بعد أن أقرّ مجلس الوزراء ملف النفط الذي يتضمن تلزيم البلوكين 4 و 9 في المياه الإقليمية اللبنانية لإتحاد شركات مكون من "توتال" الفرنسية و "إيني" الإيطالية، و"نوفاتك" الروسية، وبعد إعلان وزير المال ​​علي حسن خليل​​، أنّ وزارته "في سياق التحضير للموازنة ويجري البحث في سبل تخفيض نسبة العجز المرتفعة في موازنة 2018 وإيجاد حلول مع ​البنك المركزي​"، مضيفاً بعد لقائه رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ وحاكم مصرف لبنان ​رياض سلامة​ في السراي الحكومي، أنّ "​الموازنة​ ستُطرح على جدول الأعمال في أول جلسة ل​مجلس الوزراء​ مباشرةً بعد رأس السنة"، فليس هناك سبيل أمام المواطن اللبناني سوى الإستبشار خيراً على باب السنة الجديدة.

لكن ماذا عن النمو خلال العام 2017؟ وماذا عن توقعات أهل الإختصاص للعام 2017؟ وما هو المطلوب اليوم من الحكومة؟ لمعرفة الإجابة عن هذه التساؤلات، كان لـ"الإقتصاد" هذا اللقاء مع مدير عام مساعد ورئيس قسم الأبحاث لدى "بنك عودة"، د. ​مروان بركات​:

كيف تقيّم أداء الاقتصاد اللبناني خلال العام 2017؟

شهدالاقتصادالحقيقي في لبنانتحسناًخجولاً هذا العام بالمقارنة مع العام 2016، بحيث لا يزال الاقتصاد الوطني يعاني من فجوة كبيرة مع الناتج الممكن تحقيقه ومع مستوى العمالةالكاملة. فالمؤشر الاقتصادي العام الصادر عن مصرف لبنان، وهو متوسط مثقل لعدد من مؤشرات القطاع الحقيقي لتقييم الأداء الماكرو اقتصادي، نما بمتوسط سنوي نسبته 5.5% في الأشهر العشرة الأولى من العام 2017، مقابل نمو بنسبة 4.5% في الفترة المماثلة من العام 2016.

في هذا السياق، توقع مصرف لبنان أن يبلغ النمو الاقتصادي 2.5% للعام 2017 وذلك من 2.0% في العام السابق، في حين توقع صندوق النقد الدولي أن يصل النمو إلى 1.5% في العام 2017 وذلك من 1.0% في العام 2016. يجدر الذكر أن تأثير الأزمة السياسية الأخيرة المتمثلة بإعلان الرئيس الحريري عن استقالته كان انكماشياً بعض الشيء على القطاع الحقيقي، وإن بشكل محدود مع انحسار المحنة نسبياً بحيث لم تطل تداعياتها المباشرة بشكل عام.

إن التحسن الطفيف في النشاط الاقتصادي هذا العام مدعوم بشكل أساسي بالقطاعات الاستهلاكية أكثر منها الاستثمارية. فنسبة الاستثمار إلى الناتج، والتي تقلصت من 31% في العام 2010 إلى ما يقارب 23% في العام 2016، لم تشهد أي تغير يذكر في العام 2017، لاسيما في ظل المخاطر المحدقة والمستمرة والتي تساهم في تأجيل القرارات الاستثمارية الكبرى في البلاد. فحالة الترقب والتريث لا تزال سائدة في أوساط المستثمرين المحليين، في حين أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تقلصت بنسبة 32% خلال السنوات الست الماضية، لا يبدو أنها استفادت من مفاعيل التسوية السياسية المحلية.

