سامر العبدالله وجه ​لبنان​ي معروف بتعدد الاهتمامات والإنجازات. فقد تميز بالنجاح في الكثير من المجالات، متسلّحا بالعناد والإصرار، ومتمسكا ببلده لبنان.

هو شخص طموح ومتعاون، متفاعل ومتقن لعمله، ذو أفكار خلاقة وإبداعية وملمّ كل الإلمام بالنشاط الذي يزاوله. يهتم دائما بالارتقاء بنفسه من أجل إفادة نفسه ومجتمعه ووطنه أيضا. كما يركز على الرؤية والرسالة التي يسعى لإيصالها، ليثبت بذلك أن الاستثمار الحقيقي هو في الأفكار.

هو شخص مجتهد وعمليّ، لا يرضى إلا بالأفضل. يهتم بالتفاصيل الصغيرة ويقترح دائما التحسينات، كما لا يتوقف أبدا عن البحث عن كل ما هو جديد ومفيد، مستعينا بلغة الأعمال، من أجل تأمين تنظيم عالي الجودة، استجابة سريعة، والتزام دقيق.

فلنتعرف الى رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي لشركة "Review"، سامر العبدالله، في هذه المقابلة الحصرية مع "الاقتصاد":

ما هي المراحل التي مررت بها في مسيرتك المهنية حتى وصلت الى ما أنت عليه اليوم؟

كل المسارات التي يسير عليها الانسان في حياته، يجب أن تكون معتمدة على عناصر معينة يركز عليها، من أجل الوصول الى أي نوع من أنواع النجاح. ما يعني أن أي مواطن لبناني، اذا كانت يتمتع بتنشئة صحيحة، وتركيز قوي، وطموح واسع منذ بداية الطريق، واذا ثابر على التقدم، سيصل حتما الى نتيجة ايجابية.

لكن مشكلتنا في لبنان هي أننا نفقد التركيز بسبب كثرة الضغط على الأفراد، وبالتالي قد يكون أحيانا الانسان قريبا جدا من الوصول الى النجاح، لكنه لا يعرف ذلك لأنه يفقد الأمل بسبب غياب التوجيه والدعم والتقدير، وبالتالي سيتجه الى مشروع ثان، وثالث، ورابع،...

وأنا شخصيا، لطالما أحببت العمل والتجارة والأفكار الجديدة، ففي عمر 12 سنة كنت أشتري الأغراض وأبيعها، وفي عمر 16 سنة بدأت بالعمل في الشركة العائلية المتخصصة بالعقارات. أما في عمر 18، فعملت كمديرا للمبيعات في مجموعة تكنولوجية كانت وكيلة لـ"Texas Instruments" و"Microcone". وذلك لأنني أردت الإضاءة على نفسي وتطوير قدراتي ومهاراتي في مجالات أخرى، قبل الانضمام بشكل رسمي الى العمل العائلي، واستلام إدارة الشركة، والعمل على تطويرها.

أخبرنا أكثر عن "Review" وعن الشركات والمشاريع الأخرى التي أطلقتها خلال السنوات الماضية.

نحن نعمل في مجال العقارات مثل الثمانينات، ولدينا اليوم شركة "Review"، التي كانت معروفة في السابق باسم "الترميم والإعمار". أما مهمة الشركة، فكانت تقتصر من الثمانينات وحتى منتصف التسعينات، على شراء العقارات وترميمها وإعادة بيعها.

في ذلك الوقت، استقطب الرئيس الراحل رفيق الحريري، الاستثمارات الخليجية من أجل إعادة إعمار لبنان، وبقيت حالة السوق العقاري جيدة جدا من العام 1990 وحتى العام 1993.

في العام 1994، حصلت الأزمة في البورصة العالمية، ما أدى الى سحب كل الاستثمارات غير اللبنانية من لبنان، وتسبب بسقطة قوية في سوق العقار اللبناني. وفي هذه المرحلة، واجهنا أزمة خطيرة، واضطررنا الى تعديل وظائف شركتنا، فانتقلنا من شراء العقارات وترميمها وإعادة بيعها، الى الترميم والوساطة العقارية (السمسرة العقارية والتصميم الداخلي)، وبالتالي أصبحنا نعمل للغير.

وفي تلك الفترة أيضا، واكبنا التطور العقاري في شركة "Review"، ولاحظنا أن السوق بقي مكسورا من العام 1993 حتى العام 2003. ومع انعقاد "باريس 1" و"باريس 2"، عاد الاستثمار العربي الى لبنان لدعم البلاد اقتصاديا وتعديل السوق العقاري الى حد ما.

