بؤس الخدمات العامة في ​لبنان​ التي تطالب المواطن اكثر مما تعطيه، والتي تدار بعقلية السياسة الهوجاء المبنية على المحسوبيات والمناكفات والمحاصصات . الحقيقة جليّة، وهي ان كل مرافق الدولة اصبحت مهترئة ينخرها الفساد ، وما من حلول جدية تراعي الاهداف التي انشئت لاجلها لاسيما قطاعي المياه والكهرباء الحيويين.

واذا كانت المياه في خبر كان على مدى الفصول الاربعة ، فان الكهرباء حدّث بلا حرج ؛ مشاريع وبواخر محاصصة في الانتاج والنقل والتوزيع. وفي الادارة ايضاً ، نقابة عمال ومستخدمين تقفل ابواب المؤسسة ويترك الاعطال وتساهم في تعميم العتمة لإنتزاع الحقوق تحت الضغط ، وعمال مياومون يضربون ويعتصمون ويعطلون المرفق العام خلافاً للقوانين وما من سائل.

قضية انقطاع الكهرباء هي قضية ابريق الزيت حفظها وعاشها الولد الصغير والعجوز في لبنان، ولكن مسألة ​المياومين​ في المؤسسة هي ملف منقول على التوتر العالي منذ العام 2012، مع دخول شركات مقدمي الخدمات الى مؤسسة كهرباء لبنان ، في خطوة اولية اعتبرت حينها انها خطوة الألف ميل على طريق تطبيق الشراكة بين القطاعين الخاص والعام في المؤسسات والادارات العامة.

واذا كانت آلية المحسوبيات قد طبقت في بعض المؤسسات فإنها ترجمت حرفياً في موضوع المياومين في الكهرباء الذين لم تسمح الزواريب السياسية بإيفاء حق بعضهم حتى بعد نجاحهم في امتحانات مجلس الخدمة المدنية، وذلك رغم كفاءاتهم ، ورغم الشواغر الموجودة في كادرات المؤسسة.

يذكر أنّ ازمة هؤلاء بدأت عندما تعاقدت مؤسسة كهرباء لبنان مع شركات مقدمي الخدمات وسط رفض المياومين، الذين رضخوا في النهاية للعمل لحساب هذه الشركات عام 2012. وتمّ تثبيت العدد الأكبر منهم، وحالياً هناك تحرك على مسارين من قبل هؤلاء ؛

قسم منهم يعمل لدى شركات مقدمي الخدمات الثلاث وهو بعدد 139 يطالب بالتثبيت إسوة بزملائه الذين نجحوا في مباراة مجلس الخدمة المدنية. وهذا حق لهم ،وهم ينفذون اضراباً مفتوحا ً لانتزاعه.

وقسم آخر ينفذ بدوره الاضراب ، وهو يشمل مياومي شركة "NEU" المملوكة من شركة دباس الذي يطالب بمستحقاته العائدة لاكثر من اربعة أشهر، بعدما تقاعست الشركةعن الإيفاء بالتزاماتها بفعل الازمة المالية التي تمر بها. واخيراً انضم الى هؤلاء مياومو شركة "KVA" المملوكة من شركة خطيب وعلمي الذين لم يحصلوا على رواتبهم منذ شهر . وفي المعلومات، ان المسؤول في الشركة دعا العمال والمستخدمين لاخذ عطلتهم غير المدفوعة ، وذلك بسبب الضائقة المالية التي تمر بها، سيما وان المدراء المعنيين في كهرباء لبنان لم يوقعوا الفواتير المستحقة لها .

ووفق معلومات خاصة "بالاقتصاد" فإن انسحاب شركةدباس من الكهرباء اصبح اقرب من بقائها وان كانت هناك مفاوضات لإبقائها في مناطق الشياح وصولاً الى الدامور بصورة مؤقتة بانتظار إجراء مناقصة جديدة شاملة، فيما تسند خدمات التوزيع الى شركة رياض الاسعد في الشوف وعاليه، وتعطى منطقة الجنوب عن طريق غب الطلب لمتعهدين من المنطقة بعد فشل الاتفاق مع المتعهد خليل ترحيني.

