الأعياد على الأبواب، وأيام قليلة تفصلنا عن حلول عيدي الميلاد المجيد ورأس السنة، لكن "التاريخ يعيد نفسه" هذا العام أيضا، والحركة لم تأتِ على قدر التوقعات والآمال المرجوّة، فخلال السنوات الأخيرة الماضية تراجعت القدرة الشرائية للمواطن بشكل تدريجي، وذلك بسبب الغلاء المعيشي واستمرار حالة عدم الاستقرار في البلاد.

وعلى الرغم من أن موسم اصطياف 2017 كان لا بأس به من ناحية الاستهلاك، بسبب قدوم عدد جيد نسبيا من السياح والمغتربين، عقد التاجر ال​لبنان​ي آماله على الشهر الأخير من السنة، أي شهر كانون الأول الذي يحمل معه بهجة العيد والأمل بتنشيط حركة الأسواق، لعلّه ينهي السنة بأرباح أو مداخيل افتقدتها المتاجر خلال الأشهر السابقة. فخلال 31 يوما، ينتظر التجار تهافت المواطنين على المحلات التجارية من أجل كسر الركود الاقتصادي، وتحريك عجلة الأسواق المحلية؛ مع العلم أن حركة البيع الموسمية والتي تستمر لأيام معدودة فقط، ليس باستطاعتها التعويض عن الخسائر المكبدة على مدى أيام وسنوات عديدة.

ومنذ بداية الشهر، تبدأ مظاهر الاحتفال ب​عيد الميلاد​ المجيد تظهر، لتبدأ معها أيضا العروضات والتخفيضات التي من شأنها حثّ الناس وتشجيعهم على الشراء، وخلق مناخ يجذب الزبائن لابتياع حاجاتهم. فالتراجع المستمر منذ سنوات، دفع بأصحاب المحلات للإعلان عن تنزيلات على سلعهم، وصلت في بعض الأحيان إلى حدود الـ50%، وذلك بهدف جعل السعر يتناسب مع إمكانيات الناس وقدراتهم. إنما هذا الواقع يعتبر غريبا خلال هذه الفترة بالتحديد، أي في "عزّ الموسم"، ويعكس شدة الأزمة التي تخيّم على الأسواق.

وبالتالي فإن التحضيرات لاستقبال الميلاد قد بدأت منذ أسابيع، والزينة والأضواء تزيّن المنازل والشوارع والمحلات التجارية. ومن أهم مظاهر العيد أيضا تبادل الهدايا بين العائلة والأصدقاء، ففي حين اكتفى البعض بهدية معنوية أو ذات سعر مقبول، لم يمتنع البعض الآخر عن شراء سلع قد لا تكون في متناول جميع الميزانيات؛ وهنا يظهر جليا التفاوت ما بين الطبقات الاجتماعية، مع قاسم مشترك وحيد: الرغبة في عيش جوّ هذه المناسبة بكل تقاليدها وفرحها، كلٌّ على طريقته الخاصة وبحسب قدراته. فمهما تدهورت أحوال اللبنانيين المادية، لا بد أن يتميز العيد عن باقي الأيام العادية.

لكن رغم الضائفة المادية الحاصة، حلّت أجواء العيد على المناطق اللبنانية كافة، وامتلأت الشوارع بالسيارات، كما اكتظت الأسواق بالمارّة، دون أن ننسى أيضا زحمة سير الخانقة التي ترافق العيد، والمعاناة التي يعيشها الناس في البحث عن مواقف في الأسواق الشعبية والمجمعات التجارية على حد سواء.

وهذه الزحمة قد توحي بأن حالة البيع والشراء تسجل أرقاما قياسية، وتثير التساؤلات حول قدرة اللبنانيين الشرائية، لكن الوضع الفعلي على الأرض، يختلف في الواقع من منطقة الى أخرى، ومن سوق الى آخر، وحتى من متجر الى آخر، ومن سلعة الى أخرى. ففي حين انتعش قطاع المواد الغذائية، وارتفعت نسبة بيع الألعاب، تراجعت في المقابل حركة المؤسسات التجارية الأخرى، وشهدت الأسواق إقبالا خجولا ومتواضعا الى حد ما، على شراء الملابس والأحذية والعطورات والاكسسوارات والزينة، والأدوات الكهربائية أيضا، وذلك بسبب حلول الـ"Black Friday" قبل العيد بفترة قصيرة.

