من المتوقع أن يطلق رئيس ​مجلس الوزراء​ ​سعد الحريري​ أوائل العام الجديد برنامجاً ​اعمار​ياً متكاملاً يتعلق باعمار وتأهيل نحو 250 مشروعاً في البنى التحتية تشمل مختلف المرافق والقطاعات في المناطق اللبنانية كافة.

وتبلغ الكلفة الإجمالية للبرنامج نحو 16 مليار دولار سيتم تمويلها من ​القطاع الخاص​ ومن مؤسسات التمويل الإقليمية والدولية. ويشكل هذا البرنامج حجماً وأهدافاً خطوة إنقاذية لإخراج الاقتصاد من حال التباطؤ والمراوحة.

هذا الكلام قاله مستشار رئيس مجلس الوزراء د. نديم المنلا الذي يتولى إدارة ومتابعة ملف هذا البرنامج في حوار مع مجلة "الاقتصاد والأعمال" اللبنانية الذي تصدّر غلاف عددها الذي يصدر اليوم. وفي ما يلي أبرز ما تضمنه الحوار حول البرنامج وكلفته وتمويله:

- لماذا هذا البرنامج؟

يقول د. المنلا: "إذا نظرنا إلى الواقع الاقتصادي نلاحظ أنه ومنذ العام 2011، أي إثر بدء ​الأزمة السورية​، عانى لبنان الاقتصادي من معدلات نمو منخفضة بل ومتواضعة وجاءت هذه المعدلات سالبة حيناً أو إنها لا تتجاوز الـ 2% في أحسن حالاتها، وهذه المعدلات لا تسمن ولا تغني وليست كافية لمعالجة مشكلة ​البطالة​ التي وصلت إلى مستوى مقلق وهي تتفاقم سنوياً مع خريجي الجامعات والمعاهد الذين يدخلون سوق العمل وبالكاد يتم استيعاب ربع هذه الأعداد، والباقي مهدد بالبطالة ما لم تتوفر لهم أبواب الهجرة التي تتقلص فرصها يوماً بعد يوم نتيجة الأوضاع الاقتصادية القائمة عربياً وعالمياً، وبالتالي لا يمكن الخروج من هذه الأزمة من خلال سياسة مالية أم نقدية أم إنتاجية".

من هنا يضيف المنلا: "إن هذا الوضع الاقتصادي المتراكم والذي تفاقم في السنوات الست الأخيرة بات الخروج منه يتطلب تدخلاً من ​القطاع العام​ ليلعب دوراً أكبر وربما دوراً استثنائياً، وقد تبين بعد دراسات معمقة أن مفتاح الحل هو في اعتماد سياسة اعمار وتأهيل وتطوير البنية التحتية ولاسيما وأن هذه البنية تقادمت على مدى أكثر من 15 عاماً وباتت مترهلة ومزرية بمرور الزمن والإهمال وبتزايد الأعباء عليها جراء مشكلة النازحين السوريين.

النمو وفرص العمل

ويتابع د. منلا: "وتكمن أهمية تطوير البنى التحتية في الدور التنموي الذي تحققه إنطلاقاً من المعطيات الآتية:

إن كل مليار دولار يتم إنفاقه في مشاريع البنى التحتية يخلق نمواً اقتصادياً بنسبة 3 في المئة، كما يوفر 50 ألف فرصة عمل باعتبار أن العمالة تمثل نحو 30 في المئة من أكلاف هذه المشاريع.

إن لهذا ​الإنفاق​ عاملاً مضاعفاً ينعكس في مختلف القطاعات فإذا أخذنا موضوع ​الكهرباء​ على سبيل المثال، فإن توفير ​الطاقة​ يؤدي إلى تنمية ​السياحة​ وغيرها.

ولا شك في أن وجود بنية تحتية متطورة يشكل جاذباً مهماً للاستثمارات المحلية والأجنبية، كما إنه يزيد من القدرة ​التنافسية​ للاقتصاد اللبناني الذي بات ينوء تحت أعباء الكلفة المرتفعة في الكهرباء و​المياه​ والنقل وال​اتصالات​ وغير ذلك."

البرنامج: 16 مليار دولار

وانطلاقاً من الواقع الاقتصادي الذي يعاني من معدلات نمو متواضعة ومن أهمية تطوير البنية التحتية، تمّ إعداد هذا البرنامج الاعماري الذي يتحدث مستشار رئيس مجلس الوزراء د. نديم المنلا عن خطوطه العريضة فيقول: "البرنامج تقدر كلفته بنحو 16 مليار دولار ويشتمل على أكثر من 250 مشروعاً في كافة المرافق والمناطق ومن المفترض تنفيذه خلال 10 سنوات وعلى مرحلتين، أما تفاصيل البرنامج فتتوزع كالآتي:

- قطاع المواصلات ويضم الطرقات وال​مطارات​ والمرافئ وتبلغ كلفته 5 مليارات دولار.

- المياه: بما في ذلك بعض السدود ومياه الري بكلفة 3 مليارات دولار.

- معالجة المياه المبتذلة والصرف الصحي: بكلفة ملياري دولار.

- قطاع الكهرباء إنتاجاً ونقلاً: بكلفة 4 مليارات دولار.

- قطاع الاتصالات: تقدر كلفته بنحو 550 مليون دولار.

