يقول الكتاب والمخرج البريطاني بيتر أوستينوف أن "المسؤولية هي الإستعداد التام لأي شخص للنهوض بالأعباء الموكلة إليه بأقصى قدراته". ونايلة دو فريج أثبتت على مرّ السنوات، وفي كل مشروع أو منصب استلمته، أنها على قدر المسؤوليات الموكلة اليها، واستطاعت بذلك أن تكون نموذجا للطموح والإصرار، وتترك بصمة في المجال الاجتماعي والثقافي في لبنان، وتنحت قصة نجاح يحتذى بها.

فهي سيدة أعمال رائدة، تعكس صورة المرأة اللبنانية الطموحة، وتسعى الى تأدية مهامها بجدية وتصميم وإتقان حتى النهاية، مع الحفاظ على الصدق والأمانة والشفافية، من أجل تحقيق أفضل النتائج.

وفي هذا الإطار، كان لـ"الاقتصاد" لقاء مع رئيسة "مهرجانات بعلبك الدولية"، والمديرة العامة لجريدة "L’Orient Le Jour"، نايلة دو فريج، للحديث عن مسيرتها المهنية الطويلة والغنية بالأحداث:

أخبرينا عن خلفيتك الأكاديمية والمراحل التي مررت بها خلال مسيرتك المهنية.

تخصصت في مجال الاقتصاد في "الجامعة الأميركية في بيروت"، "AUB"، وتخرجت خلال فترة الحرب اللبنانية. وعندما تزوجت، سافرت مع زوجي الى مصر، حيث عشنا لمدة سنة، عدنا بعدها الى لبنان.

في تلك المرحلة، لم تكن الظروف سهلة ومؤاتية لكي تعمل المرأة، وقد أردت بشدة الانخراط في سوق العمل، لكنني لم أتمكن من ذلك بسبب مسؤولياتي كأم، بالاضافة الى الحالة الأمنية القائمة. لهذا السبب عملت في البداية في الشركة العائلية "فرعون" المتخصصة بالمطابخ المستوردة من الخارج.

بعدها، أجبرت على ترك العمل بسبب الحرب، وما فرضته علينا، فاضطررنا للانتقال ومغادرة منزلنا، وسافرنا حينها الى العاصمة الفرنسية باريس.

بعد العودة، قررت مع صديقتي ماريا سعد، والرسام والمهندس فضل الله داغر، أن ننشر كتابا حول تاريخ لبنان، ولم نكن على دراية حينها بمدى صعوبة هذا الأمر، لأن لكل شخص تاريخه الخاص، ونظرته المختلفة. ولكن تمكنا في النهاية من نشر كتاب "تاريخ لبنان المصور" المؤلف من 64 صفحة باللغة الفرنسية، والذي ترجم الى العربية والانكليزية أيضا. ومن خلال هذه المبادرة المهمة، تعلمنا الكثير عن بلدنا لبنان، وعن الصعوبات التي يعاني منها الأشخاص من ناحية تحليلهم للتاريخ.

بعد ذلك، طلب مني مدير التحرير في جريدة "L’Orient Le Jour"، استلام الملحق الأسبوعي للشباب "Les Copains"، واستمريت بهذا العمل لمدة حوالي 10 سنوات.

وبعد أن كبر أولادي، تركت هذه الوظيفة، وانضممت الى مجلة "Le Commerce du Levant" الاقتصادية، التي كانت تعاني من ظروف مالية صعبة. وبسبب تواصلي القريب والمستمر مع "L’Orient Le Jour"، تمكنت من تحقيق نوع من المساهمة بين المؤسستين؛ فاشترت الجريدة حصة من المجلة، ومن خلال هذا التعاون، وسعنا فريق النشر باللغة الفرنسية، واستملت إدارة "L’Orient Le Jour" لفترة 14 سنة.

في الوقت ذاته، انضممت الى اللجنة الإدارية لـ"مهرجانات بعلبك الدولية" في العام 1997، بعد أن كانت متوقفة لمدة 22 سنة. وخلال فترة سريعة، أصبحت نائبة الرئيسة، ومنذ خمس سنوات استلمت رئاسة المهرجانات.

من جهة أخرى، أنا عضو في لجنة استراتيجية تعنى بجريدة "L’Orient Le Jour". ومن خلال هذه اللجنة، ننظم اجتماعات ولقاءات أسبوعية في لبنان، وأخرى شهرية أو موسمية في الخارج، لدراسة وفهم كيفية تحويل الصحف الورقية في أوروبا والولايات المتحدة الى رقمية، وذلك بهدف تطبيقها في لبنان.

وبالتالي نعمل على إيجاد طريقة لتحويل جريدة "L’Orient Le Jour" الورقية، الى جريدة الكترونية ورقمية، لأن هذه الطريقة ستتيح لنا الوصول الى العالم بكامله وخاصة الدول الفرانكوفونية، لكي نصبح المرجع الاعلامي باللغة الفرنسية للبنان والمنطقة، مع الحفاظ بالطبع على أهمية الورق، بسبب وجود عدد كبير من الأشخاص الذين يفضلون قراءة الأخبار بهذه الطريقة.

من قدم لك الدعم في مسيرتك المهنية؟

أنا أقول دائما أنه من الضروري أن تحظى المرأة بالتشجيع من المنزل، وخاصة من زوجها، لأن هناك عدد كبير من الرجال الذين لا يحبذون أن تعمل زوجاتهم، ويعتبرون أن العمل يأخذ الكثير من وقت المنزل والعائلة والأولاد.

