أشار وزير الإقتصاد ​رائد خوري​إلى أن "مصرف لبنان حث على الحذر من استخدام الـBitcoin بسبب تقلباتها واحتمالات الغش أو الأنشطة الإجرامية، ولا يزال هذا الأمر مرددا من قبل عدد من الهيئات الرئاسية، مثل البنك المركزي الفرنسي الذي حذر رئيسه في كانون الأول من مخاطر الاستثمار في الـBitcoin الذي وصفه بأنه مضاربة، مع تقلب شديد ليس له أي أساس اقتصادي".

جاء ذلك خلال ندوة نظمتها الجامعة الألمانية بعنوان "عملة البيتكوين: فوائد ومخاطر" في حرم الجامعة في ساحل علما، برعاية وزير الاقتصاد والتجارة رائد خوري وحضوره ودكاترة وأساتذة واختصاصيين".

وقال خوري: "إنه لمن دواعي سروري أن أكون بينكم في هذا اللقاء الذي يشكل مناسبة مميزة بتوقيتها، والعالم بأثره منشغل بالتطورات التي شهدتها الأسواق المالية في الفترة الأخيرة، خصوصا في نهاية العام 2017، والمتعلقة بظاهرة العملات الرقمية أو الـcrypto currencies، وأرى فيها فرصة هامة لتوضيح ماهيتها كما تأثيراتها والفوائد والمخاطر التي قد تنتج عنها وفقا للمعلومات الأولية المتوفرة لدينا ولدى الخبراء والعامة حاليا".

اضاف: "أطلق ساتوشي ناكاموتو في العام 2009، المجموعة الأولى من العملات الرقمية بقيمة زهيدة عند بدء انطلاقتها، وشهدت قيمة تداول البيتكوين ارتفاعا مدويا غير مسبوق لتصل إلى مستويات فاقت الـ19,000 دولارا أميركيا في كانون الأول من العام 2017. وبالتوازي مع ذلك، ظهر عدد من العملات الرقمية الأخرى (Ripple, Litecoin, Stellar, Ethereum, etc) حيث وصلت القيمة السوقية للعملات العشرة الأولى إلى ما يقارب الـ 600 مليار دولار بحلول كانون الأول 2017. إلا أنه على الرغم من هذه القيم المرتفعة، تبقى الـ Crypto currencies عملات متقلبة ومن دون قيمة فعلية، الأمر الذي يؤدي إلى قدر كبير من التشكيك بها كما تقييم الإمكانات والدور الذي يمكن أن تلعبه في الاقتصادات والمجتمعات".

ولفت الى أن "مؤيدو الـCrypto currencies، يشددون على تميز هذه العملات بسرعة تبادل الأموال وقلة أو انعدام رسوم المعاملات المعنية، حيث تستغرق أنظمة الدفع الحالية بين البنوك وبطاقات الخصم والائتمان ساعات عدة، إن لم يكن أيام، لتحويل الأموال بين الحسابات، بالإضافة إلى الرسوم التي تجعل من الصعب على الشركات تحقيق الدخل من السلع والخدمات المنخفضة التكلفة والمتداولة عبر الإنترنت، وقبول المدفوعات الصغيرة لخدمات مثل تحميل الموسيقى أو شراء المقالات الصحفية الفردية أو الكتب او الملبوسات والألعاب. لهذا السبب، تسعى العديد من الشركات الناشئة لتقديم تسهيلات الدفع التي تستفيد من العملات الرقمية كآلية لتسوية الحسابات".

وأوضح خوري أن "الإدماج المالي يعتبر أيضا فرصة، خصوصا وأن الأفراد والكيانات غير المصرفية أو التي لا تستخدم الخدمات المصرفية، بإمكانها الاستفادة من هذه التكنولوجيا الجديدة التي يعتبر الدخول إليها أسهل بكثير من الولوج إلى النظام النقدي التقليدي. كما من الممكن أن يستفيد منها الأفراد الذين يعانون من أزمات ومحن مثل اللاجئين الذين لا يحملون أوراق هوية أو لا توجد لديهم أي وثائق، أو البلدان التي تفتقر إلى بنية تحتية مصرفية راسخة ومنتشرة، حيث يكون فيها نسبة كبيرة من السكان غير قادرة على امتلاك حساب مصرفي. على الرغم من هذه الجوانب التي تبدو مفيدة وإيجابية، فإن المشككين يزعمون أن النظام اللامركزي الذي يميز هذه العملات الناشئة يفتقر إلى الدقة والصلابة التي توفرها السلطات المركزية بحكم طبيعتها. ويبقى عدم وجود إطار تنظيمي وقانوني في العديد من السلطات القضائية يلقي بظلاله على حالة عدم اليقين بالنسبة للشركات ويجعل من الصعب على هذه العملات إثبات مصداقيتها وشرعيتها. كما وحقيقة أن تلك العملات لا تربطها أي علاقة بأي سلعة مادية مثل الذهب تزيد من التشكك في الأعمال التجارية ومن قبل بعض المستهلكين، خصوصا في غياب تشريعات توفر حماية المستهلك، وتؤكد صلابة التكنولوجيا المستخدمة وتحرص على إنفاذ القانون من حيث منع الاحتيال والتهرب الضريبي وغسل الأموال".

