أطلق وكيل الأمين العام والأمين التنفيذي للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا "​الإسكوا​" د.محمد على الحكيم، ممثلا بنائبة الامين التنفيذي للجنة د.خولة مطر، في مؤتمر عقد في مقر "الاسكوا"، التقرير السنوي للاسكوا لمسح التطورات الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة العربية 2016-2017.

وقالت مطر: "تطلق الإسكوا تقريرها السنوي لمسح التطورات الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة العربية 2016-2017، في محاولة منها لتزويد صانع القرار العربي بلمحة عن أهم التطورات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها المنطقة العربية في هذه الفترة، وتقديم اقتراحات لبعض الحلول التي تمكن صناع القرار العرب من تبني سياسات اقتصادية فاعلة تساهم في تنفيذ اهداف التنمية المستدامة لعام 2030".

واشارت الى ان التقرير "يتضمن فصلا خاصا حول آثار إصلاح النظام الضريبي على اقتصادات دول المنطقة، إذ يساهم هذا الأصلاح في خفض نسب المديونية الخارجية، كما يؤمن مصدرا جديدا لتمويل المشاريع التنموية في الدول العربية. ويخلص المسح إلى أن الإصلاح الضريبي يمثل فرصة لتعبئة الموارد المحلية والحد من العجز العام فضلا عن كونه اداة لتحقيق المزيد من العدالة في توزيع الثروة ومحاربة الفقر".

وقالت: "يبين التقرير أن اختيار إصلاحات ذكية ومدروسة بطرق علمية يمكن أن يوصلنا الى تحقيق هذه الأهداف. ومن هذا المنطلق، فإني أؤكد أن الإسكوا ستواصل دعمها للدول الأعضاء للوصول إلى هذه الحلول التي تجعل من السياسات الضريبية جزءا لا يتجزأ من السياسات التنمية الاجتماعية والاقتصادية".

وأعلنت انه "بالرغم من كل التحديات الاقتصادية التي تواجهها منطقتنا العربية، فقد أظهرت الاقتصادات العربية نوعا من التعافي في عام 2017. وتشير تقديرات الإسكوا في هذا التقرير إلى أن النمو الاقتصادي بلغ نسبة 2.5%، مرتفعا من 2% في عام 2015 و1.6% في عام 2016. ومن أسباب هذا التحسن النسبي هو تحسن أداء الاقتصاد العالمي، ما سمح بزيادة الصادرات غير النفطية من المنطقة العربية". 

وقالت مطر: "أما تحديات التنمية الاجتماعية فما زالت قائمة، متمثلة بحالات اللجوء والتشرد الداخلي ومعدلات الفقر. كما يشير التقرير الى أن المرأة في المنطقة العربية ما زالت تواجه العديد من التحديات خصوصا في فرص العمل، فسوق العمل في المنطقة العربية لا يقدم فرصا مشجعة من اجل زيادة توظيف النساء، وهو ما يمثل عائقا أمام تنمية رأس المال البشري". 

وأشارت الى "ان التحليل الذي يتضمنه هذا التقرير السنوي لآثار الأوضاع الاقتصادية العالمية وتطورات سوق النفط والسلع والخدمات على المنطقة العربية، يعتبر أداة هامة لتخطيط السياسات الوطنية والإقليمية. كما أن التوقعات الواردة فيه سيكون لها آثار على وجهة السياسات الاقتصادية والاجتماعية في جميع الدول العربية، ويمكن استخدامها لتكييف الخطط الإنمائية الوطنية مع احتياجات كل دولة، على مسار التحول الاقتصادي الشامل والمستدام".

وجاء في نص التقرير: "اتسم عام 2016 باستمرار التراجع الاقتصادي. وبلغ معدل النمو 2.3%، وهو الأدنى منذ الأزمة المالية العالمية. ويعزى التباطؤ بقدر كبير إلى حالة عدم اليقين السياسي السائدة في الاقتصادات المتقدمة وتصاعد التوترات الجغرافية السياسية في البلدان النامية. وظهرت بوادر انتعاش في النصف الثاني من العام، مع التحسن في أوساط الأعمال وثقة المستهلكين في معظم الاقتصادات المتقدمة. بيد أن ظهورتوجهات الحماية المفرطة يؤذن بمخاطر جديدة محتملة على الاقتصاد العالمي.

وكان تواصل انخفاض أسعار النفط شاغلا رئيسيا، إذ قيد النمو والأداء المالي في المنطقة العربية، ولاسيما في البلدان المنتجة للنفط. وستفضي اتفاقات تخفيض إنتاج النفط الخام ضمن البلدان الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) ونظيراتها من البلدان غير الأعضاء في أوبك إلى خلق توازن جديدفي سوق النفط في المستقبل القريب وإحداث تأثير كبير على إيرادات تصدير النفط في المنطقة العربية.

