رغم الكلام الكثير عن المشاريع الاقتصادية المنوي تنفيذها والخطوات التي سيتم اتخاذها لاطلاق العجلة الاقتصادية، وزيادة الاستثمارات وخلق فرص العمل بما يسمح برفع نسب النمو لا يمكن قراءة هذه الامور بعيداً عن الاستحقاقات السياسية وخصوصاً منها الانتخابات النيابية في ربيع 2018 . فتحركات اصحاب القرار المرصودة يغلب عليها هذا الاستنفار لمصلحة الانتخابات اكثر من اي مصالح اخرى رغم دقة الملفات واهميتها.

واذ توقعت وكالة "​موديز​" للتصنيف الائتماني أن اقتصاد لبنان سينمو بنسبة 2.8% في 2018 ليسجل وتيرة أعلى قليلا من العام الماضي بفضل استئناف مشروعات استثمارية عامة طال تأجيلها يرى معهد التمويل الدولي أن رفع مستوى البنية التحتية للبلد يمكن أن يؤدي إلى زيادة النمو الاقتصادي. غير أن التحدي الذي سيواجهه الحكومة هو إيجاد التوازن الصحيح بين الزيادة الكبيرة في النفقات الرأسمالية والحاجة إلى زيادة خفض الديون. وفي هذا الصدد، يمكن للقطاع الخاص أن يلعب دوراً أكبر في الاستثمار في البنى التحتية وفي تقديم الخدمات العامة من خلال الشراكة مع القطاع العام.

ومن بين اقتراحاته إجراء تصحيح مالي جدي والعمل على خفض الدين إلى الناتج المحلي وذلك من أجل التخفيف من العبء المُلقى على عاتق ​مصرف لبنان​ وعلى التدفقات المالية من أجل تغطية حاجات الدولة. ويبدي تخوفه من العجز المزدوج الذي لا يزال يهدد الاستقرار الماكرو اقتصادي ويقوض فرص النمو.

جذب الاستثمارات، اصلاح البنى التحتية ، تحسين مستوى الخدمات، خلق وتوفير فرص عمل للبنانيين، زيادة حجم الصادرات وتقليص العجز في الميزان التجاري عناوين كبيرة وقضايا ملّحة ولكنها في كفّة والانتخابات النيابية في كفّة اخرى.

كيف سسينسحب إجراء هذه الانتخابات على الاقتصاد الوطني ؟ وهل فعلياً يتقدم استحقاقها على سواه من الاستحقاقات الاخرى برأي المراقبين؟

غبريل

يعتبر كبير الاقتصاديين ومدير قسم البحوث والدراسات الاقتصادية في "​بنك بيبلوس​" ​نسيب غبريل​ ان الانتخابات النيابية التي ستجري في آيار كما تم الاعلان عنه سيتبعها تشكيل حكومة جديدة وهي بدورها سيكون عندها برنامجا موسّعا ينبثق عن بيان وزاري ومن المفترض ان ينال الثقة من السلطة التشريعية.

ويقول "للاقتصاد" : "بانتظار ذلك ، من المفترض الاستعداد منذ اللحظة لتحقيق اصلاحات جذرية في مختلف القطاعات ، علماً ان كل البرامج اليوم الموضوعة تصب في خانة الانتخابات النيابية المقبلة وبرامجها المعدة . وسنلمس ارتفاع وتيرة سرعة هذه الاستعدادات مع اقتراب الموعد.

ونستطيع القول اليوم ان القطاع الخاص اللبناني بانتظار نتائج هذه الانتخابات . ولا يمكن ترّقب حصول اي جديد قبل النصف الثاني من العام الحالي. لا شك ان تشكيل الحكومة الجديدة يوّلد الثقة بالبلد وبالاداء الاقتصادي. ولكن بانتظار ذلك لا يمكن الرضوخ لفكرة ان النمو سيتعطّل،كما لا يمكن بالتالي الإفراط في التفاؤل والقول اننا سنشهد مستويات مرتفعة شبيهة بما شهدناها في عامي 2009 و2010، لان ذلك بحاجة الى قرارات عملية وجدية على الارض، وليس وعود وتوزيع آمال على الورق.

ومن المفترض التحضير للمؤتمر الاستثماري في باريس الذي سينعقد في منتصف نيسان المقبل بكل جدية ،لأن الدول المتعددة الاطراف والمشاركة تطالب بحكومة ثقة على مستوى الادارة والحكم ، تعي ماذا تريد وكيفية التخطيط والتنفيذ. وبالمناسبة ، اتمنى ان تكون القروض الميّسرة التي ستقر من اجل لبنان مشروطة باصلاحات بنيوية وادارية ، علماً ان الحكومة الذي ستتمثل في هذا المؤتمر لن تكون هي من يدير هذه المساعدات والقروض الممنوحة."

وبرأي غبريل ربما كان من الافضل ان يصار الى تأجيل هذا المؤتمر الى ما بعد الانتخابات .وعلى الآمال المرتقبة ان تكون واقعية ،خصوصاً ان المناخ الاقليمي للمساعدات يشير الى تراجع حجم السيولة لدى الدول المانحة .

