هي سيدة أعمال ​لبنان​ية استثنائية، تتميز بالإرادة الصلبة، و​الطاقة​ الإيجابية، والذكاء والحنكة.

هي شخصية عصامية رسمت طريق نجاحها بثبات، وصنعت لنفسها اسما في عالم الأعمال والشركات، وفي سماء المرأة وحقوقها وسبل تمكينها.

هي مثال على النجاح، ترفع اسم لبنان عاليا وتعكس صورة المرأة الطموحة والمثابرة.

هي ناشطة اجتماعية مناضلة، تحملت الكثير من الضغوط والصعوبات والعناء، ونجحت في تخطيها والحفاظ على استمرارية مشاريعها.

هي ريادية مؤمنة أن كل فترة من حياة الانسان تحتاج الى نجاح ما، والى التغيير من أجل الانطلاق بمشروع جديد.

إنها بكل بساطة شخص نفتخر بوجوده بيننا، والكلمة المختصرة التي تصف مسيرتها المهنية هي الاحترافية والتنظيم والجودة.

فلنتعرف معا في هذه المقابلة الخاصة مع "الاقتصاد"، الى قصة نجاح أسمهان ​زين​، لتكون مثالا يحتذى به:

بداية، كيف تصفين مسيرتك المهنية الطويلة والغنية بالأحداث؟ هل مرّت بسهولة أم كانت مليئة بالمشاكل والصعوبات؟

لا شك في أن مسيرتي المهنية كانت صعبة للغاية، وذلك بسبب اندلاع الحرب الأهلية في لبنان، خلال بداية عملي. ولهذا السبب، توجهت في العام 1985، الى ​ساحل العاج​، حيث استلمت إدارة فندق "Grand Hotel D’Abidjan". أما في العام 1988، فطلب مني شقيقي، مؤسِّس شركة "​Aramex​" - التي كانت في البداية شركة عائلية – العودة الى لبنان من أجل اطلاق "​أرامكس​ لبنان".

فعندنا وانطلقنا مع الشركة في الأول من كانون الثاني 1988، وكان فريق العمل مكوّن حينها من 12 شخصا، يعلمون معا في غرفة صغيرة؛ وفي المقابل عندما استقلت من الشركة، كان العدد قد وصل الى 270 موظفا. فمع مرور السنوات، تطورت الشركة وتوسعت نحو العالمية، كما أصبحت موجودة في بورصة "NASDAQ" في نيويورك، ومن ثم في ​بورصة دبي​.

بقيت مع "Aramex" لمدة 27 عاما، وقمت بزيارة بلدان عدة بسبب عملي، ومنها ​فرنسا​ و​بريطانيا​. كما توجهت الى ​إفريقيا​ الغربية من أجل ​إطلاق​ فرع للشركة هناك.

لكن لا بد من الاشارة الى أنني كنت مجرد موظفة في البداية، قبل أن أصبح ريادية في عملي، وتنقلت بين وظائف مختلفة، اكتسبت منها خبرة واسعة، كما عملت مع أشخاص محترفين وتعلمت منهم. و"أرامكس" كانت أهم من الجامعة بالنسبة لي، وما تعلمته من خلالها، يضاهي مئات الشهادات.

فعندما أطلقنا الشركة، كانت الظروف صعبة للغاية في لبنان، ولكن على الرغم من كل المعوقات الموجودة - مثل الأوضاع الأمنية، وغياب ​الكهرباء​، و​المياه​، وتدمير مكاتبنا مرات عدة - تمكنا من بناء شركتنا وتطويرها وتوسيعها.

وخلال الحرب الاسرائيلية في العام 2006، عشنا في مأساة جديدة، لكننا تمكنا من مواصلة العمل، وضمان سلامة الموظفين، وتأمين خدماتنا لكل زبائننا في لبنان والعالم دون أي تقصير. وبسبب التزامنا الجدي، اكتسبنا ثقة العملاء وإخلاصهم، ولذلك استمروا بالتعامل معنا بعد انتهاء ​الحروب​.

وطوال فترة عملي في "أرامكس"، كنت ناشطة اجتماعية، لأن العمل الاجتماعي محفور في ثقافة الشركة. وبمجرد أننا حافظنا على استمرارية أعمالنا خلال السنوات الصعبة، تشجعنا أكثر على خدمة محيطنا بشكل فعال، وتطوير حياة موظفينا، والحفاظ على اتصال دائم مع مجتمعاتنا من أجل تلبية حاجاتها في الأيام الصعبة، والتواجد على الأرض لتقديم المساعدة لها.