وفي ظل هذه الظروف، تباطأ النمو في المنطقة العربية، وانخفض من 2% في عام 2015 إلى 1.8% في عام 2016. وكان من عوامل هذا التباطؤ انخفاض الأسعار الدولية للسلع الأساسية وأثر النزاعات والتوترات على السياحة وارتفاع تكاليف تمويل الائتمان المحلي. غير أنالصادرات غير النفطية من المنطقة العربية انتعشت بفعلالتجاوب المنتظمللأسواق المالية مع عمليات رفع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة الأمريكية والتحسن البسيط في الأداء الاقتصادي للبلدان الأوروبية (من داخل الاتحاد الأوروبي وخارجه).

ولا تزال التوترات الجغرافية والسياسية، التي من أسبابها عوامل خارجية، تثقل كاهل المنطقة العربية. واقترنت الأزمات والنزاعات في العراق وليبيا ودولة فلسطين والجمهورية العربية السورية واليمن بردود فعل سياسية، إذا حاولت بعض البلدان المتقدمة تقييد دخول مواطني بعض البلدان العربية إليها.

وعلى الرغم من المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي العصيب، يبدو أن المنطقة سجلت انتعاشا في عام 2017، حيث ارتفعت أسعار النفط من مستويات دنيا قياسية، وتراجعت الضغوط الانكماشية على الصعيد العالمي، واستقرت أسعار السلع الأساسية الأخرى.

وعلى صعيد مجموعات البلدان، يقدر معدل النمو في بلدان مجلس التعاون الخليجي بنسبة 2% في عام 2016، بعد أن كان 3.5% في العام السابق. ومن أهم أسباب هذا التراجع انخفاض أسعار النفط وانعكاساته على الوضع المالي والاستثمار. وتراجع النشاط الاقتصادي في بلدان المشرق العربي، بسبب تدهور أسعار صرف العملات الأجنبية، وقيد الجفاف الحاد التنمية الاقتصادية في بلدان المغرب العربي. وسجلت أقل البلدان العربية نموا انكماشا اقتصاديا بلغ متوسطه 0.8% في عام 2016، ومعظمه نتيجة للخسائر في إيرادات النفط والغاز، والأضرار الجسيمة التي لحقت بالقطاع الزراعي، وللتراجع الحاد والمتواصل في اليمن تحت وطأة الحروب. 

ويقدر المتوسط السنوي لتضخم أسعار الاستهلاك بنسبة 6.1%، بعد أن كان 5.1% في عام 2015. وظلت الضغوط التضخمية ضعيفة في بلدان مجلس التعاون الخليجي، حيث انخفضت أسعار الأغذية في النصف الثاني من عام 2016. وأسفر النقص في الاحتياطات من العملات الأجنبية، وانخفاض قيمة العملات الوطنية، وارتفاع العجز المالي، والارتفاع السريع في الرصيد النقدي، عن تضخم كبير في الجمهورية العربية السورية والسودان وليبيا ومصر واليمن. وأدت قلة المحاصيل الزراعية في تونسوالجزائر والمغرب إلى تضخم بسيط نظرا إلى ارتفاع أسعار الأغذية. ومن المتوقع أن يبلغ متوسط تضخم أسعار الاستهلاك 6 في المائة في عام 2017.

وفي ما يتعلق بالتجارة، من المتوقع أن تكون قيمة صافي الصادرات من بلدان مجلس التعاون الخليجي161 مليار دولار في عام 2016 (مما يمثل 11.7% من الناتج المحلي الإجمالي لهذه المجموعة). وبالمقارنة مع عام 2015، انخفض الميزان التجاري بنسبة 22%، مواصلا اتجاها نحو الانخفاض على مدى الأعوام الأربعة الماضية. ولم يكن الفائض التجاري كافيا للتعويض عن العجز المسجل في تجارة الخدمات والدخل الثانوي. ونتيجة لذلك، بلغ مجموع العجز في الحساب الجاري في بلدان مجلس التعاون الخليجي 24 مليار دولار (أي 1.8% من الناتج المحلي الإجمالي). وظلت مجموعات البلدان الأخرى مستوردة صافية على مدى الأعوام القليلة الماضية، مما أدى إلى تفاقم وضع ميزان المدفوعات، لاسيما في البلدان غير المصدرة للنفط.

وعلى سياسة الاقتصاد الكلي، لوحظ اتباع سياسات نقدية صارمة في المنطقة مع تزايد التكاليف المالية، تزامنا مع ارتفاع معدلات فائدة الدولار الأميركي. وعمدت المصارف المركزية في بلدان مجلس التعاون الخليجي إلى مراجعة أسعار الفائدة في كانون الأول 2016 وآذار 2016، تمشيا مع عمليات رفع معدلات الفائدة من جانب المصرف الاحتياطي الفدرالي للولايات المتحدة الأميركية. وقد توخت المصارف الحذر في هذا الإجراء،تجنبالعدم تثبيط نمو الائتمان المحلي. وبالإضافة إلى ذلك، ظل الوضع المالي في البلدان العربية هشا، مع تفاقم إجمالي العجز المالي. وفي هذا السياق، نفذت معظم البلدان في المنطقة إصلاحات مالية واسعة، أو هي بصدد التخطيط لتنفيذها، من أجل تحسين الإيرادات المحلية وتثبيت الدين.

