تعمد بعض ​الدول العربية​ الى الحصول على المساعدات العسكرية والاقتصادية السنوية سواء من الدول الاجنبية او العربية، مساعدات تقدر بالمليارات تأتي بمقدمتها من الولايات المتحدة للعديد من دول العالم، مساعدات تخضع لشروط ومساومات تهدف من خلالها واشنطن الى حماية مصالحها المختلفة لتؤكد على ان مصلحتها تاتي في المقدمة متجاهلة كل الدول الاخرى، ولعل الاردن خير مثال على الدول العربية التي تسعى الى الحصول على المساعدات الاميركية والدولية لتتمكن من الوفاء بالتزاماتها اتجاه المواطنين والتخفيف من الاعباء الاقتصادية التي ترهق كاهلها والتي ازدادت بشكل كبير منذ بداية الازمة السورية،وبعد القضية التي اثيرت مؤخراحول قرار ترامب اعلان القدس عاصمة اسرائيل والتهديد المباشر بوقف المساعدات الاميركية للدول التي تقف بوجه هذا القرارالامر الذي اثار الكثير من المخاوف بين الاوساط العربية والاردنية عن توقف هذه المساعدات خاصة بان المملكة الهاشمية تلقت حوالي 1.21 مليار دولار مساعدات اميركية لدعم التنمية في البلاد كما تقلت في العام 2017 حوالي 510 مليار دولارمساعدات للجانب الامني والعسكري بالاضافة الى و213 مليونا للموازنة العامة، و188 مليونا للخدمات الإنسانية الإغاثية، و82 مليون دولار للتعليم، و60 مليونا للمجال الصحي حيث يعتبر الكثيريون انه لولا لهذه المساعدات لعجزت الحكومة الاردنية عن اداء التزاماتها اتجاه مواطنيها واقع يثير الكثير من علامات القلق والاضطراب في الشأن الاقتصادي خصوصا مع تراجع الاستثمار الاجنبي في البلاد حوالي الـ20% مما سيؤدي حتما الى تراجع احتياط النقد الاجنبي .

ويرزخ الاقتصاد الاردني منذ اعوام تحت وطأة تراجع معدلات النمو الاقتصادي الذي لا يتجاوز الـ 2.3% حيث ارتفع معدل البطالة الى حدود 18.5% ومعدلات فقر لا تقل عن30% في ضوء سياسة الحكومة المرتكزة على استسهال الاستدانة لتجد البلاد نفسها اليوم امام خيار رمى بثقله على كاهن المواطن الاردني مخلفا المزيد من تراجع القدرة الشرائية والفقر والبطالة وتراجع في معدلات النمو والركود حيث فرضت الحكومة المزيد من الضرائب وإيقاف الدعم للسلع والخدمات الأساسية وإطلاق العنان لموجات متتالية من ارتفاع الأسعار كما ستعمد الحكومة في بداية العام 2018 الى وقف الدعم عن الخبز ورفع ضريبة المبيعات على المئات من السلع والخدمات والتي تبلغ قيمتها السوقية ما يزيد عن 3 مليار دينار.

ارقام ونتائج مخيفة تنذر بان العام 2018 لن يحمل نتائج ايجابية للبلاد وواقع افضل للمواطن الاردني بل على العكس فان الاتجاه الحالي للخطط لاقتصادية يشير الى المزيد من التراجعات على مختلف المستويات والمزيد من الفوضى والركود الاقتصادي .

وللاضاءة على كل هذه الملفات كان لموقع "الاقتصاد" هذه المقابلة الخاصة مع الخبير والمحلل الاقتصادي الاردني الدكتور مازن مرجي للاضاءة على الاحداث الجارية والاطلاع على الخطط الاقتصادية للعام القادم بالاضافة الى الموازنة وانعكسات قرار فتح الحدود بين الاردن والعراق على البلاد والتطرق الى القضية الاخيرةوالتي من شأنها ان تؤثر بشكل مباشر على المملكة الهاشمية والمتعلقة بقرار الرئيس الاميركي ترامب بشأن القدس .

بداية ما هي حجم المساعدات الدولية التي يتلاقها الاردن؟ والقطاعات التي ستطالها وانعاسها على الاقتصاد؟

يتلقى ​الأردن​ سنويا ومنذ عشرات السنين المساعدات العربية والأجنبية بمختلف أصنافها فمنها ما يكون على شكل منح ومساعدات مجانية دون فوائد وغير مستردة ومساعدات فنية إضافة للقروض الميسرة المستردة بفوائد بسيطة، وضمن هذا المفهوم فقد تلقى الأردن وحسب أرقام وزارة التخطيط في العام الماضي 2016 ما مجموعه 3.1 مليار دولار كمساعدات ثنائية ومساعدات إنسانية تتعلق بالدرجة الأولى بايواء وخدمة ورعاية وتوفير فرص عمل للاجئين السوريين والذي يبلغ عددهم 1.3 مليون سوري تعترف المفوضية فقط ب 650000 ( ستمائة وخمسون الف ) منهم بصفتهم لاجئين.

