لبنان هو بلد يفتقد الى الاستقرار في أسعار المواد الاستهلاكية، فهذه الأخيرة قد تتأثر بأبسط المناسبات والأعياد وحتى التصريحات السياسية! وذلك بسبب جشع ​التجار​، ورغبتهم في استغلال كل الفرص المتاحة أمامهم، من أجل ​تعويض​ الخسائر التي يتكبدونها يوميا، أسبوعيا وسنويا، إثر الأزمات المتلاحقة التي تمر علينا.

وبالتالي يقع المواطن اللبناني أولا، ضحية لدولته التي تفرض عليه الضرائب والرسومات الجديدة، دون الاكتراث لأوضاعه الاجتماعية والمالية المتدهورة، والتي تتراجع أكثر فأكثر يوما بعد يوما؛ وثانيا، يبقى هذا المواطن رهينة لطمع التجار ورفعهم لأسعار منتجاتهم بطريقة جنونية ومفاجئة دون أي أسباب منطقية.

ومع الاقتراب من عيدي الميلاد المجيد ورأس السنة، خرج الناس الى الأسواق من أجل الاستعداد لاستقبال ​العيد​ وشراء ضرورياته. فما هي أوضاع الأسواق اليوم؟ هل تم رصد ارتفاعات مفاجئة في الأسعار؟ هل يتجه لبنان نحو أزمة من ناحية الاستهلاك؟

أجاب على هذه الأسئلة وغيرها، ​رئيس جمعية​ حماية ​المستهلك​ د. زهير برو، في هذه المقابلة الخاصة مع "الاقتصاد":

كيف تقيم الأسواق اللبنانية اليوم مع الاقتراب من عيدي الميلاد ورأس السنة؟ هل لاحظتم أي ارتفاعات في أسعار المواد الاستهلاكية؟

تابعنا الأسواق اللبنانية منذ 15 يوما، ويمكن القول أننا لم نلمس تغييرات جدية في الأسعار حتى الساعة. ولكن نعتقد أن هذا الأمر سيحدث خلال الأيام المقبلة، أي في الأسابيع القادمة التي تلي رأس السنة، وذلك حين سيتم البدء بتطبيق الرسوم التابعة الى سلسلة الرتب والرواتب والضرائب التي وضعها المجلس النيابي. وعندها على الأرجح سنشهد على ارتفاع في الأسعار وتضخم، خاصة أن هذه الزيادات رافقتها هندسة مالية ورفع في معدلات الفوائد. وبالتالي سوف يمتص السوق هذه الترتيبات الجديدة، ليبقى المستهلك الحلقة الأضعف في ​الاقتصاد اللبناني​.

برأيك، هل يتجه الاقتصاد اللبناني نتجه نحو أزمة استهلاكية؟

نعم​ بالطبع، فالاستهلاك قد سجل اليوم تراجعا بشكل عام، وذلك بفعل الأزمة السياسية التي مرت على لبنان.

مع العلم أن الوضع السياسي متجه نحو الأفضل، وهذا النوع من الاستقرار تم تثبيته، لكن شهدنا في المقابل على رفع الفوائد واتباع هندسة مالية غير مبررة على الإطلاق، ما سيؤدي الى تضخم ورفع في الأسعار.

كيف تقيم عمل جمعية حماية المستهلك خلال العام 2017؟

عملت الجمعية في العام 2017 على العديد من القضايا وتابعتها، وقد ظهر البعض منها الى الرأي العام، أما البعض الآخر فبقي مخفيا.

لكن اليوم في ظل قوانين غير مطبقة تتعلق بحماية المستهلك، وأوضاع مذرية في الإدارات العامة، من يحمي المواطن والمستهلك؟ بطبيعة الحال هذا من واجب القانون والدولة والإدارات، ومن واجب جمعية حماية المستهلك أيضا الدفاع عنه والإضاءة على المشاكل الأساسية والضغط في هذا الاتجاه.

نحن قمنا بعملنا في عدد من الملفات الأساسية منها موضوع الأسعار، والميكانيك، وموقف السيارات الجديد في ​مطار بيروت​، والمبيدات، و​قطاع الاتصالات​، وحليب الأطفال، وقد شارك الاعلام في جزء كبير منها. وهناك ملفات نجحنا في حلّها، وأخرى لم نصل الى أي نتيجة فيها، وذلك بفعل الشلل الهائل الموجود في الإدارات والأزمات السياسية المتعاقبة.

من جهة أخرى، تجدر الاشارة الى أنه لم يتم تطبيق قانون ​سلامة الغذاء​ حتى هذه الساعة، وذلك بعد مضي 3 سنوات على إقراره في المجلس النيابي. كما أن قانون حماية المستهلك الذي يبلغ من العمر اليوم 18 سنة، لم يأتِ بأي نتيجة.

فالخيارات الاقتصادية والسياسية في البلاد تتجه نحو فئات محددة يحميها النظام الاقتصادي اللبناني؛ والسياسات الاقتصادية في لبنان تحمي بالدرجة الأولى قطاعات محددة مثل ​المصارف​ و​العقارات​ غيرها، ما يضع المستهلك أمام أزمة مستمرة.

لهذا السبب نتمنى أن نصل الى تحقيق نظام حديث، عادل ومتوازن، حيث يكون المواطن الهدف الأول للدولة، وتعمل هذه الأخيرة على تأمين مصالحه، وليس مصالح فئات اجتماعية صغيرة تسيطر على البلاد وتتواطأ مع العائلات السياسية والنظام الاقتصادي الفاسد.

هل زادت المخالفات والشكاوى خلال العام 2017 بالمقارنة مع العام السابق؟

لم تصدر الأرقام الرسمية بعد، ولكن الاتجاه العام يظهر أن الشكاوى تتعلق بأكثريتها بالمياه، و​الكهرباء​، والنقل، والاتصالات، اضافة الى الأسعار التي ارتفعت في بداية السنة.

ما هي طلبات جمعية حماية المستهلك من ​الدولة اللبنانية​؟ وما هي الخطط والقضايا التي سوف تركّزون عليها في العام 2018؟

سوف نستمر في النهج ذاته وفي الضغط المتواصل على الدولة لكي تقوم بواجباتها كافة. لكننا نعلم تماما أسس تركيبة النظام السياسي والاقتصادي في لبنان، كما أن طبيعة النظام الاقتصادي والاجتماعي في البلد وتوجهاته الأساسية وهمومه، باتت واضحة بالكامل بعد سنوات طويلة. فالمواطن المستهلك لا يشكل جزءا من اهتمامات الدولة، لذلك سنتابع ضغطنا من أجل توعية الناس على مصالحهم، والتأسيس لثقافة الاستهلاك التي تزيد وتتكاثر سنة بعد سنة.

ويجب أن يفهم المواطن أن الزعامات الطائفية والعائلات السياسية لن تفيده، ولن تحل مشاكله بل ستعقدها أكثر.