مازالت الحكومة ال​لبنان​ية منهمكة في التحضير لمؤتمر دعم لبنان من خلال "​باريس​ 4"، وهو المؤتمر الذي يُراهَن عليه لتأمين دعم مالي كبير للبنان يمكّنه من دعم الوضع الإقتصادي وتصحيح الإختلالات البنيوية التي أصابته خلال السنوات الخمس الماضية.

وتشمل الخطة التي وضعتها ​الدولة اللبنانية​، تنفيذ اكثر من 400 مشروع لاسيما المشاريع المتعلقة بتطوير وتحسين وضع البنى التحتية من ​كهرباء​ وماء وطرقات، اضافة الى موضوع النفايات، وتبلغ تكلفتها التقريبية نحو 20 مليار دولار اميركي.

ويأمل رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ صاحب توجّه وفكرة وضع هذه الخطة في الحصول على ​دعم مالي​ من مؤتمر باريس المرتقب، أو ما بات يعرف بـ "​باريس 4"، بمبلغ قد يصل الى نحو 10 مليارات دولار، وذلك للانطلاق بهذه الخطة مع التأكيد على الشفافية في تنفيذ المشاريع التي تتضمنها الخطة المرسومة.

فما هي أهمية هذا المؤتمر المرتفب ؟ وهل سيتمكن من نقل لبنان إلى مرحلة جديدة إقتصادياً ؟ ما هو دور ​القطاع الخاص​ اللبناني في تنفيذ هذه المشاريع؟ وماذا عن الديون الإضافية التي ستنتج عن "باريس 4" ؟

أسئلة كثيرة أجاب عنها عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأنطونية البروفسور ​جورج نعمة​، في هذه المقابلة مع "الإقتصاد".

ما أهمية مؤتمر "باريس 4" في الوقت الراهن ؟ وهل سيساهم في نقل لبنان إلى مرحلة جديدة إقتصادياً ؟

لا شك أن إنعقاد مؤتمر "باريس 4" هو حدث مهم جداً للبنان، فهو يترجم أولا الدعم الدولي الموجود والذي يطال كافة المسائل والقضايا والملفات، سياسية كانت ام إقتصادية وإجتماعية، لذلك فإن مجرد إنعقاد هذا المؤتمر هو مؤشر إيجابي جداً.

من جهة ثانية، علاقة لبنان ب​المجتمع الدولي​ والمؤسسات الدولية هي علاقة يجب أن تُصان وأن تبقى جيدة، لأنها رافعة أساسية لا بد من المحافظة عليها، خاصة ان هناك حاجة وطنية لهذا الأمر.

ثالثا، إنعقاد مؤتمر "باريس 4" والدعم الذي يمكن أن يأتي به للبنان على مختلف المجالات ومختلف القطاعات، هو أمر مهم جدا .. فنحن اليوم كدولة لبنانية نقوم بوضع رؤيتنا الإقتصادية وخطتنا المستقبلية للنهوض بالكثير من القطاعات الإقتصادية، وأبرزها إصلاح المالية العامة للدولة .. وهذه الخطة او الرؤية هي أمر إيجابي جداً، ولكن بنفس الوقت ترتب مسؤوليات كبرى على الدولة اللبنانية.

فلا يمكن أن نتقدم بخطة إقتصادية ورؤية مستقبلية ممتازة وجيدة جدا على الورق، من اجل الحصول على الدعم الدولي، ومن ثم نصطدم بمعوقات تمنعنا من تطبيق هذه الخطة .. المطلوب إذا ضمان تنفيذ هذه المشاريع من أجل المحافظة على ثقة المجتمع الدولي والدول المانحة، لأن المناكفات والخلافات السياسية التي قد تعرقل المشاريع المطروحة، ستؤدي بدون شك إلى فقدان ثقة المجتمع الدولي بلبنان، وسنصل إلى مرحلة صعبة جدا، حيث ستصبح إمكانية الإستدانة أو توفير ​الدعم المالي​ من الأمور غير الممكنة.

