لا شك أن موسم أعياد نهاية السنة، يعتبر الموسم الأكثر تميّزاً في لبنان. كيف لا، والمناطق اللبنانية من أقصى الشمال الى أقصى الجنوب ترتدي أجمل حلّاتها؟ ما يميّز عيدي الميلاد المجيد ورأس السنة الميلادية أن الإحتفال بهما لا يقتصر على يومي 25 كانون الأول و 1 كانون الثاني بل ان روح العيد تبدأ منذ بداية الشهر الأخير من العام الذي يستعد اللبنانيون لوداعه.

وبالرغم من كافة المشاكل التي مرّ بها لبنان ومن الأوضاع الإقتصادية التي يعيشها اللبنانيون، إلا أنهم وكما في كل عام يصرّون على الإحتفال بكل ما أوتوا من قوّة واستغلال هذا الشهر ليودّعوا كل الأمور السلبية التي اعترضت طريقهم خلال أيام السنة ومحاولة استقبال العام الجديد بإيجابية راجين منه حمل المفاجآت الجميلة، الجميلة فقط...!

وبالعودة الى أجواء الفرح التي تعمّ شوارع المناطق اللبنانية خلال الشهر الأخير من العام، فإن المصدر الأبرز لهذه الطاقة الإيجابية هو الزينة. لم يعد معنى الزينة في لبنان يقتصر على الشق الديني وعلى الشجرة التقليدية والمغارة بل تعدّى ذلك ليصبح أشبه بمنافسة بين المناطق تعتمد على الإبتكار والتميّز. في الأعوام السابقة، كانت شجرة جبيل إحدى أبرز المقاصد الميلادية فاستطاعت ان تجذب الأنظار ليس فقط على مستوى لبنان بل على مستوى العالم، فتمكنت من ان تحجز لنفسها مرتبةً مشرّفة في العديد من اللوائح العالمية لتصنيف زينة الميلاد. أما هذا العام، شجرة جبيل لم تعد المنافس الأقوى بشكل حتمي، فبرزت زينة الميلاد في كل من جونيه، وضهور الشوير، وبنشعي، وعكّار كما زحلة وبيروت أيضاً.

كما برزت محافظة الجنوب من خلال بلدة مغدوشة التي تميّزت هذا العام بالحلّة الساحرة، فاستقطبت عدداً كبيراً من الزائرين. ومن هنا، قررنا في موقع "الإقتصاد" تخصيص هذا المقال لزينة الميلاد في ​جنوب لبنان​. بدأنا من مغدوشة التي أكد نائب رئيس بلديتها كلود حايك ان إعطاء هذه الأهمية للزينة في مغدوشة يأتي انطلاقاً من كون مزار "سيّدة المنطرة" أحد مقاصد السياحة الدينية العالميّة، مشيراً الى أن ما ميّز الزينة هذا العام هو أن الشجرة هي أكبر شجرة ميلادية طبيعية".

واضاف حايك: "نظمنا أيضاً حفل ميلادي للفنان مايك ماسي في بازليك سيدة المنطرة، حضر اليه الصغار والكبار من أهالي الضيعة. اما بشكل عام فإن الزينة تستقطب الكثير من أهالي المنطقة كافة، وخاصةً القرى المجاورة".

ثم انتقلنا الى ​صور​ فتحدثنا إلى رئيس البلدية حسن دبوق، الذي أوضح أن "زينة الميلاد تركّزت عند مدخل مدينته الشمالي فتم تزيين الشجرة الكبيرة هناك، وقمنا بتزيين شجرة أصغر لجهة ميناء صور، بالإضافة الى إضاءة الطرقات والبيوت في الشوارع الرئيسية وبشكل خاص في حارة المسيحيين".

وأضاف دبوق: "خلال الموسم هذا العام نلاحظ إقبالاً كبيراً على المدينة من كافة المناطق وخاصة أن الزينة تتركز على المدخل فتستقطب حتى الذي يمرون من المدينة الى منازلهم في المناطق المجاورة".