ولا يجب إغفال مسألة ان النتائج التي سيسفر عنها لن تكون مباشرة. الهدف هو إعادة بناء البنية التحتية وتطويرها بعدما ادى ترهلها الى فقدان عنصر التنافسية في الاقتصاد اللبناني.

ويكرر غبريل "إذا لم يسبق المؤتمر المذكور رؤية واضحة وسليمة ، من الافضل اعتماد التأجيل".

ويقول غبريل: القطاع الخاص اليوم ينتظر كل القرارات الصادرة من زوايا انتخابية محض. وبغض النظر عن مؤتمر الاستثمار في باريس يجب الاعتماد على الذات والعمل على إصلاح الخلل البنيوي.اذا ًهذا مرتبط بنا. ومن المفترض ان ينظر المجتمع الدولي الى هذه المبادرة .اي البدء بمساعدة الذات ليأتي الخارج الى مساعدتنا. يجب تطبيق الاصلاحات التشريعية والبنيوية. ولا يمكن التذرّع بالازمات الاقليمية لعدم التحرّك . ولا دخل بالتالي لهذه الازمات بمشكلة الكهرباء المستفحلة ، ولا بالتالي بحال الطرقات المترهلة وازدحام السير الخانق، ولا حتى برداءة الاتصالات ولا بازمة النفايات، وايضا ًبإلزام المواطن على دفع اكثر من فاتورة للحصول على هذه الخدمات.

ويذكر غبريل انه الىجانب المؤتمر الاستثماري في باريس هناك مؤتمر روما ومؤتمر بروكسيل المخصص للاجئين السوريين . واشار الى ان الوعود السابقة الناتجة عن المؤتمرات السابقة كانت كثيرة ولكن النتيجة لم تكن بمستوى الآمال. لذا يجب الاستعداد لكل هذه المؤتمرات.

ولكن ماذا لو لم يتم إجراء هذه الانتخابات ، كيف سيرتد ذلك على الوضع الاقتصادي؟

يقول غبريل :"ان كل المؤشرات تلحظ حصول الانتخابات علماً انه ما من احد يستطيع تكهّن نتائجها. واعتقد ان شروط المجتمع الدولي والدول المانحة للمساعدة مرتبطة بهذا الاستحقاق . وهذا سينعكس تلقائياً على ثقة المستهلك والمستثمر معاً في لبنان التي لم تكن مرتفعة في السنوات الاخيرة،وهو بالتالي سيرتد على الاقتصاد اللبناني.

بالطبع عدم اجرائها هو صدمة غير ايجابية . ويلفت الى ان توقعات النمو تتغير اكثر من مرة في السنة .وقد تبدلت 6 مرات خلال 2017 وربما تستقر اليوم على ما بين 1.5 و 1.7%.

اخيراً لا بد من الاشارة الى ان وزير الاقتصاد والتجارة رائد خوري يقول ان الخطة الاقتصادية الراهنة تقضي بنقل الاقتصاد من الريعي الى الانتاجي . والاقتصاد الريعي هو نمط اقتصادي يعتمد على الموارد الطبيعيّة دون الحاجة إلى الاهتمام بتطويرها، ومن الأمثلة على هذه الموارد: المعادن، والمياه، والنفط، والغاز. ويُعرَّف اقتصاد الريع بأنّه الاقتصاد الذي يهتمّ بالمحافظة على النشاطات التي توفّر الإيرادات من بيع الثروة الريعيّة، ولكن لا تساعد هذه النشاطات على توفير تصوُّر واضح عن الحالة الاقتصاديّة السائدة في الدولة. من التعريفات الأُخرى لاقتصاد الريع هو اعتماد دولة ما في اقتصادها على مصدر طبيعيّ مستخرج من الأرض، فيصبح الاقتصاد مُعتمداً على التبادل التجاريّ الذي يؤدي إلى ظهور مُجتمعٍ استهلاكي مرتبط بالاستيراد، كما لا يهتمّ هذا النوع من الاقتصاد في الزراعة أو الصناعة التحويليّة. تطور اقتصاد الريع يُعدّ الريع بشكلٍ عام المكون الرئيسيّ لآلية عمل أيّ نظام اقتصاديّ، كما يشمل كافة مدخلاته سواء أكانت ذات طبيعة خاصة أو عامة، ولكن تظهر القضية هنا في الطريقة المستخدمة لإدارة الريع؛ من أجل توفير المصالح الخاصة في المجتمع، وتعزيز التقدم والتطور العلميّ والتقنيّ.

فإذا كان الاقتصاد الريعي يعتمد كثيرا على ما تنتجه الأرض فإن الاقتصاد الإنتاجي يعتمد على ما ينتجه الإنسان. وثمة فوارق بين الاعتماد على ألارض وخيراتها، وبين الاعتماد على اليد وإنتاجها. الفكر الاقتصادي التقليدي يقوم على الأول في حين يقوم الاقتصاد الحديث على الثاني.الإشكالية في الاقتصاد الريعي أنه يعتمد على منتَج منتهٍ؛ حتى لو بعد أزمان طويلة، كما يعزز ثقافة الاتكال على الأرض أكثر من الاتكال على اليد والعمل.

بين الاقتصاد الريعي والاقتصاد الانتاجي قرار يواكب ام يسبق الانتخابات إسوة بالمؤتمرات لأجل لبنان.