خاص ــ الاقتصاد

تعددت أوجه العمل التي اعتمدتها إحدى الشركات التجارية، حيث اختارت وجهتها الأولى مطعماً راقياً من ضمن شركة تتولى تصنيع المأكولات والهدايا، قبل أن تتحوّل الى ملهى ليلي ترتكب فيها الأفعال المنافية للإخلاق، وتنتهي مسيرته بالإقفال بالشمع الأحمر، في حين أن مالكي الشركة استغلّوا هذا الإقفال وعمدوا الى أخفوا دفاترها التجارية وارتكبوا جرم الافلاس الاحتيالي، الذي حوّلهم من رجال أعمال ملاحقين بجرم جنائي أمام محكمة الجنايات في بيروت.

خفايا وخلفيات هذه القضية، كشفها بالتفصيل قرار ظنّي مبني على معلومات ومعطيات، تكونت لدى دائرة التحقيق في بيروت، من خلال دعوى قضائية تقدّم بها المدعيان "شارل. ع" وزوجته "دينيز. ع"، وأفادا فيها أنهما يملكان عقاراً في أحد مناطق بيروت الراقية، وقد عمدا الى تأجيره الى إحدى الشركات التي حددت وجهة استعمال العقار المستأجر كمطعم وشركة لإعداد الهدايا والمأكولات، ليصبح العقار المذكور مركز عمل الشركة الفعلي.

لم يبق الحال كما كان يفرض الاتفاق، إذ أن مدير الشركة المدعى عليه "بول. ع" ارتكب عدة انتهاكات ومخالفات قانونية، وأخطاء جسيمة وفادحة طيلة فترة ادارته للشركة، ما أدى الى نشوء دعاوى عديدة بينه وبين صاحب االشركة "جوزيف. أ" من جهة، وبين أصحاب العقار من جهة أخرى، انتهت بالحكم للجهة المدعية بمتوجبات البدلات وبإخلاء المأجور، ما جعل "بول" وشريكه "جوزيف. أ" يقدمان على إخفاء وتبديد الموجودات العائدة للشركة والتواري عن الأنظار. وأكدت الجهة المدعية أن المدعى عليهما بدّلا وجهة المأجور من مطعم الى مقهى ليلي تمارس فيه نشاطات منافية للأخلاق، وإحداث أصوات تقلق راحة الجيران.

بنتيجة المخالفات الحاصلة تم ختم الشركة بالشمع الأحمر بأمر من وزارة االسياحة، وقد صدر حكم باخلاء المأجور في العام 2006، وفي منتصف العام 2014، أصدرت محكمة الاستئناف المدنية في بيروت، حكماً قضى بالزام الشركة بدفع حوالي 60 مليون ليرة لبنانية، كبدلات إجارات متوجبة في ذمتها لمالي العقار، وأدلت بأن الشركة تمنعت عن ايداع المحاضر والميزانيات في السجل التجاري، ولم تتخذ مركزاً جديداً لها بالرغم من اقفال مركزها القانوني، في حين تقدم المدعى عليهما "بول. ع" و"جوزيف. أ" بدفوع شكلية عرضا فيها أن شركتهما تأسست في العام 1988 وأن قراراً صدر عن قاضي الأمور المستعجلة باقفال المقهى في العام 2003، لكنهما لم يبرزان دفاترهما التجارية طيلة الفترة الممتدة من تاريخ انتهاء الايجار المنوه عنه في العام 2004 حتى تاريخه (2017)، بالرغم من مطالبتها بذلك من قبل دائرة التحقيق في بيروت.

وأفادت وقائع القرار الظني الصادر عن قاضي التحقيق في بيروت فؤاد مراد، أن الفعل المنسوب الى المدعى عليهما "بول. ع" و"جوزيف. أ" هو جرم الافلاس الاحتيالي، لقيامهما باخفاء الدفاتر وتبديد أموال الشركة وعدم التصريح عن أرباحها وميزانيتها لدى أمانة السجل التجاري، حيث أن المادة 489 من قانون التجارة، اعتبرت في حالة إفلاس كل تاجر ينقطع عن دفع ديونه التجارية، وبعبارة أخرى يفترض بالدين المتذرع به أن لا يكون موضوع منازعة جدية لناحية توجبه أو مقداره أو استحقاقه مكتسباً بالقوة الثبوتية.

وفي استفاضة الشرح القانوني لحيثيات القضية، أوضح القرار أن المادة 689 من قانون العقوبات، تعتبر أنه يكون مفلساً محتالاً ويعاقب بالأشغال الشاقة حتى سبع سنوات، كل تاجر أخفى دفاتره التجارية أو اختلس أو بدد قسماً من أمواله، أو إعترف بديون (أي صرّح عن ديون) غير متوجبة عليه،  سواء بدفاتر وصكوك رسمية أو عادية بموازنته، كما أن اخفاء الدفاتر التجارية ينصب على الدفاتر التي تبين حقيقة وضع التاجر.

ووفق الحيثيات القانونية للحالات المشابهة، فإن إقفال المحل التجاري بالشمع الأحمر العائد للشركة المدعى عليها في العام 2003، لا يعني انتهاءء هذه الشركة بصورة تلقائية، إذ أن لها شخصية معنوية لا تنتهي إلا باحدى الحالات المحددة قانوناً، وأن المدعى عليهما لم يثبتا أن شركتهما متوقفة فعلياً عن العمل، لا بل ظلّت ممثلة بشخص المفوض بالتوقيع عنها "بول. ع" طيلة فترة المحاكمة الابتدائية والاستئنافية والدعوى المدنية المقامة من المدعين، وأنها تبلغت القرار الصادر عن محكمة الاستئئناف المدنية في العام 2014، وبالتالي لم يتبيّن أن الشركة قد انتهت أو حُلّت بارادة الفرقاء، بل انه بالاطلاع على الافادة الشاملة الصادرة عن السجل التجاري والمبرزة في الملف، تبين أن الشركة لم تُشطب من قيود السجل التجاري، وأن لها مفوضاً بالتوقيع عنها، ما يفرض عليها أن تلتزم بالموجبات المفروضة عليها قانوناً، ومنها امساك الدفاتر والاحتفاظ بها، لافتاً الى أن جرم الافلاس الاحتيالي لم يتوقف، انما هو مستمرّ باستمرار اخفاء دفاتر الشركة التجارية لكل سنة من السنوات المالية المنصرمة.

وخلص القرار الظني الى ردّ الدفوع الشكلية بمرور الزمن على جرم الافلاس الاحتيالي، واعتبار فعل الشركة التجارية الممثلة بصاحبها "جوزيف. أ" والمفوض بالتوقيع عنها "بول. ع" من نوع جناية الافلاس الاحتيالي المنصوص عنها في المادة 689/210 من قانون العقوبات التي تنص على الأشغال الشاقة سبع سنوات، وإحالتهما على محكمة الجنايات في بيروت لمحاكمتهما.