وتابع: "من المهم أيضا أن ننظر إلى المخاطر التي يمكن أن تخلفها تلك العملات على اقتصادنا. قبل وقت قصير فقط، رأينا سرعة تحرك قيمة تداول الـBitcoin حيث أن بإمكانها أن تنخفض بحوالى 23% قبل أن تعود وتتعافى، ما يثبت أن مثل هذه العملة تبقى شديدة التقلب وأنه في حال وجدت بكميات كبيرة بما فيه الكفاية قد تحمل مخاطر التأثير على الأسواق النقدية القائمة. حتى يومنا هذا، لا يزال مجموع مخزون العملات الرقمية صغيرا نسبيا بحيث لا يشكل تهديدا للاستقرار المالي، إلا أنه لا يمكن استبعاد مزيد من الزيادات وتفاقم حجم هذا المخزون ما قد يؤثر على الاستقرار المالي".

واردف: "قبل حوالي أربع سنوات، حث مصرف لبنان على الحذر من استخدام الـBitcoin بسبب تقلباتها واحتمالات الغش أو الأنشطة الإجرامية، ولا يزال هذا الأمر مرددا من قبل عدد من الهيئات الرئاسية، مثل البنك المركزي الفرنسي الذي حذر رئيسه في كانون الأول من مخاطر الاستثمار في الـBitcoin الذي وصفه بأنه مضاربة، مع تقلب شديد ليس له أي أساس اقتصادي. ومع ذلك، فإن الظاهرة حقيقية، ولا شك في أن العالم الرقمي سيصبح عنصرا أساسيا في مستقبلنا، ومن المرجح أن يؤثر ذلك على ركائز عدة للاقتصاد بما في ذلك العملات. ولعل قصة الـBitcoin نفسها تكون فقاعة من شأنها أن تنفجر، إلا أننا لا نزال بحاجة إلى إعداد أنفسنا للعصر الرقمي من جميع النواحي. هذا الواقع، يحتم علينا التنبه منذ الآن على التشريعات والقوانين ذات العلاقة وهناك بالفعل قدر كبير من العمل الذي يجري في مجلس النواب على صعيد القوانين المتعلقة بالمعاملات الإلكترونية واستخدام بيانات المعلومات الشخصية، فضلا عن تحديث قانون التجارة لتمكين إنجاز الإجراءات على الإنترنت. في حين أن الـBitcoin يمكن الوصول إليه بسهولة من خلال جهاز الكمبيوتر الشخصي، إلا أنه لا يمكن شراء العملة من خلال المصارف اللبنانية. وعليه، علينا أن نكون مستعدين لاعتماد الاجراءات اللازمة، خصوصا إذا بقيت هذه العملات في التداول وتم بناء مخزون كبير نسبيا في الأسواق الدولية".

وقال خوري: "إلى جانب التشريع، وإذا كنا سنحتضن قدرات الـBitcoin كقطاع اقتصادي مالي حديث، فإننا سنحتاج أيضا إلى تمكين القدرة التنافسية للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم في مجال التكنولوجيا. وتعتبر أهم تكلفة مرتبطة بتوليد كتل الـBitcoin أي التعدين (mining)، هي استهلاك الطاقة الكهربائية وهو السبب الذي جعل شركات التعدين تنشأ في مناطق تكون تكلفة الطاقة فيها منخفضة. تبقى البنية التحتية في لبنان متخلفة بشكل كبير في هذه الناحية، إلا أننا في حال ثبتت جدوى العملات الرقمية، فسوف نعول على الوعد بإنتاج النفط والغاز الذي يمكن أن يوفر فرصة لجذب الشركات التي تعمل في مجال العملة المشفرة، من خلال تقديم تعرفة خاصة لاستهلاك الطاقة".

وختم: "مرة أخرى، يسرني أن أكون هنا اليوم للمشاركة في نقاش هذا الموضوع الحديث والمتقدم، مؤكدا أننا في وزارة الاقتصاد والتجارة نمد يدنا للتعاون ولمؤازرة الجهود في كل ما يمكن أن يعود بتنمية وتطوير بلدنا واقتصادنا ومؤسساتنا".