ما هي توقعاتك للاقتصاد في العام 2018، وخاصةً مع دخول لبنان نادي الدول النفطية وانعقاد مؤتمر "باريس 4"؟

إن توقعاتنا الماكرو اقتصادية للعام 2018 تتمحور حول نمو في الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 3% لاسيما في ظل الانتخابات النيابية المنتظرة وعلى افتراض أن التسوية السياسية المحلية الجديدة ستصمد على مدى العام المقبل. ووفقاً لتوقعاتنا، فإن النمو الاقتصادي سيكون مدفوعاً بنمو بنسبة 10% في حركة الاستثمار الخاص وذلك انطلاقاً من قاعدتهالضعيفة نسبياً في العام 2017، وبنمو بنسبة 4% في الاستهلاك الخاص، إلى جانب نمو في الصادرات بنسبة تفوق 10% في ظل إعادة فتح معابر التصدير البري عبر سوريا. بموازاة ذلك، من المتوقع أن تنمو الكتلة النقدية بنسبة 5٪ مدفوعةً بنمو في التدفقات المالية الوافدة بنسبة 10%، مما قد يؤدي إلى تقلص في عجز ميزان المدفوعات.ومن الممكن أن يولد ذلك، على مستوى القطاع المصرفي، نمواً في الودائع بقيمة 8 مليارات دولار، إضافة إلى منح قروض إضافية بقيمة 3.5 مليار دولار للقطاع الخاص.

في السياق ذاته، فإن التطورات الأخيرة المتمثلة بإقرار بند النفط في مجلس الوزراء من غير المرجح أن تؤثر بشكل كبير في آفاق العام المقبل، إذ لن يبدأ استخراج النفط قبل 5 سنوات. غير أنه على المدى الطويل، عند البدء باستخراج النفط وعمليات التداول التجاري، نعتقد أن هنالك فرصةلأن يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي مستواه بنسبة 30%. وفيما يتعلق بمؤتمر باريس الرابع، فإن الأخير يشكل اختباراً لقدرة المجتمع الدولي على تعويض لبنان عن تلاشي الدعم الاقتصادي الإقليمي. من هنا، نعتقد أن المجتمع الدولي سيعزز الجهود في هذا الشأن، على الأقل تفادياً لحدوث أزمة لاجئين في أوروبا والتي يمكن أن تسببها أي زعزعة للاستقرار الداخلي في لبنان.

ما هي الخطوات المطلوب من الحكومة اتخاذها في العام 2018 لتحقيق نسب النمو المرجوّة؟

إن التحدي الاقتصادي الرئيسي في الوقت الراهن يكمن في الحدّ من حلقة النمو البطيء، لاسيما في أعقاب نمو سنوي في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بمتوسط قدره 2% خلال السنوات الست الماضية. ويتمثل التحدي الأول في تحفيز الاستثمارات الخاصة، مع الإشارة إلى أن الاستثمار له التأثير الأكبر على النمو الاقتصادي الكلي من خلال مفعول مضاعف الاستثمار بشكل عام. كما وإن نمو الاستثمار من شأنه أن يعزز مكون العمالة في النمو الاقتصادي والذي يتطلب خلق فرص عمل جديدة لاستيعاب أكثر من 30,000 لبناني ينضمون كل سنة إلى القوى العاملة في لبنان.

في هذا السياق، تبرز معضلة خلق الوظائف في لبنان من بين القضايا الأساسية نظراً إلى أن معدل البطالة قد تضاعف ليصل إلى 20% مؤخراً. هذا ويرتبط تحفيز الاستثمار الخاص بتحسن بيئة الأعمال من خلال خفض تكاليف التشغيل وتعزيز سهولة مزاولة الأعمال التجارية في لبنان.وفي هذا السياق، ينبغي أن تشمل الحوافز المقدمة للقطاع الخاص إزالة بعض الرسوم التي تؤثر على مناخ الأعمال (والتي لاتوفر عائدات مرتفعة للخزينة)، أو تعزيز فرص الحصول على التمويل (تمويل الأصول الثابتة وتمويل رأس المال العامل). ثانياً، على المستوى الخارجي، المطلوب تأمين نمو سنوي في الصادرات يتجاوز العشرة في المائة بعد تراجع صافي في الصادرات بمقدار 30% على مدى السنوات الخمس الماضية.من الضروري هنا اتخاذ تدابير لتعزيز الإنتاج المحلي وتحفيز السلع الموجهة نحو التصدير والسلع البديلة للاستيراد للحدّ من العجز التجاري الذي يبلغ اليوم نسبة تناهز 30% من الناتج المحلي الإجمالي. في هذا السياق، من المهم تحسين وتوسيع نطاق البرامج القائمة لدعم الصادرات واستحداث برامج تحفيزية جديدة وحملات ترويجية تتوجه نحو القطاعات ذات القيمة المضافة العالية والتي تتمتع بنسب متدنية من الاستثمار إلى القيمة المضافة الناجمة عنه. ثالثاً، إن حاجات النمو الاقتصادي المرجو تقتضي تأمين تحسن تدريجي للبني التحتية الأساسية وذلك لملاقاة متطلبات هكذا نمو. إذ يحتاج لبنان إلى معالجة الوهن الناشئ في البنى التحتية الأساسية، مع احتياجات لاستثمارات كبيرة في قطاعات عدة مثل الطاقة والنقل والاتصالات والمواصلات والمياه. إن التحدي الأساسي الذي يواجه الحكومة في هذا المجال يكمن في تأمين حاجات البنى التحتية الأساسية دون إحداث ضغوط إضافية على وضعية المالية العامة في لبنان.