كما علم انه شركة كهرباء لبنان لم تعمد الى تجديد عقدها مع شركة JDI المشغلة لبرنامج مقدمي الخدمات في التوزيع بعدما انتهت مدته مطلع العام الجاري مما يطرح عدة علامات استفهام حول مصير هذه الشركات الثلاث.

المياومون

كل الامور معقدة في الكهرباء ولا يبدو ان النوايا متجهة الى حلحلتها ، لاسيما في ماخص المياومين الناجحين وغير المثبتين مع تمسك وزير الطاقة والمياه ​سيزار ابي خليل​ بتنفيذ القانون رقم 287 تاريخ 30/4/2014 الذي ينص على إجراء مباراة محصورة بعمال غب الطلب وجباة الإكراء وفق حاجات المؤسسة. ورغم ان ما تم إدخاله الى المؤسسة من الناجحين هو اقل بكثير من الحاجة الفعلية للمؤسسة التي تعاني من شواغر عدة في مختلف القطاعات فإن اي تسوية سياسية لاستيعاب الفائض من الناجحين مستبعدة في الوقت الراهن ، وربما كتب لها ان تكون احدى المساومات في الانتخابات النيابية المقبلة .

يذكر ان المباراة جرت للفئتين 4/1 و4/2 حيث تم توظيف 348 مستخدما، كما تم اطلاق المباراة للفئة 5/1 إلا أن مجلس الخدمة المدنية قام بتعليقها بناء لطلب العمال أنفسهم.

باختصار،رغم التطورات المتلاحقة والمعطيات المتراكمة بات ملف الكهرباء في ادراج الاهمال الكيدي، لا يفتحالا عند تمرير الصفقات المفصّلة على قياس البعض من النافذين والمنتفعين تارة من تلزيم بواخر عائمة وطورا شركات غامضة .

العمال المياومون في الشارع .وان كان هؤلاء اصحاب حق فإن حقوقهم هُضمت واتعابهم محكومة بمزاجية اصحاب القرار الذين يرفضون ايجاد الحلول العادلة . وهم قنبلة موقوتة ، يعطلون سير الاعمال في المرفق العام ويلحقون الضرر بمصالح المواطنين واشغالهم الى جانب انعكاس ذلك على مداخيل المؤسسة التي سترزح بعجز محتوم مع ارتفاع سعر برميل النفط.

اما الشبكة فتتسابق اليها المشاريع ، ويهرب عنها التيار المفترض تامينه توزيعه بمعدل 24 ساعة يومياً.

اما الادارة فهي عاجزة وفي ضفة شاهد الزور على انهيار مؤسسة كهرباء لبنان.

في السابق ،اقترح البنك الدولي التركيز على ثلاثة أنشطة رئيسية: * بدء تنفيذ مشاريع خفض التكاليف؛ * إعادة هيكلة مؤسسة كهرباء لبنان، وتحسين الإدارة وزيادة مهارات الموظفين بما يؤدي إلى زيادات في الكفاءة والإنتاجية؛ و* ضخ قدرات ومهارات في مؤسسة كهرباء لبنان حتى يتسنى تنفيذ مشاريع خفض التكاليف وتحسين درجة انتظام الإمدادات والتعويل عليها.

وكانت هناك مبررات منطقية واضحة لتدخل البنك الدولي في إطار هذا المشروع، وهي تتسق مع أولويات الحكومة نظرا للعبء الثقيل للقطاع على ميزانية الحكومة، وبسبب الحاجة إلى تمويل الجهود الأخرى ذات الأولوية لإعادة الإعمار بعد الحرب. وكان هذا جزءا من خارطة طريق أوسع تمخض عنها مؤتمر باريس 3، واتفق عليها بين الحكومة ومجتمع المانحين.

وفي غضون ذلك ، كان هناك إدراك واضح لصعوبة تنفيذ مشاريع إصلاح القطاع في لبنان بناء على التجارب السابقة. و الخطط التي رست عليها بعض الخيارات اليوم لا تبشر بتحقيق المعجزات ولا حتى اي تقدم للأاسف الى ان يأتي الانفراج من باب آخر غير نافذ الى السياسة.

.