وبسبب تجربة العمل في "أرامكس" انطلقنا في العمل الخدماتي - مع العلم أن ثقافة الحس الوطني ليست موجودة بكثرة في الشركات. والى جانب ذلك، قدمنا تدريبا كاملا للموظفين من أجل حمايتهم وعدم تعريضهم للمخاطر، ما خلق "وحدة حال" بيننا وبينهم، وبات الموظف يشعر ويفكر مثلنا، وبالتالي أصبحت الادارة على مستوى واحد مع الموظف، وشكلنا معا عائلة واحدة.

في العام 2014، قررت الاستقالة من أجل فتح المجال أمام الأجيال الجديدة لاستلام العمل، لأنه على الانسان أن يعرف حدوده، ومتى يحين وقت تنحيه من أجل تغيير وجهته. كما من المهم على كل شخص عامل أن يعرف متى تأتي الساعة التي عليه أن يتوقف فيها عن ممارسة عمل معين من أجل الانطلاق في أعمال أخرى، ومتى يجب أن يترك منصبه لأشخاص آخرين.

لكن للأسف، هذه الصفة قليلة الوجود في لبنان، لأن كل شخص يصل الى منصب قيادي، يسعى للبقاء فيه؛ وهنا يكمن الخطأ الكبير.

بعد استقالتي، حصلت على وكالة لشركة "InfoFort" التي تهتم بكل ما له علاقة بأرشيف الشركات وأشرطة البيانات، كما تقدم خدمة تمزيق كل الملفات منتهية الصلاحية.

في الوقت ذاته، أعمل مع جمعيات عدة منها "رواد التنمية في ​طرابلس​" حيث أشغل منصب نائبة الرئيس؛ وهذه الجمعية هي عبارة عن مركز يؤمن منح دراسية للشبان والشابات في باب التبانة وجبل محسن، شرط أن يعملوا في المركز أسبوعيا، ويقدموا أربع ساعات من وقتهم من أجل تعليم الأولاد الموجودين فيه.

كما أنني رئيسة "الرابطة اللبنانية لسيدات الأعمال"، "LLWB"، المكونة من 360 سيدة يعملن في لبنان وفي جميع الميادين. 60% من العضوات هن من الرياديات في العمل. كما تقوم الرابطة من خلال مكاتبها فى جميع الآراضي اللبنانية، بتنظيم أنشطة شهرية متعددة لمساعدة المرأة العاملة وعلى أصعدة عدة.

ولا بد من الاشارة الى أننا شركاء مع جهات مهمة مثل "Tripoli Entrepreneurs Club" في الشمال، و"Rural Entrepreneurs" في الشوف. أما غايتنا الأساسية فهي الوصول الى أكبر عدد ممكن من ​النساء​ في لبنان، من أجل مشاركتهن في البرامج التي نحضرها، والتي تناسب حاجات المناطق كافة.

ونحن كنا أول مؤسسة بدأت بما يسمى بـ"Lebanese Women Angel Fund"، بالتعاون مع "​IM Capital​" التابعة لـ"Berytech"، حيث جمعنا 22 امرأة مهتمة بالاستثمار في ​الشركات الناشئة​ التي تملك فيها المرأة 20% من الأسهم، أو تكون المؤسِسة امرأة. وهذه المبادرة هي الأولى من نوعها في ​العالم العربي​، باستثناء دبي، والهدف منها هو مساعدة الشركات الناشئة في لبنان على الانطلاق والتطور.

إضافة الى ذلك، نحن ننظم دورات تدريبية مع شركات عالمية من أجل تطوير قدرات النساء. وقمنا مؤخرا بدراسة حول النساء المؤهلات للنجاح والوصول الى مناصب عليا، واخترنا النساء العاملات في شركات تضم أكثر من 50 موظفا (يبلغ عدد هذه الشركات 950 شركة عاملة في كل لبنان)، وقد حددنا النساء اللاتي من الممكن أن يسيروا معنا لكي يتمتعن في العام 2025، بالطاقة والقدرة والمعرفة والمؤهلات، التي توصلهن لاستلام منصب عضو في مجلس الإدارة. وبالتالي فإن العمل مع "LLWB" واسع للغاية، وبحاجة الى التفرغ والمتابعة.

ما هي المقومات التي يجب أن تتحلى بها المرأة في لبنان من أجل التقدم والوصول الى أهدافها العملية؟

أولا، لبنان يعاني من مشكلة كبيرة، وهي أن 51% من المتخرجين الجامعيين هم من النساء، في حين أن القوى العاملة النسائية تشكل نسبة 23% فقط. ما يعني أن حوالي 30% من النساء اللبنانيات المثقفات والمتعلمات والمحترفات، لا يدخلن الى سوق العمل، لأسباب عدة. وهذا الأمر يشكل خسارة كبيرة للبنان، لأن ​المرأة اللبنانية​ تتحلى بدرجة عالية من الاحترافية، كما أنها مثقفة ومتعلمة وجريئة وقادرة على الوصول.