ويتلقى الاردن تلك المساعدات من عدة أطراف وجهات دولية احنبية وعلى رأسها الولايات المتحدة والتي قدمت أو التزمت في عام 2017 بمبلغ 1.3مليار كذلك ألمانيا بمبلغ 577 مليون يورو وبريطانيا بدأت مع الأردن برنامجا للتعاون لعشر سنوات قادمة بدأ بمبلغ 94.5 جنية استرليني وكذلك فعلت دول الاتحاد الاوروبي واليابان .

من جانب آخر شكلت المساعدات المقدمة من دول الخليج العربي، السعودية والإمارات والكويت خلال السنوات الماضية مصدرا هاما للمساعدات المالية للأردن كان أهمها ما سمي المنحة الخليجية وبقيمة 5 مليار دولار على مدار الخمس سنوات الماضية انتهت مع نهاية 2017 الحالي وساهمت كل دول منها بمبلغ1.25 مليار دولار دفعت من قبل الدول الثلاث بنسبة تجاوزت ما نسبته لل 93% علما بأن دولة قطر كانت الدولة الرابعة التي وافقت على تقديم ربع المنحة وبقيمة 1.25 مليار دولار أيضا لم تلتزم ابدا بالوفاء بذلك لغاية اللحظة فلم تدفع دولار واحدا على الاطلاق.

وتستخدم هذه المساعدات في مجموعة من المجالات والقطاعات الاقتصادية منها قطاع الطاقة والمياه والبيئة والصرف الصحي والتعليم العالي والاتصالات والطرق ودعم الموازنة العامة نتيجة العجز المستمر فيها وطبعا أهم أبواب الصرف لهذه المنح في السنوات الماضية كان على حاجات وخدمة ورعاية اللاجئين السوريين.

لا شك أن لمجموع هذه المساعدات كان دائما هناك تأثير إيجابي على التنمية الاقتصادية وتطوير البنى التحتية والإصلاحات الهيكلية والإدارية وأيضا على مواجهة أعباء اللجوء ولو بصورة غير كاملة حسب ما أرغب الحكومة الأردنية ولكن وربما لولا المساعدات لكان من الصعب على الحكومات الاردنية القيام بواجباتها تجاه مواطنيها وأيضا تجاه العالم وخاصة أن الأردن يعتبر تكبر مستقبل للهجرات القصرية من المنطقة والمرتبطة بالدرجة الأولى بالقضية الفلسطينية ومن ثم الحروب والقلاقل السياسية التي بدأت في السبعينيات من القرن الماضي في لبنان ومن ثم العراق والكويت ومن بعدها سوريا واليمن وليبيا .

تشير الاحصاءات الاخيرة الى تراجع الاستثمارات الاجنبية في الاردن، ما هي حجم هذه الاستثمارات ؟ وما هي التسهيلات التي تعتمدها البلاد لجذب المستثمرين ؟

لقد تراجعت الاحتياطات من العملات الأجنبية في الاردن من 12.88 مليار دولار مع نهاية العام الماضي 2016 لتبلغ حتى نهاية تشرين الأول 2017 مبلغ 11.72 مليار دولار وهذا التراجع ربما جاء نتيجة لتراجع الحوالات من العاملين الأردنيين في الخارج وتراجع في حجم الاستثمار وتراجع الدخل في قطاع السياحة اضافة الى تراجع في المنح الخارجية والصادرات الوطنية مع استمرار الزيادة في عجز الميزان التجاري بسبب زيادة الاستيراد وارتفاع حجم المديونية والتي إزدادت حتى وصلت 27.1 مليار دينار يترتب عليها أقساط وفوائد كبيرة تدفع طبعا بالعملة الصعبة.

أما الاستثمار الاجنبي في الأردن فقد تراجع بنسبة 20% عام 2016 ليبلغ 1.2 مليار فقط بعد أن كان وصل إلى مبلغ 1.5 مليار دولار مع نهاية العام 2015 والذي كان قد تراجع ما نسبته 37% عن عام 2014 والذي وصل حينها الى ما يزيد عن 2 مليار دولار.