وبالتالي خلال فترة 2003 – 2004، كنا قد ثبتنا أعمالنا وأصبحنا من أوائل الشركات التي تعمل في مجال الوساطة العقارية في بيروت من ناحية الإجراءات وقاعدة البيانات – مع العلم أننا نمتلك اليوم أكبر قاعدة بيانات عقارية في بيروت، ولدينا 11 ألف عملية عقارية تم إدخالها الى البيانات.

وأنا بدوري، ركزت على ضم التكنولوجيا الى الجانب التقليدي من العمل، وبهذه الطريقة تمكنا من التطور من ناحية البنية الأساسية.

في العام 2005، تمّ استشهاد الرئيس الحريري، وخروج الجيش السوري من لبنان، كما عايشنا حرب تموز في العام 2006. ولكن منذ العام 2006 وحتى العام 2009، شهدنا على العصر الذهبي للعقارات في لبنان، وقد استفدنا كثيرا من هذا الازدهار العقاري. بعد ذلك، تراجعت العقارات قليلا وعادت الى الارتفاع، وهكذا دواليك.

في العام 2003، توجهنا الى بغداد، بالتزامن مع سقوط النظام في العراق، وأطلقنا شركة "Iraq Services" تحت مفهوم "الشراكات والخدمات" (partnerships and services)؛ فالعراق هو بلد خطير، ونحن قادمون من لبنان حيث اعتدنا على الخطر لأننا جيل الحرب، وبالتالي لم نتأثر بالعوامل الصعبة. ولهذا السبب، عملنا على إطلاق مفهوم جديد في العالم، وهو تمثيل الشركات غير القادرة أو التي لا تجرؤ على السفر الى بغداد، وكنا بمثابة صلة وصل بين العرض والطلب، وحققنا أهدافا رائعة من 2003 الى 2006.

في العام 2006، اشتدت المشاكل بسبب تغيير النظام والانتخابات الحاصلة، فتركنا بغداد وعدنا الى لبنان، حيث افتتحنا بين 2008 و2009، ملحقا لـ"Iraq Services"، وهي شركة "My Office" المتخصصة في تأمين المكاتب الافتراضية (virtual offices)؛ فكل شخص يسعى الى افتتاح عمل ما في لبنان، يستطيع اللجوء الينا بدلا من التوجه الى المكتب التقليدي، وبهذه الطريقة سيحظى بعنوان عمل، يقوم من خلال بعمليات شركته، ولكن بتكلفة منخفضة.

فـ"My Office" هي المستقبل لأن الشركات العالمية التي تشبهها، باتت تساوي مليارات الدولارات، كما أن العالم يتجه اليوم نحو التكنولوجيا والحلول الافتراضية. وقد ولد هذا المفهوم في بغداد من حاجة السوق، وتطور في لبنان الى "My Office". وهذا الأمر يدل على أن رؤيتنا كانت صحيحة 100% ولطالما واكبنا العصر، دون أن نقلد أحدا. فنحن بدأنا في 2003، أي قبل الجميع، في حين أن المفهوم انتشر عالميا بين 2005 و2006.

ولا بد من الاشارة الى أننا عملنا في "My Office" على أهداف عدة في السوق، منها:

أولا، المرأة الشرقية التي تتمتع بطاقة وطموح للعمل، والتي تحتاج الى التوفيق بين منزلها وأولادها وزوجها وعملها.

ثانيا، برنامج "Able the disabled"، لمساعدة الأشخاص الذين يعانون من قيود مختلفة (المشاكل الجسدية، الظروف المعيشية،...).

من جهة أخرى، أطلقنا في العام 1999، أول بوابة للانتخابات النيابية في الشرق الأوسط تحت اسم "Libanvote.com"، حيث وضعنا الأرشيف الكامل لانتخابات لبنان من العام 1927 حتى العام 1996. بالاضافة الى منتدى للنقاش يهدف الى تشجيع الأغلبية الصامتة.

وفي خلاصة هذا السؤال، لا بد من القول أن لبنان لا يزال يعتبر "خام" وأسواقه غير مستغلة. فالنسبة المئوية المعمرة في لبنان رمزية، ولم تصل الى حدود الـ10% بعد، لأن هناك أماكن معينة مكتظة مثل المدن، في حين أن المناطق الأخرى خالية.

كما أن بلدنا "بألف خير"، ويجب أن نؤمن به، بدلا من تشجيع الطاقات الشبابية على الهجرة؛ اذ أن هناك قوة ضخمة تحاول إخراجنا من بلدنا، لكننا نرفض ذلك، لأن لبنان لنا، وسوف نصمد فيه حتى النهاية. ولكن نحن نطلب فقط أن يبتعد عنا السياسيون، ويبعدوا معهم مشاكلهم وضغوطاتهم السلبية، لكي نتمكن من العمل بشكل صحيح وصحي.

