تتجه الحكومة اللبنانية بتوجيهات من رئيسها سعد الحريري لوضع خطة طويلة الامد من أجل معاودة النهوض الاقتصادي. وتشمل الخطة تنفيذ اكثر من 400 مشروع لاسيما المشاريع المتعلقة بتطوير وتحسين وضع البنى التحتية من ​كهرباء​ وماء وطرقات، اضافة الى موضوع النفايات، وتبلغ تكلفتها التقريبية نحو 20 مليار دولار اميركي.

وبحسب ما تم تسريبه، فإن مصرف لبنان يشارك في وضع تفاصيل الخطة المقترحة، ويحاول تحديد آثارها على ​الوضع المالي​ والنقدي والاقتصادي بشكل عام.

ويأمل رئيس الحكومة سعد الحريري صاحب توجّه وفكرة وضع هذه الخطة في الحصول على ​دعم مالي​ من مؤتمر باريس المرتقب، أو ما بات يعرف بـ "​باريس 4"، بمبلغ قد يصل الى نحو 10 مليارات دولار، وذلك للانطلاق بهذه الخطة مع التأكيد على الشفافية في تنفيذ المشاريع التي تتضمنها الخطة المرسومة.

فهل سترى هذه الخطة النور ؟ وما مدى أهمية إنجازها قبل الذهاب إلى مؤتمر باريس ؟ ما هي أبرز الملفات والأولويات التي يجب العمل عليها في عام 2018 ؟ وهل ستكون الإنتخابات النيابية في العام الحالي مدخلا نحو مرحلة جديدة وواعدة سياسياً وإقتصادياً؟

أسئلة كثيرة أجاب عنها الخبير الإقتصادي د. ​لويس حبيقة​ في هذه المقابلة مع "الإقتصاد".

بداية، ما أهمية إنجاز خطة نهوض إقتصادي قبل الذهاب إلى مؤتمر باريس المرتقب ؟ وهي شرط أساسي للحصول على الدعم المالي؟

لا أعتقد أن هناك ضرورة لوضع خطة إقتصادية قبل الذهاب إلى "باريس 4"، إلا إذا كان ذلك مفروضاً على لبنان من قبل الدول المانحة، فإذا طلبت الدول المانحة او المقرضة ذلك، يمكننا العمل على وضع خطة مفصّلة، ولكن لبنان اليوم إقتصاده معروف، والمشاكل التي نعاني منها مكشوفة لدى الجميع، والمطلوب هو إتخاذ قرار جدي وحازم بمحاربة الفساد ووقف السرقات والهدر في كافة مرافق الدولة، والعمل على تنشيط القطاعات الإقتصادية عبر تأمين البنى التحتية اللازمة وتشجيع الإستثمارات وخفض تكاليف التشغيل.

وأعتقد أن توقيع الحكومة إتفاقاً مع مع شركة "ماكينزي" العالمية المتخصصة بتقديم الاستشارات، من أجل القيام بالدراسات اللازمة، ووضع الورقة الإقتصادية أو الخطة الإقتصادية، هو أمر غير ضروري، وهو عبارة عن هدر إضافي، خاصة ان المبلغ الذي ستتقاضاه الشركة ليس صغيراً، ويتخطى الـ 500 ألف دولار أميركي. مع العلم أن شركة "ماكينزي" ستستعين بدون أدنى شك بخبراء إقتصاديين محليين لوضع الورقة الإقتصادية المطلوبة، وبالتالي كان يمكن للحكومة الإستعانة بمكتب إستشارات محلي للقيام بهذه المهمة إذا كان لا بد منها، وتوفير جزء كبير من هذا المبلغ المدفوع.

من هنا أعتقد ان المطلوب هو بدء العمل على محاربة الفساد ووقف الهدر، والعمل على العديد من الملفات الضرورية والأولويات، وهي كثيرة، ونحن اليوم بأمس الحاجة لكل دولار للإلتزام بالوعود تجاه العمال والمستخدمين بعد إقرار سلسلة الرتب والرواتب، ولا يجب هدر المال العام بأمور لا تفيد ولا تحسّن من الوضع الراهن.

ما هي الاولويات وأبرز الملفات التي يجب العمل عليها برأيك مع بداية العام 2018؟

هناك العديد من الملفات التي تنتظر عمل وجهد الحكومة، وأبرزها كما قلت المحاربة الجدية للفساد والهدر في كل مرافق الدولة اللبنانية، لأن ذلك سيعيد الامور إلى نصابها الصحيح، وسيبدأ الوضع بالتحسن تلقائياً.

كما على الأطراف السياسيين تهدئة الأجواء، وعدم الإنجرار وراء خلافات لا توصل البلد لأي مكان، فالخلاف اليوم على المرسوم 94 المتعلق بترقية الضباط، أعطى صورة سيئة، وأظهر خلافاً سياسياً حادا في البلد، وهذا ينعكس بدون أدنى شك على ثقة المستهلك والمستثمر أيضا.

كما على الحكومة عدم التأخر بإقرار موازنة العام 2018، والتي كان علينا إقرارها منذ 3 أشهر، والتي يجب أن لا تكون فقط موازنة حسابية، بل يجب أن تتضمن رؤية واضحة للنهوض بالقطاعات الإقتصادية التي تعاني منذ سنوات.

ماذا عن العمل على إعادة ترميم وتطوير البنى التحتية في لبنان ؟ وهل تعتقد ان تطبيق قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص سيساعد على تحقيق هذا الهدف؟

لا شك ان تطوير البنى التحتية في لبنان هو من الأمور الأساسية التي يجب العمل عليها، ولكن هذا الأمر لا يتحقق في عام أو عامين، بل يحتاج إلى سنوات من العمل.

وبرأيي أن الشراكة بين القطاعين العام والخاص هو أمر غير مجدٍ، لأن القطاع العام يتغلغل فيه الفساد، ولا يمكن للقطاع الخاص أن يكون شريكا في مشاريع تحتوي على فساد ومحاصصة وغيرها من الأمور المعروفة في لبنان ... فالحل هو خصخصة بعض المرافق التي تحتاج إلى تطوير، لأن ذلك هو الحل الوحيد لأبعاد شبح الفساد والهدر، والوصول إلى نتائج ملموسة في هذا الملف.

هل ستكون الإنتخابات النيابية المرتقبة في العام الحالي مدخلا نحو مرحلة جديدة وواعدة سياسياً وإقتصادياً؟

إذا جرت الإنتخابات النيابية في موعدها، ستمهد بلا شك إلى مرحلة جيديدة على كل الأصعدة، وستكون خطوة جيدة نحو الامام.

ولكن للأسف ما نراه اليوم هو إتجاه نحو التأجيل، على الرغم من كل التصريحات التي تقول بأن الإنتخابات ستجري بموعدها .. فحتى الأن لا نرى أي نشاط إنتخابي كما أن اللوائح لم تُنجز بعد، وليس هناك أي حملات إنتخابية في المناطق، ففي الإنتخابات السابقة كانت تبدأ النشاطات قبل عام من الموعد الرسمي للإنتخابات.

لذلك انا أرى اليوم ان هناك تمهيداً وتوجهاً نحو تأجيل الإنتخابات من جديد، وهذا أمر غير صحي، ولا يبشّر بالخير .. فمع نهاية العام 2017 تفاءلنا خيراً بان العام الجديد سيكون أفضل، ولكن الأطراف السياسيين في لبنان لا يعملون في هذا الإتجاه، وعليهم تحمل أي نتائج سيئة قد تحصل في البلد.