وظلت تحديات التنمية الاجتماعية في المنطقة كبيرة في عام 2016، واشتدت وطأتها بسبب استمرار أزمة اللاجئين والنازحين داخليا. واستمر الفقر في الارتفاع منذ عام 2010، وقد تفاقم بفعل تزايد الفوارق في الدخل، وظلت معدلات البطالة مرتفعة.

ولا تحظى المرأة العربية حتى الآن بنفس الحقوق والمعايير التي تتمتع بها نظيراتها في الغرب أو الرجال العرب. والعنف القائم على نوع الجنس من السمات المشتركة بين المجتمعات العربية. وتشهد سوق العمل تمييزا ضد المرأة، يمثل عائقا كبيرا أمام تنمية رأس المال البشري. وتحصل النساء اللواتي يتساوين في الكفاءات مع الرجال على أجور أدنى مقابل العمل نفسه، ويهيمن الرجال على المراكز القيادية. ولا تزال مشاركة المرأة في الحياة السياسية في العالم العربي دون المتوسط العالمي، رغم سياسات الحصص التي تنفذها بعض الدول. وهناك القليل من الأدلة على تأثير المشاركة السياسية للمرأة في اعتماد قوانين وسياسات تراعي اعتبارات المساواة بين الجنسين. ونجاح نظامالحصص الانتخابية في تحسين التمثيل السياسي للمرأة يجب أن يشجع المزيد من البلدان على اعتمادها.

ويعتبر الوضع المالي الحرج من أكبر التحديات التي تواجهها المنطقة العربية. ويتناول المسح مختلف برامج الإصلاح المالي الجاري تنفيذها وتبعاتها الاقتصادية والاجتماعية، مع التركيز على الإصلاح المتعلق بفرض الضريبة على القيمة المضافة في بلدن مجلس التعاون الخليجي، وإصلاح ضريبة الدخل الشخصي في تونس، وخيارات الإصلاح الضريبي في مصر. واستخدمت تقنية نموذج التوازن العام القابل للحساب لهذا الغرض.

ويكمن الهدف الرئيسي لأي إصلاح مالي في تعبئة الموارد المحلية وتخفيض العجز المالي العام. ولكن، ينبغي أن يأخذ صانعو السياسات في الاعتبار التبعات الاجتماعية للإصلاح وآثاره على إعادة التوزيع. فالأدوات المالية المستخدمة وكيفية استخدام الإيرادات المولدة ليست من غير تأثير على النمو واستحداث فرصالعمل. ففرض الضريبة على القيمة المضافة في بلدان مجلس التعاون الخليجي، مثلا، يمكن أن ينتج آثارا سلبية إذا ما استخدمت الإيرادات المالية لمجرد تخفيض العجز المالي أو آثارا إيجابية إن استخدمتفي الإنفاق العام.وأسهم إصلاح نظام الضريبة على الدخل الشخصي في تونس في جعل التوزيع أكثر إنصافا، مع زيادة الإيرادات. وتبين حالة مصر أنه رغم الأثر الإيجابي الإجمالي لفرض الضريبة على القيمة المضافة، يمكن أن تولد إصلاحات بديلة (كإدخال ضريبة تدريجية على الدخل الشخصي) نتائج أفضل من حيث الإنصاف والتنمية، وتحسين الأداء الاقتصادي.

ويعتبر التقييم المسبق لأثر خيارات الإصلاح الضريبي باستخدام تقنيات النمذجة أمرا حيويا.فهذا التقييم يمكن صانعي السياسات من وضع عدة سيناريوهات والاختيار بين مجموعة منالبدائل. كما يمكنهم من استدراك تكاليف التكيف والعمل على تخفيف نتائجها على المجموعات الاجتماعية الاقتصادية المعرضة للمخاطر.

ويقدم المسح تقييما دقيقا للحالة الاجتماعية والاقتصادية في المنطقة العربية وآفاقها، وهو بمثابة أساس لمناقشة السياسات والتعلم من الأقران والدعوة للتصدي للتحديات على الصعد العالمية والإقليمية والوطنية. ويمكن أن يشكل تحليل انعكاساتالآفاق الاقتصادية العالمية وديناميات سوق النفط على المنطقة أداة حيوية لتخطيط السياسات على المستويين الإقليمي والوطني.

وللتوقعات المعروضة في المسح تداعيات على مستوى السياسات تختلف بين البلدان المنتجة والبلدان غير المنتجة للنفط، وينبغي أن تستخدم لتصميم خطط تنمية وطنية تستجيب لاحتياجات كل بلد على حدة. والأهم من ذلك، أنه يمكن للمسح أن يوفر حافزا لإجراء إصلاح صلب ومنسق للسياسة المالية، بهدف دفع عملية التحول الاقتصادي الشامل والمستدام".