كثر الحديث في الأشهر القليلة الماضية عن عملة "​بيتكوين​" الرقمية، وهي عملة إلكترونية محظر التعامل بها في أغلبية بلاد العالم بسبب الضبابية التي تشوبها، وذلك بعد أن ارتفعت قيمتها 15 ضعفا منذ مطلع العام، حين كانت تساوي ألف دولار.

وتواصل العملة كسر رقم قياسي تلو الآخر، فقبل أقل من أسبوعين بلغ سعر الوحدة 11 ألف دولار، وهي لم تكن تتخطى بضعة سنتات عند إطلاقها في 2009. مع الإشارة طبعاً، إلى أنه في حالة "بيتكوين" هناك غياب ضمانة قيمة العملة المتداولة، والتي تقوم بها المصارف المركزية، وتعتمد على السياسات النقدية للحكومات والاقتصاديات الكلية للدول.

ومن أبرز الدول التي اعترفت رسمياً بهذه العملة أو تركت للشركات والأفراد حرية التعامل بها، هي الدنمارك وأستونيا والسويد وكوريا الجنوبية وكندا وفنلندا وهولندا وبريطانيا.

ولكل من لا يعلم الكثير عن "بيتكوين"، أعدّ موقع "الإقتصاد" هذا التقرير الشامل الذي يتناول كافة الأسئلة حول هذا الموضوع:

- ما هي عملة "بيتكوين"؟

"البيتكوين" هي عبارة عن عملة وهمية (إفتراضية) مشفرة من تصميم شخص مجهول الهوية يعرف بإسم "ساتوشي ناكاموتو"، تم إطلاقها في 3 كانون الثاني 2009، وتشبه الى حد ما العملات المعروفة من الدولار واليورو وغيرها من العملات، و لكنها تختلف في أنها وهمية، أي تعاملاتها على الانترنت و ليس لها وجود مادي، ومشفرة، أي لا يمكن تتبع عمليات البيع والشراء التي تتم بها أو حتى معرفة صاحب العملات.

- كيف يتم استخدام بيتكوين؟

كل ما يحتاجه المستخدم هو تنصيب تطبيق (install) خاص بالعملة يتولى مهمة توليد "عنوان" يتم استخدامه لإرسال واستقبال التحويلات، أي عملية الحصول على محقظة الشبيهة بأي حساب مصرفي.

وبعد الحصول على المحفظة، يمكنكم البدء بتجميع "بيتكوين" عبر طرق عديدة، أبرزها: شراء بيتكوين من إحدى الشركات التي توفر تلك الخدمة، أو من شخص ما يرغب في البيع، أو عبر التعدين أو ما يُعرف بالـ"Mining". كما يمكن الحصول على "بيتكوين" عبر مبادلتها بالعملات التقليدية مثل الدولار وغيره، أو اعتمادها في عملية قبول المدفوعات مقابل آلاف السلع والخدمات المقدمة عبر الانترنت وفي المطاعم والمقاهي وغيرها.

- ما هي العوامل التي جذبت مستخدمي "بيتكوين" قبل ارتفاع سعرها الى ما بين 15 و17 ألف دولار؟

من العوامل التي جذبت مستخدمي هذه العملة في البداية:

الرسوم المنخفضة و السرعة:

فبدلاً من الحاجة الى وسيط بينك و بين التاجر لنقل المال، و هذا الوسيط يخصم نسبة من المال، مع وجود عملة البيتكوين، هذه العملية غير موجودة، لأن العملة لم تنتقل، بل كود العملة هو ما خرج من محفظة صاحب المال ودخل الى محفظة التاجر، بدون وسيط و تسمى بـ P2P او الند بالند.

السرية:

عمليات البيع و الشراء لا يمكن مراقبتها أو التدخل فيها وهذا يقلل من سيطرة الحكومة والبنوك على العملة.

الندرة:

خطط مخترع "بيتكوين" لإصدار 21 مليون وحدة فقط حتى عام 2040، ما يساهم في الحفاظ على قيمتها ويمنعها من الانهيار، كما أنها مصممة بشكل يمنع التراجع عن أي معاملة أو إجراء، ويتم إصدارها بشكل جماعي عبر الشبكة.

العالمية:

"بيتكوين" لا ترتبط ببلد أو موقع جغرافي محدد، ويمكن استخدامها في أي بلد تماماً كما العملة المحلية، وبدأت العديد من الشركات في بعض الدول السماح بالتعامل بهذه العملة الافتراضية.