ولهذا السبب، أتمنى أن تفكر المرأة جديا بالعودة الى سوق العمل، لأن البلد بحاجة اليها، واقتصاده أيضا.

ثانيا، نحن نعاني من مشكلة أخرى، تكمن في ثقافة الرجل اللبناني. اذ لا يمكن للمرأة أن تصل الى مراحل متقدمة في عملها، اذا لم يكن الرجل مؤمن بالمساواة الكاملة معها، وبأنها مؤهلة مثله تماما للوصول الى المراكز المهمة والأساسية، وبضرورة بتنمية قدرات النساء العاملات معه لكي يصلن الى مراكز أعلى.

برأيك، هل تحسنت أوضاع المرأة اللبنانية بالمقارنة مع السنوات الماضية؟

نعم​ بالتأكيد، خاصة على الصعيد العلمي، فهي تقدمت حتما في مجال التعليم والثقافة، رغم أنها لا تدخل الى سوق العمل بقوة.

ولكن في المقابل، هناك عدد كبير من الفتيات اللواتي لا يقصدن المدراس، ما يسهم في زيادة نسبة الأمية، ولهذا السبب يجب أن يلفت هذا الموضوع اهتمام الجميع. فنسبة الأمية تتزايد لأن المدارس الموجودة في المناطق البعيدة عن المدن، تواجه تحديات كبيرة بسبب غياب الأماكن الكافية، وعدم إمكانية استيعاب عدد الطلاب اللبنانيين مع النازحين السوريين.

كيف نجحت طوال هذه السنوات في تحقيق التوازن بين العمل والحياة الخاصة مع العائلة؟

إيجاد التوازن بين الحياة الخاصة والعمل ليس بالأمر السهل على الاطلاق، وسيكلف المرأة ساعات طويلة من العمل في المنزل والمكتب على حد سواء، بالاضافة الى تنازلات وتضحيات عن أمور شخصية عدة تستمتع بها، لأن الأولاد بحاجة الى الكثير من الوقت والاهتمام.

وبالنسبة لي شخصيا، اذا عاد بي الوقت الى الماضي، سأعطي نفسي وعائلتي وقتا أكثر واهتماما أكبر. فقد كنت امرأة طموحة الى أقصى الحدود، ولطالما سعيت الى إثبات نفسي وقدراتي، ولهذا السبب خصصت وقتا طويلا للعمل، تغلب أحيانا على وقتي الشخصي والعائلي.

إنما تنسيق الوقت بالإجمال هو أمر قابل للتحقيق، ولكن يجب أن يقدر الشريك عمل زوجته ويهتم به، ويكون مدركا لأهميته لكي يتمكن من تقديم كل الدعم اللازم.

ما هي طموحاتك المهنية المستقبلية؟

طموحاتي صعبة التحقيق، لكنني مؤمنة أن الانسان قادر على الانطلاق في الطريق، ليكملها شخص غيره.

وأنا أتمنى أن يكون التعليم متوفرا لكل الأجيال القادمة، وأن يتمكن كل طفل في لبنان من مواكبة التكنولوجيا والمعرفة الرقمية. كما أطمح أن يتوفر الدعم المطلوب لكل رائد أعمال لبناني يسعى الى تحقيق فكرته، وأن تكون المرأة فاعلة وناشطة أكثر.

كما أتمنى على كل الفرقاء والشركاء في المجتمع المدني، أن يعملوا يدا بيد مع بعضهم البعض على أهداف موحدة، من أجل تحقيق إنجازات أكبر. فأنا مؤمنة أنه بالتعاون سنصل، ولكن اذا عمل كل شخص بمفرده، ستعمّ الفوضى وسنواجه صعوبات كبيرة.

ما هي نصيحة أسمهان زين الى المرأة في لبنان؟

النصيحة الأهم هي أن تعرف المرأة مدى حاجة البلد اليها، لأنها عضو فعال ومؤسس في جذع الشجرة التي ستتطور وتنمو.

فالمرأة تربي الأجيال على رفض التعصب.

والمرأة تعلّم أولادها تقبّل الآخر، وتزرع في نفوسهم حسّ ​المواطنة​.

والمرأة تحثّ زوجها على معرفة أهمية المساواة في العمل والمنزل.

ولهذه الأسباب يجب أن تكون متطورة فكريا، وعليها أن تبغي المعرفة على الدوام.

وفي النهاية أقول للمرأة اللبنانية: "اذا أردت الوصول الى حقوقك وطموحاتك، يجب أن تكوني محفَّزة ومندفعة. لا تنتظري أن تأتيك الحلول من الرجل، بل عليك إثبات وجودك، لكي يرى الجميع أنك في المستوى ذاته مع الرجل من ناحية الكفاءة والمعرفة".