تُظهر أرقام وزارة المال أن عجز الموازنة في الأشهر الثمانية الأولى من العام 2017 سجّل إنخفاضًا بقيمة 578 مليون دولار أميركي إضافة إلى إنخفاض عجز الخزينة على الفترة نفسها بقيمة 569 مليون دولار أميركي. إلا أن التحليل يُظهر أن أسباب هذه الإنخفاضات هي أسباب آنية ولا تنمّ عن تحسن الوضع المالي العام.

تُظهر أرقام وزارة المال المنشورة على البوابة الإلكترونية للوزارة أن عجز الموازنة قد إنخفض في الأشهر الثمانية الأولى من العام 2017 نسبة إلى نفس الفترة من العام العام 2016. فقد إنخفض هذا العجز من 1.75 مليار دولار أميركي في الفترة كانون الثاني – آب 2016 إلى 1.2 مليار دولار أميركي على الفترة نفسها من العام 2017. أي ما يوازي 578 مليون دولار أميركي. كما أن عجز الخزينة إنخفض بشكل ملحوظ من 796 مليون دولار أميركي على الفترة نفسها من العام 2016 إلى 228 مليون دولار أميركي على نفس الفترة من العام 2017 (أي ما يوازي 568 مليون دولار أميركي). أي أن إجمالي إنخفاض العجز (عجز الموازنة + عجز الخزينة) هو 1.15 مليار دولار أميركي. هذا الرقم هو في الحقيقة خبر جيد لكنه يطرح سؤالًا أساسيًا عن سبب تقلص العجز بحكم أن مُشكلة المالية العام هي بالعجز.

وبالنظر إلى الإنفاق في الموازنة بشقيه الإنفاق العام وخدمة الدين العام، نرى أن هذا الإنفاق كان يوازي 7.65 مليار دولار أميركي في العام 2015 ليرتفع إلى 8.19 مليار دولار أميركي في العام 2016 و8.5 مليار دولار أميركي في العام 2017، وبالتالي لا يُمكن أن يكون هناك خفض في عجز الموازنة نتيجة الإنفاق الذي إرتفع بقيمة 380 مليون دولار أميركي على الأشهر الثمانية الأولى بين العامين 2016 و2017.

​​​​​​​

وبالنظر إلى إيرادات الموازنة، نرى أن الإيرادات على الأشهر الثمانية الأولى من العام 2015 بلغت 6.32 مليار دولار أميركي لترتفع إلى 6.44 مليار دولار أميركي في العام 2016 و7.4 مليار دولار أميركي في العام 2017 (على نفس الفترة من العام). وإذا ما نظرنا إلى أسباب هذا الإرتفاع المُلفت في العام 2017، نرى أن الضريبة على القيمة المُضافة كما والإيرادات الجمركية حافظت على نفس المستويات من العام 2015 إلى العام 2017. 

أما الإيرادات الضريبية المُختلفة فقد إرتفعت بشكل ملحوظ في شهر أيار من العام 2017. هذا الإرتفاع عائد بإعتقادنا إلى الضرائب التي دفعتها المصارف على الأرباح الإستثنائية التي جنتها من الهندسة المالية التي قام بها ​مصرف لبنان​ في العام 2016. فقد إرتفعت قيمة الإيرادات الضريبية المُختلفة في أيار 2017 إلى 1.375 مليار دولار أميركي مقارنة بـ 765 مليون دولار أميركي في أيار 2016 أي بزيادة قيمتها 610 مليون دولار أميركي. وهذا الرقم هو رقم قريب من قيمة الضريبة التي من المفروض على المصارف دفعها عن أرباحها الناتجة عن الهندسة المالية التي قام بها مصرف لبنان.

أما حسابات الخزينة فتُظهر أن عائدات الخزينة في الأشهر الثمانية الأولىمن العام 2017 سجّلت 493 مليون دولار أميركي مقابل سحب بقيمة 721 مليون دولار أميركي أي أن العجز الصافي في حساب الخزينة هو 228 مليون دولار أميركي. أما أرقام الأشهر الثمانية الأولى من العام 2016، فتُشير إلى أن مداخيل الخزينة سجّلت 462 مليون دولار أميركي مقابل سحوبات بقيمة 1.26 مليون دولار أميركي ليكون العجز في حساب الخزينة 796 مليون دولار أميركي​​​​​​​على الأشهر الثمانية الأولى من العام 2016. إذًا كيف يُمكن تبرير هذا الإنخفاض في عجز الخزينة؟

تُشير أرقام وزارة المال إلى أن وزارة المال حوّلت 695 مليون دولار أميركي في الأشهر الثمانية الأولى من العام 2016 لحساب البلديات في حين أنها لم تُحوّل إلا 140 مليون دولار أميركي في العام 2017. وهذا يعني أن هناك وفر على الدفاتر بقيمة 555 مليون دولار أميركي.

خلاصة ما ورد أعله هو أن الضرائب على الأرباح الإستثنائية للمصارف إضافة إلى عدم تحويل أموال إلى البلديات بنفس قيمة التحاويل في العام السابق، أدّى إلى تسجيل إنخفاض عجز الموازنة والخزينة بقيمة 1.15 مليار دولار أميركي.

مُشكلة الإنفاق​​​​​​​

التدقيق في أرقام وزارة المال، يُشير إلى أن الإنفاق العام إرتفاع بقيمة 185 مليون دولار أميركي على الأشهر الثمانية الأولى من العام 2017 مقارنة بالفترة نفسها من العام 2016 مع تسجيل إرتفاع في التحويل إلى مؤسسة كهرباء لبنان بقيمة 322 مليون دولار أميركي (على نفس الفترة). هذا الإرتفاع لا يأخذ بعين الإعتبار إرتفاع كلفة الأجور في القطاع العام الناتجة عن إقرار سلسلة الرتب والرواتب والتي من المفروض أن توازي الـ 100 مليون دولار أميركي شهريًا.

أيضًا هناك إرتفاع في كلفة خدمة الدين العام بقيمة 197 مليون دولار أميركي على نفس الفترة في العام 2017 مقارنة بالعام 2016. 

وهذا يعني أن هناك إرتفاع مُستمر ومُزمن في الإنفاق العام. هذا الإرتفاع يبقى أعلى من قيمة إرتفاع الإيرادات مما يُثبّت عجز الموازنة وبالتالي يطرح مُشكلة زيادة الدين العام.

وإذا كان من المُتوقّع أن تؤمّن السلّة الضريبية أكثر من قيمة سلسلة الرتب والرواتب، إلا أن تراجع الوضع الإقتصادي يضع علامة إستفهام وشكّ حول قيمة العائدات الفعلية التي ستُحّصلّها الدولة اللبنانية من هذه السلّة الضريبية بحكم أن مُعظمها هي ضرائب على النشاط الإقتصادي.

من هنا نرى أن على الحكومة العمل على تخفيض الإنفاق الجاري بشتّى الوسائل وإعتماد موازنة تقشّفية في العام 2018 لتفادي الدخول في حلقة مُفرغة لا يُمكن الخروج منها إلا بأثمانٍ باهظة.