وهنا لا بد من الحديث عن قطاع الذهب، الذي يزدهر أكثر فأكثر، فحين سألنا أحد المواطنين ذات الطبقة المتوسطة عن سبب اختياره للذهب كهدية للمقرّبين، أجاب أن "الذهب هو استثمار، ومهما كان ثمن الهدية التي أريد تقديمها، سأجد حتما قطعة تناسب ميزانيتي". فتوجهنا الى أحد تجار الذهب في منطقة برج حمود الذي أوضح أن "الطلب بدأ يتزايد منذ بداية الشهر، والناس يفضلون شراء الذهب الذي يعتبر بمثابة هدية خالدة، بدلا من صرف الأموال على أمور أخرى".

وفي الخلاصة نجد أنواع عدة من المستهلكين اللبنانيين في كانون الأول:

أولا، مَن لا يكترث لحجم المصاريف التي يتطلبها هذا الشهر.

ثانيا، مَن يحدّد ميزانية معينة للشهر دون حرمان نفسه من متطلبات المناسبة.

ثالثا، مَن يشتري الضروريات فقط، ويتقشّف بسبب الحالة المعيشية الصعبة، وبالتالي تكون هداياه مقتصرة على الأولاد. وغالبية الأشخاص من هذه الفئة يتخوفون من كيفية تأمين مصاريف الشهر الأول من العام الجديد.

رابعا، مَن لا يستطيع حتى تأمين أبسط مظاهر العيد. ونسبة هذه الفئة مرتفعة جدا في لبنان، فرغم غياب الإحصائيات الدقيقة حول توزيع الدخل في لبنان، يظهر جليا أن المجموعة الأكبر من السكان تنتمي إلى الفئة الأقل من الطبقة الوسطى، أي الفئة التي تواجه شهرياً مشكلة في تغطية نفقاتها وتأمين حاجاتها.

لكن ما أجمعت عليه معظم الفئات هو أن الميزانية المخصصة لأعياد 2017 انخفضت حتما عن ميزانية 2016، واتخذت الهدايا مظهر رمزي ومعنوي الى حد ما.

فما في أوضاع الأسواق التجارية في بعض المناطق اللبنانية؟ أكانت الحركة كالعادة "بلا بركة"؟ هل شهدت ارتفاعاً أو انخفاضاً مقارنة بالسنة الماضية؟ هل خرج الناس الى الأسواق للتفرج على الزينة والتقاط الصور فحسب؟ وبالتالي هل حرّكت أضواء العيد الأسواق اللبنانية أم اكتفت على تحريك المواقع الاجتماعية والإعلام؟

للإجابة على هذه التساؤلات والوقوف على ما آلت اليه أوضاع الأسواق في عدد من المناطق اللبنانية، كان لـ"الاقتصاد" أحاديث مع بعض المرجعيات المعنية:

الحدث

فأشار رئيس جمعية تجار الحدث أنطوان عبود، الى أن الحركة كانت جيدة نسبيا خلال نهاية الأسبوع الماضية، لكنها تراجعت قليلا خلال هذا الأسبوع، ولا تزال خجولة نسبيا الى حد اليوم، وقد تكون الأسباب سياسية واقتصادية ومعيشية.

وقال "الحالة أفضل من العام الماضي، لكن الأرباح تراجعت، كما أن بعض محلات الملابس والأحذية بدأت بتقديم الحسومات. أما بالنسبة الى الأدوات الكهربائية، فقد تأثرت بالـ"black Friday"، لأن الناس توجهوا حينها الى الأسواق بشكل هائل، وصرفوا أموالها، وبالتالي أصبحت أعمال المتاجر التي تبيع هذا النوع من السلع شبه متوقف".