أما في ما يتعلق بالتسهيلات التي تمنحها الحكومة الأردنية لجذب الاستثمار فهي تقدم الإعفاءات والتسهيلات الضريبة بما يتعلق بكل من ضريبة الدخل وضريبة المبيعات والجمارك وأيضا إعفاء كامل على أرباح الصادرات أكان الاستثمار في المناطق التنموية أو الحرة أو المناطق الصناعية المجهزة بالبنى التحتية المناسبة، وتزداد الحوافز للاستثمارات التي تختار المناطق الأقل نموا خارج العاصمة لتحفيز المستثمرين لتنمية تلك المناطق وتوفير فرص العمل بالقرب من الموارد البشرية والطبيعية التي تحتاجها.

ويسوّق الأردن بيئته الاستثمارية عبر توفير تشريعات تتكون من مجموعة من القوانين والاتفاقيات التي توفر الأطر الواضحة وكذلك انشاء خدمة المكان الواحد التي تخفف من البيروقراطية والتعقيدات، وأهم ما يوفره الأردن للمستثمرين هو الاستقرار الامني والسياسي في منطقة تتجاذبها الصراعات العسكرية والسياسية وعدم الاستقرار كما يتوفر في البلاد بنى تحتية متطورة وفرص استثمارية منوعة في قطاعات مشمولة بالحوافز في قطاع الصناعة والسياحة والمستشفيات والنقل والطاقة والزراعة ومراكز الاتصال ومدن الترفيه والتسلية والقطاع السياحي وغيره.

- برايك ما هي التحديات التي يواجهها الاقتصاد الأردنياليوم ؟

يواجه الاقتصاد الأردني مجموعة من التحديات على رأسها مجموعة من الملفات الصعبة والشائكة وأهمها:

أ- مسألة اللجوء السوري والذي يضغط اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وأمنيا على موارد وإمكانات الأردن المحدودة ويؤدي إلى استنزاف موارده وبناه التحتية ويشكل مصدر قلق وعدم استقرار مستمر منذ أكثر من 5 أعوام حيث تزيد كلفة إيواء وخدمة ورعاية وتشغيل اللاجئين السوريين ما يزيد على 2 مليار دولار سنويا لا يتلقى من منها الاردن ما يكفي.

ب- تشمل المديونية العامة ما يزيد عن ال 95% من الناتج المحلي الإجمالي وتتجه سريعا لتصبح 100% وهذا الخلل الواضح نتج عن سياسات غير سليمة وأخطاء متراكمة نشأت من الفكر الجبائي الذي تعتمده الحكومات الاردنية المتعاقبة منذ عام 2008 والذي أدى الى نسب بطالة عالية بلغت للآن 18.5% ونسب فقر لا تقل عن 30% ونمو اقتصادي هزيل لم يتجاوز خلال الأعوام الماضية ما نسبته 2-2.3% بعد أن حقق لاقتصاد الوطني نسب وصلت إلى أكثر من 7% . في السنوات الماضية.

وحسب ما أرى فان فشل السياسات الحكومية التي اعتمدت على استسهال الاستدانة ومن ثم محاولاتها تغطية العجز المزمن في الموازنة وسداد فوائد واقساط الديون عبر فرض المزيد من الضرائب وإيقاف الدعم للسلع والخدمات الأساسية وإطلاق العنان لموجات متتالية من ارتفاعات الأسعار التوالى حالة الركود وبطء النمو وأعمق مشكلات الفقر والبطالة وانعكاساتها على ارتفاع الأمراض الاجتماعية وزيادة نسب الجريمة على أنواعها .

ج - الآن يعتبر احتمال خسارة الأردن لنسبة واضحة من المساعدات التي تأتية من الخليج العربي والولايات المتحدة وهما الجناحين الذين يحلق بهما بأمان في عالم عدم اليقين وعدم الاستقرار والتهديدات الجيوسياسية التي تتقاذف الاردن وعلى رأسها مسألة القفز على دور الأردن بما يتعلق بالملف الفلسطيني وأعلان القدس عاصمة دولة الكيان الصهيوني من قبل أميركا ومن ثم نقل سفارتها إلى هناك ، والأردن لا يستطيع أن يكون طرفا هامشيا في هذا الملف الذي سيجلب الضرر الكبير عليه ويجب ربما إلى الإنعطاف الحاد في سياسته وتحالفات السياسية والأمنية والبحث عن بدائل للتمويل والمساعدة وأيضا لتوفير فرص العمل لأبنائه وأسواق لصادراته ودورا رئيس لقيادته.