ما هي صحة الحديث عن استعادة الأسواق المالية نشاطها الطبيعي عقب الحدث المتمثل بإعلان الرئيس عن استقالته؟

إن مفاعيل الحدث الطارئ والمتمثل بإعلان الرئيس الحريري عن استقالته في الرابع من تشرين الثاني 2017 قد انحسرت، إذ أن الإحصاءات النقدية للأسبوع الأخير من شهر تشرين الثاني قد عكست المنحى الذي ساد في الأسواق عقب الرابع من تشرين الثاني، بحيث عادت الودائع بالليرة وإجمالي الودائع إلى الارتفاع مرة أخرى، خلافاً للأسابيع الثلاثة السابقة.وعقب الاستقالة، شهدت سوق القطع تحويلات من الليرة اللبنانية إلى العملات الأجنبية بقيمة 3.5 مليارات دولار (7% من الودائع بالليرة اللبنانية)، وخروج ودائع مصرفية بقيمة ملياري دولار (1.3% من إجمالي قاعدة الودائع)، مع العلم أن تداعيات هذا الحدث كانت أكثر اعتدالاً من تداعيات أحداث عامي 2005 و2006 (اغتيال الرئيس رفيق الحريري والحرب الإسرائيلية) حين تم تحويل ما يقارب 30% من الودائع بالليرة اللبنانية إلى العملات الأجنبية بالترافق مع خروج بما نسبته 5% من الودائع المحلية.

أما على مستوى الأسواق، فإن سوق النقد التي تعرضت لضغوط عقب استقالة رئيس الوزراء اللبناني في الرابع من تشرين الثانيقد استعادت مستواها الطبيعي.وفي هذا السياق، اتخذ مصرف لبنان عدد من التدابير منذ بداية الأزمة، حيث فرض على المصارف تأمين أموال بالليرة اللبنانية على الفور مقابل الدولار الأميركي، وحظر حسم الأوراق بالليرة.وقد سمح ذلك بتخفيف الضغوط على سوق القطع، ولكنه أدى في الوقت نفسه إلىشح السيولة بالليرة في سوق النقد، مما أرخى بثقله على معدل الفائدة من يوم إلى يوم الذي تجاوز عتبة الـ120% في ذروة الأزمة، قبل أن ينخفض ​​تدريجياً ليصل إلى 4% اليوم وسط انعكاس منحى التحويلات في سوق القطع.

وكانعكاس لنظرة الأسواق الى المخاطر السيادية، فقد توسع هامش مقايضة المخاطر الائتمانية من فئة 5 سنوات بشكل ملحوظ من 475 نقطة أساس قبل الاستقالة لتصل إلى ذروة 640 نقطة أساس عقب الاستقالة، لينخفض تدريجياً بعد ذلك ليصل إلى 525 نقطة أساس اليوم. أما متوسط ​​المردود على السندات، فقد توسع من 6.20% قبيل الاستقالة إلى 7.76% بعدها، ومن ثم إلى 6.74% اليوم، وبالتالي لا يزال أعلى بمقدار 54 نقطة أساس بالمقارنة مع بداية تشرين الثاني.

أخيراً، ورغم أن الأسواق استعادت بمعظمها نشاطها الطبيعي، فإن التحديات لا زالت قائمة لاسيما في ظل اقتصاد هش يشوبه اختلالات بنيوية، لاسيما تلك المرتبطة بالمالية العامة والعجوزات الخارجية، والتي تحتاج إلى معالجات وإصلاحات جذرية.