كما لفت الى أن سوق الحدث مرتب وجميل، ويطل اليوم بحلة جديدة وزينة رائعة، وبات يستقطب عددا كبيرا من الأشخاص، خاصة بعد الانتهاء من الأعمال على الطرقات التي منعت الناس من الوصول في الفترة الماضية. مضيفا "نأمل أن يكون موسم عيد الفصح أفضل من موسم عيد الميلاد، ويكون قد تغير الوضع السياسي حينها، لأن أزمة الانتخابات النيابية تؤثر كثيرا، وستتحرك القطاعات كافة في البلاد فور انتهائها".

الزلقا

بدوره قال رئيس جمعية تجار الزلقا وعمارة شلهوب فيليب سمراني، الى أن الحركة خجولة، وغالبية التجارية يقدمون التنزيلات التي تصل الى حدود الـ50%، الأمر الذي يعتبر غريبا خلال هذه الفترة من السنة. فالسوق لم يتحرك بعد، مع العلم أننا اقربنا من ليلة عيد الميلاد المجيد، كما أن السياحة شبه غائبة، والمغترب لم يأتِ الى لبنان، في حين أن التجار اشتروا بضائعهم، وكنا نشجعهم على ذلك خلال هذا الموسم، بسبب استقرار الأوضاع. ولكن التاجر يعيش اليوم في حالة مأساوية، لأنه غير قادر على تصريف البضائع بسبب ضعف الحركة.

وأكمل "تراجعت حركة البيع بنسبة حوالي 30% بالمقارنة مع الفترة ذاتها من العام 2016، وبالتالي أتت مخيبة للآمال. فقبل التطورات السياسية الأخيرة، كان السوق ضعيفا نسبيا، والحركة كانت مقبولة، ولكن بعد صدمة الاستقالة، تخوف الناس من الوضع، وباتت الأسواق فارغة".

كما أوضح سمراني أنه لولا الدوائر العقارية الموجودة في منطقة الزلقا، لكانت الطرقات خالية بالكامل. لافتا الى أن "هناك العديد من المتاجر التي أغلقت أبوابها وأخرى فتحت لفترات بسيطة، ونحن نأمل أن نعوض بعض الخسائر خلال الأيام الأخيرة التي تسبق الأعياد، وذلك بسبب الحديث عن قدوم عدد كبير من السياح الى لبنان. لكن هذه الفترة قصيرة الأجل، لن تؤثر على الحالة المأساوية العامة. ونتمنى أن نعوض أكثر خلال موسم صيف 2018".

زحلة

وحول الحركة في مدينة زحلة، أشار رئيس جمعية التجار زياد سعادة، الى أن المدينة ستتأثر حتما بالأزمة الحاصلة في البلاد، وقال "نأمل أن نشهد على خلاص اقتصادي بفضل حكمة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي يهتم باتباع سياسة معينة سيتم تطبيقها في المناطق اللبنانية كافة".

ولفت الى أن حركة الشراء طبيعية لأن الأعياد على الأبواب، لكن القدرة الشرائية ضعيفة كثيرا، وهامش الربح لدى التجار قليل جدا، كما أن بعض التجار يبيعون البضائع بسعر الكلفة بهدف تصريفها. وأضاف "من المؤسف جدا أن نرى المتاجر تبدأ موسمها بالتنزيلات، ونحن كجمعية تجار زحلة نقوم بكل ما نستطيع فعله من أجل جذب الناس، وذلك من خلال الزينة والإنارة في الأسواق التجارية، والنشاطات المشجعة، وقد جمعنا كافة أقطاب المدينة، لتحفزيهم على المحافظة على السوق وازدهاره".