- معالجة النفايات: تقدر كلفته بنحو 1.4 مليار دولار.

- قطاعات الصحة والتربية: بكلفة 300 مليون دولار.

- الثقافة بما في ذلك الآثار: بكلفة 280 مليار دولار."

ولفت د. المنلا الى أن "هذا البرنامج يحقق الإنماء المتوازن إذ إن نحو 50% من المشاريع هي محلية وفي المناطق خصوصاً ما يتعلق بمشاريع المياه وبعض الطرقات، لافتاً إلى أن المناطق الأكثر فقراً سيكون لها نصيب أكبر من الإنفاق الاستثماري بحسب ​عدد السكان​."

توقعات التمويل

- تلك هي مشاريع البرنامج فماذا عن التمويل؟

يجيب د. نديم المنلا: "يجري البحث في موضوع التمويل من مشاركة القطاع الخاص ومن ​قروض​ بشروط ميسرة وبفوائد لا تتعدى الواحد والواحد ونصف في المئة على مدى 30 عاماً وبفترة سماح مدتها 10 سنوات."

و"تقديراتنا" والكلام للمنلا، "أنه يمكن الحصول على التمويل من خلال المصادر الآتية:

- 25% من التمويل يمكن الحصول عليه من القطاع الخاص والمرجح أنه سيختار بعض المشاريع كالكهرباء والطرقات ذات البدل، إضافة إلى المطارات والمرافئ وأيضاً ​النفايات الصلبة​.

- 25% من ​البنك الدولي​ وبدعم من الدول الصديقة من خلال تسهيل ائتماني بشروط ميسرة.

- 25% من الاتحاد الأوروبي ومن مؤسسات تمويل أوروبية ولاسيما من خلال صندوق لدعم دول الجوار الذي من المتوقع رصد مبلغ 80 مليار يورو له.

- 25% من الصناديق العربية و​الصين​ وبعض بلدان ​آسيا​ مجتمعة.

صيغ​ التنفيذ

أما بالنسبة إلى التنفيذ، وبعيداً عن التفاصيل، يشير د. منلا إلى أمرين:

"الأول: إن الجهة الممولة هي التي تكون معنية بتنفيذ المشاريع التي تختارها بدءاً من الرقابة على دفتر الشروط وإجراء المناقصة وصولاً إلى الإشراف على حسن سير التنفيذ.

الثاني: إن البنك الدولي للإنشاء و​التعمير​ يقوم بإجراء مراجعة شاملة للبرنامج، كما إنه يتولى إعداد الاقتراحات المناسبة حول الهيكلية الإدارية لكل قطاع لجهة مرحلة ما بعد التنفيذ."

إجماع وطني

وتحدث عن المنهجية التي تم اعتمادها للوصول إلى إقرار هذا البرنامج فأكد أن "هذه المشاريع تلبي احتياجات حقيقية وقال: لم تأت هذه المشاريع من بيروقراطية إدارية بل ولدت نتيجة اجتماعات متتالية مع الوزارات المعنية ومن خلال لقاءات خاصة بكل منطقة".

وأضاف: "إن هذه المنهجية الديمقراطية في مجال الإنماء سوف تأخذ مداها الأوسع، إذ تمّ ​توزيع​ مندرجات البرنامج بالكامل على جميع الكتل والقوى السياسية لتمكينها من الاطلاع على المشاريع وآليات التمويل والتنفيذ بغية الحصول على إجماع وطني حول البرنامج يكفل نجاحه ويبعده عن أي نوع من أنواع التجاذبات السياسية".

40 مشروعاً و4 مليارات دولار

وإلى مشروع الـ 16 مليار دولار، يتحدث مستشار رئيس مجلس الوزراء عن مشروع آخر مكمل قوامه نحو 40 مشروعاً وكلفته نحو 4 مليارات دولار. ويقول: تولى مجلس الإنماء والاعمار بالتعاون مع دار الهندسة (شاعر ومشاركوه) تجميع عدد من المشاريع العالقة لدى المجلس وعدد من الوزارات، والتي تعذر تنفيذها نتيجة اضطراب الوضع السياسي في السنوات الماضية وما رافقه من فراغ رئاسي تارة أو شلل حكومي تارة أخرى، فضلاً عن حال التجاذب السياسي، وقد تبين بنتيجة التجميع أن ثمة 40 مشروعاً هي إما قيد الإعداد والدراسة أو جاهزة للتنفيذ وتشمل مشاريع مختلفة من مياه ومياه مبتذلة ونفايات وطرقات واتصالات ومطارات ومرافئ.

وأضاف: "تبين أن كلفة هذه المشاريع تبلغ نحو 4 مليارات دولار ويتوفر لها التمويل من مصادر مختلفة دولية وعربية إلا أنه ينقصها نحو 700 مليون دولار تمثل حصة الدولة عبر تمويل من الخزينة، وهي مخصصة لإنجاز الاستملاكات اللازمة لهذه المشاريع التي لا تمولها المصادر الخارجية".

وتابع: "ثمة اتجاه لتوفير هذه المبالغ (700 مليون دولار) عبر سندات خزينة خاصة من أجل المباشرة في تنفيذ هذه المشاريع التي ستعطي الأولوية نظراً إلى توفر التمويل".