لكن زوجي يشجعني على الدوام، ويعلم جيدا أن العمل يتيح لي التقدم معنويا وثقافيا. فأنا أفرح كثيرا عندما أحقق النجاحات، وفي المقابل أكون قادرة على إعطاء وقت ذات أهمية كبيرة وفعالة وغنية في المنزل.

برأيك، ما هي الصفات التي ساعدتك على التقدم؟ وما هي المقومات التي تساعد المرأة على التقدم والنجاح في سوق العمل اللبناني؟

لا أستطيع التكلم عن نفسي، وأفضّل سماع صفاتي من الأشخاص العاملين معي. لكن لا بد من القول أن العمل يتطلب مسؤولية يجب أن يتحملها الانسان. كما أن المرأة العاملة بحاجة الى إظهار مهاراتها أكثر من الرجل. مع العلم أنني لم أشعر يوما بالضعف أو بالتمييز لأنني امرأة، فقد عملت في مجالات ثقافية واعلامية حيث للمرأة وجود واسع.

وهنا لا بد من توجيه الشكر الى ميشال إده، لأنه أعطاني الثقة الكاملة من أجل إدارة جريدة "L’Orient le Jour"، والى زوجي الذي لطالما وقف الى جانبي، ووهبني دعمه الدائم والمتواصل، وبالطبع الى الأشخاص الذين عملت معهم، والذين يقدمون كل المساعدة والدعم اللازمين، لأن اليد وحدها لا تصفق، والنجاح هو ثمرة التعاون والعمل الجماعي وبروح الفريق الواحد. فمن يعتقد أنه قادر على النجاح بمفرده، هو مخطئ للغاية؛ اذ أن الكاتب قد يكتب كتابا ناجحا لوحده، والرسام قد يرسم لوحة ناجحة لوحده، الخ. ولكن عندما يتعلق الأمر بإدارة شركة أو وسيلة إعلامية أو مهرجان، فإن وجود فريق العمل أساسي ومهم، ويجب أن يكون التعاون متواصل والاتفاق دائم أيضا، لأنني لا أعتقد أن المواجهة تؤدي الى نتائج إيجابية.

ولهذا السبب يجب التركيز على النقاش والحوار وتبادل الآراء والاستماع الى الغير، دون الالتفات الى العمل ضد بعضنا البعض، لأننا فريق واحد وموحّد.

ما هو الإنجاز الأكبر الذي حققته الى حدّ اليوم؟

أنا أنظر دائما الى المستقبل، وعندما أقوم بأي عمل، أشعر أنه الأهم بالنسبة لي، وعندما أنتقل الى مشروع آخر، أعتبره أهم، وهكذا دواليك.

وفي الوقت الحاضر، أعمل على كتابة قصص صغيرة للأطفال، فأنا جدة لثلاثة أحفاد، وبالتالي أتعاون معهم وأطلب منهم رسم هذه القصص.

ولا بد من الاشارة الى أننا لن نطلق الكتاب في الأسواق، لكنني حاليا أعتبر هذا العمل مهم للغاية في حياتي. وبالتالي لكل فترة أهميتها، ويجب أن ينظر الانسان دائما نحو المستقبل، ولا ينام على أمجاد الماضي.

من ناحية أخرى، صدر الكتاب الأول حول تاريخ لبنان في العام 1987، وقد طبعنا نسخات إضافية وجددنا المحتوى، ولا يزال الى حد اليوم يباع في المكتبات. لكننا نحاول هذه السنة إضافة أربع صفحات جديدة، لكي نكمل التاريخ حتى العام 2008. وهذا الأمر صعب للغاية، لأنه يجب التأكد من السير على السكة الصحيحة، لإرضاء كل شرائح اللبنانيين؛ فنحن نكتب حول فترة تاريخية معاصرة، والأشخاص الذين عايشوها لا يزالون على قيد الحياة، وبالتالي كل شخص منهم يرى هذه المرحلة بحسب طريقة عيشه لها. لذلك، فإن هذا العمل يتطلب الكثير من الدقة، وليس من المؤكد أننا سنتمكن من إنهائه قبل أشهر عدة.

هل شعرت يوما بالتقصير تجاه عائلتك ومنزلك وحياتك الخاصة بسبب انشغالك بمسيرتك المهنية؟

أنا لم أفكر يوما بهذه الطريقة، بل أعتبر أن الأهمية تكمن في جودة الوقت الذي أقضيه مع عائلتي ونوعيته، وليس في كميته.

ما هي رسالة نايلة دو فريج الى المرأة اللبنانية؟

أولا، يجب أن تمارس كل امرأة عملا ما أو حتى هواية ما.

ثانيا، عليها أن تسعى لتكون مستقلة ماديا، لأن هذا الأمر يعطيها حرية التصرف والعيش. فالشهادات الجامعية مهمة جدا، وتتيح للمرأة بشكل عام والأم بشكل خاص، تربية أولادها بطريقة ثقافية وفعالة أكثر، لكنها غير كافية، لأن المرأة بحاجة الى العمل وتحقيق النجاح المهني، وإثبات ذاتها وقدراتها أمام المجتمع، وبهذه الطريقة لن تكون مجبرة على الاتكال على غيرها من أجل عيش حياتها.

ثالثا، يجب أن تهتم المرأة بأدوارها الخاصة، المتعددة والجوهرية، وتحافظ على هويتها الأثنوية، وتفتخر بها، دون أن تحاول تقليد الرجل.