدعى عليه بمذكرة دفوع شكلية بواسطة وكيله القانوني، أدلى خلالها بأنه أرسل انذاراً بواسطة الكاتب العدل الى ورثة المرحومة، لمطالبتهم بالدين المتوجب على موروثتهم لمصلحته، وبعد سنتين أتبعه بانذار آخر أرسله بموجب كتاب مضمون، مع اشعار بالموضوع نفسه الى كافة ورثة المرحومة، لأن الأخيرة كانت قد وقعت أمام كاتب العدل، إقراراً بالدين المتوجب في ذمتها لمصلحة الطبيب، حيث ورد في حرفيته "أصرّيت على أن يذكر الدين بذمتي تجاهه، والذي وجب تسديده أصلاً وفائدة من قبلي أو من قبل ورثتي في الوقت والطريقة التي يراها ملائمة". وأضاف المدعى عليه في مذكرته "أنه سيلاحق الورثة للحصول على كامل الدين".

لكن حيثيات القرار الظني الذي أصدره قاضي التحقيق في بيروت، اعتبرت أن الركن المادي لجريمة المادة 650 من قانون العقوبات يقوم على التهديد والتهويل على المجني عليه بوقائع تمس بقدرته وشرفه وتحطّ من مكانته الاجتماعية، وبالعودة الى الانذار المرسل من المدعى عليه يتبيّن أن الأخير يطالب بدفع مبلغ من المال متوجب له في ذمة المرحومة والدة المدعي، وتحت طائلة مراجعة القضاء، وبالتالي فإن الانذار الذي يقع تحت طائلة الملاحقة القضائية لا يعتبر تهديداً أو تهويلاً، بل على العكس هذا الأمر مشروعاً ومتاحاً قانوناً، وبالتالي فإن عناصر جريمة المادة 649 عقوبات لم تتوفر في هذه القضية، وخلص قاضي التحقيق الى منع المحاكمة عن المدعى عليه الطبيب "طارق. س" لعدم اكتمال عناصرهما الجرمية، وبالتالي تدريك المدعي الرسوم والنفقات القانونية.