وفي ما يتعلق باعادة فتح الحدود مع العراق، كيف اثر هذا القرار على الجانب الاردني؟

بخصوص إعادة فتح الحدود بين الأردن والعراق في شهر أيلول الماضي فإن تأثير ذلك الأمر ما زال غير واضح وأبعاده الاقتصادية غير مكتملة فحركة نقل الأفراد والبضائع ما زال محدودا ولا يتجاوز عشرات الشاحنات يوميا ولأسباب أمنية بالدرجة الأولى حيث ما زال الأمن غير مستتب تماما في غرب العراق والمخاطر الأمنية ماثلة، ومن جهة ثانية فإنه ونتيجة لغياب الأردن القصري اقتصاديا عن العراق خلال السنوات الماضية الامر الذي أدى إلى خسارته لأسواق بضائع وخدمات والتي حل محلها دول وجهات أخرى مثل إيران وتركيا ودول الخليج وآخرون فأصبح من الصعب بمكان استعادة سوقه العراقي الذي وصل يوما ما إلى أنه يصدر ما يقارب ال 700 مليون دولار من المنتجات المختلفة.

كيف اثرت الاوضاع الامنية والسياسية في العالم العربي على البلاد ؟وبرأيك اي دور ستلعبه الاردن بموضوع اعمار سوريا في حال توقف الحرب؟

اعتقد بان الحكومات الاردنية ومنذ اكثر من ثلاثين عاما ارتكبت اخطاء استراتيجية منها انها تبنت فكرة الاتكال على المساعدات والمنح العربية والاجنبية التي تبدو انها لم تعد متوفرة ومهددة بالتوقف ، وايضا استخدام أسلوب التعذر لاسباب الفشل الاقتصادي على العوامل الخارجية اقليميا ودوليا ولذلك فقد انتهجت نهجا اقتصاديا غير مسؤول عما يقترف من اخطاء أوصل الاقتصاد الأردني إلى ما نحن عليه من سوء.

وحول التوقعات لتحقيق نمو اقتصادي جيد في العام القادم فأرى بأن اي نمو اقتصادي في العام القادم لن يتجاوز ما تم تحقيقه في الاعوام السابقة والذي كان دون نسبة 2.3%.

وحول الفرص الاقتصادية التي قد يوفرها الاستقرار في الاقليم العام القادم للاردن، استبعد ايضا هذا الاحتمال متوقعا المزيد من الفوضى وعدم الاستقرار وخاصة مع التغيرات والسياسات الغير واضحة في السعودية ودول الخلبج اضافة الى دخول ادارة ترامب عامها الثاني وما اتخذ من قرارات من الاطراف المختلفة وبالتالي تكثيف الضغوط عليه الى درجة ان الاردن يعيش حالة من "اليتم" .

من جانب آخر يعتقد البعض في الاردن بان هناك فرص له في عملية اعادة اعمار العراق وسوريا عندما تبدا عملية إعادة الإعمار هناك وهذا برأي سيكون صعب التحقق وذلك لضعف امكانات الذاتية أولا وبسبب وحود تنافس قوي مع دول اكثر تمكنا ونفوذا مثل تركيا وايران ودول العالم واي دور للاردن سيكون ثانوي وعبر اطراف دولية اكثر قوة.

ونحن على مشارف بداية العام 2018، كيف ترى موازنة الاردن للعام القادم؟ وكيف سيتأُثر المواطن من جراء ما يشاع عن زيادة الضرائب ورفع الدعم عن بعض السلع ؟

وفي ما يتعلق بموازنة العام القادم 2018 فقد بلغت فيها إجمالي النفقات 9.039 مليار دينار منها 7.886 مليار دينار نفقات جارية و 1.153 مليار دينار نفقات رأسمالية أم الإيرادات فقد قدرت بمبلغ 8.496 مليار دينار منها 5.146 مليار دينار إيرادات ضريبية 3.35 إيرادات غير ضريبية مع توقع أن تكون قيمة المنح بمبلغ 700 مليون وان يكون عجز الموازنة 543 مليون دينار .

اما الأثر السلبي للارتفاعات المستمرة لأسعار المحروقات والكهرباء ورفع الدعم عن الخبز والتي سيبدأ مع بداية العام 2018 إضافة لرفع ضريبة المبيعات على المئات من السلع والخدمات والتي تبلغ قيمتها السوقية ما يزيد على 3 مليار دينار سيؤدي إلى تراجع في القوة الشرائية للمواطنين الذين لم يزداد دخلهم خلال السنوات الماضية اي زيادة تذكر وبالتالي تأكلت تلك المداخيل فتراجع الطلب الكلي على السلع والخدمات مما أدى إلى حالة من الركود الاقتصادي وعجز الاقتصاد عن النمو وأحداث فرص عمل كافية لأكثر من سبعون الف طالب عمل يدخلون السوق سنويا لا يجد منهم سوى 40 الف منهم فرص عمل لهم .