أما في محافظة النبطية وتحديداً بلدة رميش فإن الزينة تركزت في ساحة الكنيسة لتمتد على طول الطريق العام، كما يقول رئيس البلدية فادي مخول، ويضيف: "الحمدلله إن الزينة تتوسّع كل عام عن الذي سبقه، ومن العوامل المهمة خلال هذه الفترة أن شباب الضيعة هم الذين يهتمون بوضع الزينة ما يوفر الكثير على صندوق البلدية المالي كما يوطّد الروابط الإجتماعية في ما بينهم. وهذا العام وصل طول الشجرة الى 16 متراً، لأول مرة في رميش. ويشير مخول إلى "أن البلدية أقامت يوم الجمعة الماضي احتفالاً لإفتتاح الزينة، فاستقطبنا عدداً كبيراً من أولاد الضيعة وأقاربهم وأصدقائهم من القرى المجاورة".

ومن جهته، رئيس بلدية عين إبل، عماد اللّوس، لفت الى أن التركيز في قريته "غالباً ما يكون على الشارع الرئيسي وفي ساحة كنيسة مار الياس وكنيسة السيدة في ساحة البلدة. أما هذا العام فركّزنا كثيراً على المغارة التي تتميّز بطابعها الفني"، مشيراً الى ان الإحتفالات تتضمن عروضاً فنية من الفرق الموسيقية في قوات الأمم المتحدة، من الجنسيتين الفنلندية والإيرلندية، التي تعمل في الضيعة بالإضافة الى فرق الكشافة. وهنالك العديد من النشاطات الأخرى للصغار والكبار والتي نتمنى أن تنشر البهجة في كل ركن من أركان عين إبل". أما عن التكلفة فأشار اللّوس الى ان التكلفة "لم تتخطّى الـ12 مليون ليرة، خاصةً أننا استخدمنا الكثير من زينة العام الماضي".

ونبقى في النبطية حيث تحدثنا إلى رئيس بلدية دبل ميلاد حنا، فشدّد على أهمية العيد المعنوية "هو ميلاد طفل المغارة والإهتمام به يأتي على قدر المحبة، أما الإهتمام بالزينة فيأتي على قدر الإستطاع. نحن في دبل ليس لدينا إمكانيات جبيل وجونيه وسد البوشرية لكن بالطبع قمنا بإعداد الزينة لهذا الموسم المجيد بمساعدة طلائع فرسان العذراء وكشافة مار جرجس مادياً، ويقوم عمال البلدية والشرطة بأعمال الصيانة والتركيب". وأوضح أن الزينة هي نفسها زينة العام الماضي التي كانت قد كلفت حوالي عشرة ملايين ليرة، 3 ملايين منها تبرّعات وسبعة ملايين من البلدية".

أما الختام فكان مع جزين، حيث تحدثنا الى رئيس البلدية خليل حرفوش، فأطلعنا على تفاصيل زينة الميلاد التي تركّزت "عند ساحة بلدية جزين والطريق العام وسيدة المعبور. أما بالنسبة للتكلفة فوصلت الى 40 ألف دولار"، موضحاً: "واجهنا الكثير من الإنتقادات بسبب ارتفاع التكلفة، لكن الزينة القديمة لم تعد صالحة للإستعمال فاشترينا زينة جديدة كلياً، كما أردنا أن نتميّز عن المناطق الأخرى".

وأضاف: "هدفنا أن نستقطب أكبر عدد ممكن من الزائرين اللبنانيين والسياح الأجانب في موسم الشتاء الذي عادةً ما تعاني المنطقة فيه من الجمود"، مشيراً إلى أننا "في هذه الفترة، نشهد حركة جيدة في المطاعم، ونرى الكثير من المجموعات التي تأتي من خارج المدينة لترى الزينة وتلتقط الصور".

في النهاية، يختلف معنى العيد من شخص الى آخر، بحسب السن، الثقافة أو حتى المحيط الإجتماعي، وكلٌّ منّا يعبّر عنه بطريقته، الإّ أن الإهتمام بالتفاصيل شيء مهم، فكيف إذا كانت هذه التفاصيل تتعلّق بما يزيّن شوارعنا ويضفي الأجواء المرحة على أيامنا فتنسينا كل التفاصيل المزعجة التي تشغل بالنا طوال أيام السنة...؟