أين يكمن دور القطاع الخاص اللبناني لتنفيذ المشاريع الموضوعة في الخطة ؟ وهل الدولة اللبنانية قادرة بمفردها على إنجاز هذه المشاريع وتطبيق الرؤية الموضوعة ؟

لم يعد هناك أي جدل حول أهمية دور القطاع الخاص ليس فقط في لبنان، بل في كل دول العالم.

وفي لبنان، إستغلال قدرات القطاع الخاص بات حاجة ماسة وملحة وضرورية، خاصة بعد إقرار القانون الذي ينص على الشراكة بين القطاعين العام والخاص، والذي يحتاج فقط إلى إصدار المراسيم التطبيقية والتنظيمية.

فلا شك انه لبنان يحتاج لدور القطاع الخاص اكثر من غيره من الدول الأخرى، لأن القطاع العام لا يملك أي قدرة على تمويل مشاريع إستثمارية كبرى، لذلك لا بد من اللجوء للقطاع الخاص.

ولكن بنفس الوقت لكي يقتنع القطاع الخاص بالدخول بمشاريع تقوم على الشراكة مع القطاع العام، علينا تأمين الشروط التي تعطي الطمأنينة لهذا القطاع .. فالقطاع الخاص ليس جمعية خيرية، بل هو مجموعة شركات وأطراف تسعى للربح وللإستمرارية.

لا شك ان "باريس 4" سيرتب على لبنان ديون إضافية ... أين تكمن خطورة هذا الأمر ؟

بالطبع مؤتمر "باريس 4" سيرتب على لبنان ديون إضافية، ولكن يجب أن نعترف بأن الإستدانة لا بد منها، ولكن في المقابل علينا الإلتزام بتنفيذ الإصلاحات المطلوبة التي ستؤدي إلى تحسن الظرف الإقتصادي والبنية الإقتصادية بالشكل المطلوب، مما سيخلق عائدات إضافية وقدرة مالية تسمح بسد هذا الدين.

ولكن للأسف المسار الذي كنا نسير به في باريس 1 و 2 و 3 هو مسار خاطىء، حيث لم يتم الإلتزام بأي إصلاحات، وهذا ما كان ينقلنا من مشكلة إلى أخرى ... لذلك انا أطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى بضمان الإلتزام بورشة الإصلاحات وبتنفيذ المشاريع التي ضمّنها لبنان في خطته الإقتصادية، لأن عدم الإلتزام بها سيؤدي إلى نتائج سلبية على كافة المستويات دون إستثناء.

هل ستؤدي الإنتخابات النيابية المرتقبة لإحداث تغيير نحو الأفضل ؟

لا شك أنه في حال إجراء الإنتخابات في موعدها المحدد في أيار القادم، فإن النتيجة ستكون إيجابية بغض النظر عن القانون والمرشحين ونتائج التصويت، فالإنتخابات مبنية على ضخ كميات من المال في السوق اللبناني، مما سيؤدي إلى تحريك العجلة الإقتصادية، وتحريك العديد من القطاعات.

كما ستجدد هذه الإنتخابات الثقة بالنظام السياسي اللبناني، الذي سيعود لإعتماد الوسائل الديمقراطية، مما سينعكس إيجابا أيضا على ​ثقة المستهلك​ والمستثمر.

فكل المؤشرات تشير إلى نتائج إيجابية إذا حصلت هذه الإنتخابات بموعدها وبدون أي عراقيل.

في الخلاصة نحن أمام فرصة للإستفادة من هذا العام بأفضل شكل ممكن، فإذا تمكّنا من إستغلال مؤتمر باريس بالشكل الصحيح، وإذا قمنا بإجراء الإنتخابات بموعدها المحدد وبدون أي مشاكل، فإن مؤشرات العام 2018 ستكون الأفضل في السنوات الأخيرة، ومنذ بدأت المؤشرات الإقتصادية بالتراجع في العام 2011.