يبدو ان ​لبنان​ الذي يودع العام 2017 على ازمة نفايات مفتوحة (عدا عن الكهرباء وغيرها كثير من الازمات) سيدشن العام الجديد بعد ايام على استمرار هذه الازمة واستفحالها ، الا اذا انكشف المستور، وجرى ما يخطط له منذ مدة، اي منذ اليوم الاول لانشاء المكبين الموقتين في برج حمود وكوستا برافا، اي ردم المزيد في البحر.

مجلس الوزراء لم يقارب الملف الذي كان مطروحا على جدول اعماله ، والقاضي باقرار توسعة المكبين (المسميين عن سوء نية مطمرين)، فاحيل الموضوع الى لجنة وزراية لتدرس مسوَّدة ملف التلزيم العائد إلى مناقصة التفكك الحراري وتحويل ​النفايات​ إلى طاقة، والبحث في الاقتراحات المُتعلّقة بمعالجة ملف النفايات، عبر درس خيار توسيع المكبين (برج حمود ــــ الجديدة وكوستابرافا) وإقامة معمل للتسبيخ، على أن تضع اللجنة مقاربة مستدامة للملف.

هذا الارجاء غير مفهوم وخصوصا ان الحكومة كانت قد أمهلت في جلستها المنعقدة في 26 تشرين الأول الماضي مجلس الإنماء والإعمار 15 يوماً لإعداد دراسة توسعة المطمرين واستحداث معمل للتسبيخ يعالج نحو 750 طناً من النفايات في موقع كوستابرافا، من أجل تقليص كميات النفايات قبل طمرها. وبالفعل انجز مجلس الإنماء والإعمار الدراسة المطلوبة وسلمها للحكومة التي بات أمامها مناقشة هذه الدراسة وخطة وزارة البيئة.

ولكن بالتدقيق يتبين ان خطة الوزارة المعنية تحت عنوان “إدارة النفايات المنزلية الصلبة في لبنان” والمرفوعة الى إلى مجلس الوزراء في آب الماضي، لا تقدم أي بديل أو اقتراح مستدام بقدر ما تركز على تدابير اضطرارية لمواجه خطر تكدس النفايات كتفعيل فرز النفايات وتقليل حجم العوادم وغيرها.

وبكلام آخر فان كل الطرق تؤدي الى توسعة المكبات ، فلماذا التأجيل؟

في المعلومات ان الرئيس سعد الحريري لم يطرح الملف للنقاش عندما لمس وجود خلافات سياسية على خلفيات انتخابية بين القوى السياسية ، ورغم عدم عرض الموضوع الا ان مداخلات جانبية من بعض الوزراء اوحت برفض اقتراح توسيع المطامر. وقد فوجأ الجميع ، باعلان وزير السياحة أفيديس كيدانيان بالذات، قبل الجلسة، رفضه توسعة مطمر برج حمود، مُستبعداً "إقرار أي خطة تتعلّق بالنفايات، لا المقدمة من وزير البيئة ولا من مجلس الإنماء والإعمار".علما ان الوزير يمثل حزب الطاشناق الذي أمن الغطاء السياسي لانشاء مكب برج حمود العام قبل سنتين ، رغم معارضة الكثير من الاحزاب المسيحية، وذهب الى مواجهة مباشرة مع حزب الكتائب مثلا ، لان الاتفاق يومها قضى بردم حوالى 300 الف متر من البحر ، يستخدم اقل من نصفها لتوسعة المكب الذي كان موجودا ، ويذهب الباقي وثمنه يفوق المليار دولار الى ملكية بلدية برج حمود ، التي يتولاها الطاشناق .

قد يكون موقف الطاشناق اليوم ظرفيا لاسباب انتخابية ، او مجرد رفع سقف لتحصيل مكسب ما ، ولكن في نهاية المطاف سيوافق على التوسعة ، تماما كم ستفعل القوى الدرزية داخل مجلس الوزراء ، اي الحزب التقدمي الاشتركي والحزب الديمقراطي اللبناني ، لان المطروح ان يستوعب مكب كوستابرافا بعد توسيعه نفايات بعض بلدات الشوف وعاليه التي بقيت من دون علاج حتى الان . فقد استثنيت المنطقتان من خطة النفايات الحكومية ولا تزالان تتخبّطان بنفاياتهما منذ أكثر من سنتين. ويمكن لكوستابرافا بعد توسعته ان يستوعب هذه النفايات التي لا تزيد عن 350 طناً.

لاسباب واقعية لا خيار امام الحكومة سوى اقرار التوسعة لان ايجاد وتطبيق حل جذري ونهائي لازمة النفايات يحتاج الى سنوات ، لبناء معامل الفرز وتحويل النفايات الى الطاقة ، مثلا ، ولكن يتوجب على مجلس الوزراء ان يضمن ويتابع جديا عملية توفير مئات الأطنان من النفايات المطمورة بفضل معامل الفرز والتسبيخ الواجب انشاؤها فورا . كي لا تتكرر مأساة مطمر الناعمة التي صنعتها سوكلين طوال سنوات عديدة،و بتغطية سياسية شبه شاملة ، اي طمر كل النفايات.

هذا التوفير المطلوب يسمح بتقليص جذري لمساحات البحر المطلوب ردمها كحل موقت ، ولكن المطروح من مساحات كبيرة للردم يشي بعدم جدية ، حتى لا نقول نوايا مبيتة ، في شأن تقليل كميات النفايات المطمورة.

فخطة التوسعة التي تقدّم بها مجلس الإنماء والإعمار تقترح خلق مساحة إضافية في موقع كوستابرافا عبر ردم بين 150 و200 ألف متر مربع من الأملاك العمومية البحرية ، بكلفة تقديرية 100 مليون دولار ، ستتقاضاها شركة الجهاد للتجارة والمقاولات، الملتزمة أعمال إنشاء المطمر،علماً أن الشركة التزمت أعمال إنشاء المطمر الذي استلزم ردم 160 ألف متر مربع من البحر لقاء 60 مليون دولار.

أما ما يتعلق بمكب برج حمود فالخطة تقترح ردم 120 ألف متر مربع بتكلفة نحو 30 مليون دولار ستتقاضاه شركة خوري للمقاولات الملتزمة أعمال إنشاء مكب برج حمود ومعه مكب الجديدة المجاور، علماً أن الشركة التزمت مناقصة إنشاء المطمرين اللذين استلزما ردم نحو 576 ألف متر من البحر لقاء 109 ملايين دولار.

هذا الاستثمار الكبير في التوسعة يعني امرا واحدا مؤكدا ، انه ليس موقتا ، كما يفترض الحال ، ومنذ الاساس ، عند انشاء المكبين في برج حمود وكوستا برافا ، فالواقع أن عمر هذين المكبين سيمدد حكما لاربع سنوات اضافية ، من دون اي ضمانة بانتاج حلول جذرية لازمة النفايات خلالها.

والشهية مفتوحة على ردم البحر، ولما لا. فالشاطىء اللبناني هو البقرة الحلوب والمطيعة، بحيث تؤمن مليارات الدولارات سنويا للمعتدين على الاملاك البحرية ، وحتى لو كان الهدف اقامة مطمر او معمل نفايات ، فان هذا الشاطىء يبقى محط انظار الطامعين.