وتابع "نحن نعاني من مشكلة زحمة السير على مدخل زحلة وداخل الأسواق التجارية أيضا، وعلى الجهات المعنية حلّ هذا الموضوع. كما كنا نعاني من مشكلة الـ"park meter"، التي يعتبرها التجار نقمة وليست نعمة، لأنها تحصر الزبون بوقت محدد وبالتالي لا يتمكن من التسوق براحة. لذلك نحن نعالج هذا الأمر بطريقة سلسة وهادئة من أجل إيجاد الحلول المناسبة".

وختم قائلا "من المؤسف أن عدد كبير من المتاجر الموجودة في زحلة أغلقت أبوابها هذا العام، لكننا سنحافظ على الروح الايجابية وننظر الى الأمور بتفاؤل".

البترون

من جهته أشار رئيس جمعية تجار البترون روك عطية، الى أن البلد بأكمله يعاني للأسف من التراجع، لكن الحركة في منطقة البترون ليست سيئة أبدا خلال موسم الأعياد، والمحلات التجارية تبيع بنسبة مقبولة، كما أن حركة المطاعم تعتبر جيدة. أما بقية القطاعات، فمن الطبيعي أن تتراجع حركتها مع نهاية العام بسبب الأعياد.

وأوضح أن الحركة في العام 2017 جاءت مشابهة تقريبا للعام 2016، مع تراجع بسيط. وتابع "نحن كجمعية تجار أطلقنا نشاطات خاصة بهذا الشهر من العام، فكل من يشتري من البترون، يحصل على قسيمة مجانية تحتوي على رمز يتم إدخاله عبر تطبيقنا الالكتروني "Batroun Guides"، الذي يضم كل المحلات التجارية الموجودة في منطقة البترون، أو عبر الموقع الالكتروني الخاص بـ"Batroun Traders"، وبهذه الطريقة سينضم الى سحب يومي يخوله ربح قسيمة شرائية بقيمة 300 ألف ليرة لبنانية، وستستمر هذه المسابقة طوال شهر كانون الأول".

عاليه

وفي ما يتعلق بالأوضاع في منطقة عاليه أوضح رئيس جمعية التجار سمير شهيب، الى أن الحركة بطيئة وخفيفة لأن الأجواء العامة ليست مستقرة، ولكن من المتوقع أن تتحسن تدريجيا مع الاقتراب أكثر من الأعياد.

وأضاف "هناك تراجع واضح وكبير في نسبة الشراء، كما أن الحركة في 2017 جاءت مشابهة للعام 2016، ولا يزال التراجع سيد الموقف، فالتاجر لم يتمكن من تعويض الخسائر التي تكبدها منذ حوالي 5 سنوات".

وتابع "جميع المحلات تقدم الحسومات وهذا الأمر غريب وغير اعتيادي، لكن لا توجد إغلاقات أو إفلاسات، والوضع مقبول الى حد ما، والتاجر ينقذ نفسه بنفسه، وذلك لأن منطقة عاليه كبيرة وتستوعب حوالي 90 قرية"، آملا أن تتحسن الأوضاع أكثر بعد الانتخابات النيابية.

صور

بدوره لفت رئيس جمعية تجار صور ديب بدوي، أنه خلال شهري 11 و12، شهدت مدينة صور أسوأ أيام السنة، بسبب غياب الإشغال وضعف الإنتاج الذي من شأنه تغطية المصاريف كافة.

وقال "العام 2017 كان أسوأ من سابقه، ولكن خلال فصل الصيف، أي خلال تموز وآب وأيلول، كانت صور مزدهرة، والحركة قوية ونشيطة في منطقة الجنوب بشكل عام وصور بشكل خاص. لكن هذه الفترة لم تسهم في تغطية خسائر السنة ومصاريفها الكاملة".

كما تابع بدوي قائلا "اقتضت العادة في شهر 12 أن تكون الحركة قوية، لكننا نفتقد هذا العام الى الناس، ونشعر كأنها أيام شتوية عادية تمرّ علينا. ففي شارع أبو ديب، تم إغلاق 16 متجرا، وحتى أن بعض المطاعم في الشارع العام تغلق أبوابها".