فالطبقة الحاكمة تطبق خطة معينة من أجل تهجير الشباب اللبناني من البلد. وأنا لطالما عملت وناضلت وكافحت وثابرت بمفردي، وهذا حال كل شاب لبناني طموح. فبدلا من الحصول على الدعم والتشجيع، نجد من يقف في طريقنا ويغلق الأبواب أمامنا، لأن السياسة العامة الحقيقية للبلد تقضي بتهجير الطاقات الشبابية، وهذا الأمر بات واضحا.

لكنني مصر على البقاء حتى النهاية، مهما اشتدت الصعاب، لأن مستقبل لبنان لنا ولأولادنا، وسنبقى ونتمسك به، ولا يمكن لأحد أن يلغينا.

كيف تصف نفسك كرجل أعمال؟ ما هي الصفات والمقومات التي أسهمت في نجاحك؟

في بداية مسيرتي، كنت أفكر بآلالاف المشاريع لتطبيقها في آن واحد، ولكن بعد فترة من الخبرة، اكتشفت أنه ليس من المهم تعدّد الأفكار والمشاريع، بل يجب التركيز على الأهم والسعي الى تطويرها.

فالنجاح يولد من المثابرة والإيمان، ولهذا السبب يجب أن يؤمن الانسان بنفسه أولا وبفكرته ومشروعه في الدرجة الثانية. كما عليه أن يكون خلاقا مؤمنا ومثابرا، ويفكر خارج الصندوق وبعيدا عن الطريقة التقليدية التي أعتبرها فاشلة.

وأنا أؤكد أنه لا يمكن للانسان أن يثابر على فكرة، ويركز عليها، ويؤمن بها، دون أن يصل في النهاية الى تحقيق النتائج الايجابية. لكن الصبر هو المفتاح...

هل شعرت يوما بالتقصير تجاه عائلتك ووقتك الخاص بسبب انشغالاتك العملية؟

نعم بالطبع، أنا أشعر دائما بالتقصير، لكن وظيفة المرأة مهمة للغاية في العائلة، لأن تضحية الرجل في الأعمال ستكون بلا فائدة دون تضحية من المرأة أيضا. فعندما تتحمل المرأة مسؤولية العائلة، وتقدم السند الصحيح، وتغطي غياب الرجل، وتؤمن به وتشجعه وتدعمه وتقف الى جانبه، سينجح حتما. والأمر هو بمثابة تسوية أو "حلّ وسط" وتضحية مشتركة.

لكن اليوم للأسف يعاني غالبية اللبنانيين من مشكلة في اللاوعي، لأنهم اعتادوا على وجود الأم وغياب الأب عن المنزل بسبب العمل في بلد آخر من أجل تأمين لقمة العيش. وهذا الواقع أدى الى حالة من عدم الاستقرار في العائلات. فمن الأسهل أن يعمل الرجل ويتعب ويكدّ في لبنان، بدلا من أن يعيش في قارة أخرى ويرى عائلته مرات معدودة في السنة.

هل تعتبر اليوم أنك وصلت الى طموحاتك كافة؟

أهدافي كثيرة وغير محدودة، وقد تمكنت اليوم، لحسن الحظ، من تثبيت نفسي والتميز عن كل المحيط دون تقليد أحد، كما نجحت في وضع بصماتي الواضحة والأصيلة في المجالات التي أعمل فيها. وذلك لأنني أحدد معياري الخاص وأسير بحسبه.

ولا بد من الاشارة الى أن هناك مشاريع أخرى نعمل عليها في الوقت الحاضر، لكنني لا أستطيع التكلم عنها بعد.

ما هي الرسالة التي تودّ إيصالها الى الشباب في لبنان؟

أنصح الشباب أن يركزوا على لبنان، لأنه ليس خيارا بالنسبة لنا. فبلدنا "بألف خير"، ولكن يجب أن نفهم حقا أنه لنا، وعلينا التمسك به والعمل على تطويره من خلال تنمية أنفسنا وقدراتنا، والتركيز على مصلحتنا ومصلحته أيضا.

فلبنان هو أجمل بلد في العالم، ويضم أروع طبيعة، ويحتضن أفضل شعب. لذلك يجب أن نتعامل معه على أنه الوحيد ولا بديل عنه وهو الأساس، وذلك لكي نوفيه حقه. فالبداية والنهاية هنا، لذلك من واجب كل شخص منا تقديم كل طاقاته وجهوده وزخمه لوطنه. وعندما يطبق الجميع هذه الفكرة سنتقدم معا الى الأمام.