- ما هي النتائج السلبية للتعامل بعملة "بيتكوين"؟

من سلبيات "بيتكوين" الأبرز هي إمكانية استخدامها في عمليات تجارية غير مشروعة أو قانونية عبر الإنترنت، ومنها تجارة المخدرات، تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.

فعلى الرغم من أن السرية تعد من الإيجابيات إلا أنها يمكن أن تنعكس بالسلب عليها، فيمكن للعمليات المشبوهة على الإنترنت والهكر، اختراق تلك الشبكات، والشبكات العميقة والمظلمة.

وسبق أن استخدمت بيتكوين في عمليات قرصنة حواسيب وحسابات شخصية وطلب فدية، وتحديداً في الهجومين الإلكترونيين العالميين: فيروس الفدية الأول "Wanna cry" والثاني "Petya".

- لماذا تمنع المصارف المركزية التعامل بها؟

تمنع المصارف المركزية التعامل بعملة "بيتكوين" وذلك يعود لغياب تشريعات تنظم التعامل بها وتحفظ حقوق مستخدميها، كما أن قيمتها عُرضة للتذبذب بشكل كبير.

ومن جهته "مصرف لبنان" منع "بشكل جازم استعمال "BITCOIN " أو أي نوع آخر من العملات الالكترونية، لأنها تشكل خطراً كبيراً على المستهلك وأنظمة الدفع".

وأشار حاكم المصرف المركزي، رياض سلامه، إلى أن تلك العملات الرقمية كالبتكوين "ليست عملات بل سلع ترتفع وتنخفض أسعارها بلا مبرر. لذلك منع مصرف لبنان منذ سنوات التعامل بها في السوق اللبنانية لشراء أو بيع السلع إنما ستصبح العملة الإلكترونية في السنوات المقبلة من اصدار مصرف لبنان".

ويضيف: "فمصرف لبنان يدرك أن العملة الالكترونية ستلعب دوراً مهماً في المستقبل، إنما يتوجب على المركزي قبل ذلك أن يقوم بالتحضيرات اللازمة، وفق سلامة، لاسيما لجهة استحداث أساليب الحماية من الجرائم الالكترونية. فهيئة التحقيق الخاصة ولجنة الرقابة على المصارف تتعاونان لوضع نظام يمنع هذه السرقات".

وأكد أن "مصرف لبنان يواكب عن كثب التطورات التي يشهدها العالم. لذلك، نسعى دوماً إلى تطوير الصيرفة الالكترونية وتقنيات الخدمات المصرفية، وإلى اطلاق برامج لحماية المستهلك لجهة التعاطي مع الصيرفة الالكترونية. فـ"المبدأ الذي يرتكز عليه مصرف لبنان هو أن يمتلك المواطن أولاً حساباً مصرفياً قبل أن يباشر باستخدام الوسائل الالكترونية كالبطاقات الائتمانية أو الهاتف الجوال أو الانترنت".

- لماذا يرى المحللين ورجال الأعمال خطورةً في التعامل بـ"بيتكوين"؟

1- رأى المحلل لدى بنك "​يو بي إس​" السويسري، بول دونوفان، إن فقاعة "بتكوين" يمكن أن تكون مدمرة على المدى الطويل إذا واصل مستثمرون ضخ أموال في العملة الرقمية.

ولفت دونوفان، في حوار صحفي، إلى أن البنك وصف "بتكوين" سابقا بـ"فقاعة مضاربة"، وقارن ارتفاع العملة الرقمية بفقاعة زهرة "تيوليب" في هولندا وقفز سعرها بشكل قوي للغاية ثم انهارت لاحقا.

وأشار إلى أن ارتفاع الاستثمارات في العملات الرقمية من مستثمري التجزئة ربما يكون له تداعيات ضارة للغاية.

وأضاف انه لا يحب الفقاعات لأنها تفقد الكثيرين أموالهم وتعطيها لمجموعة قليلة من المستثمرين، وهذا الأمر مدمر على المدى الطويل.

2- رأى الملياردير ​كارل إيكان​ إن العملة الرقمية "​بتكوين​" تبدو كفقاعة، مشيراً إلى أنه لا يفهم السبب وراء الهوس الشديد بها والذي شبهه بما حدث خلال تشكل فقاعة الأرض الشهيرة في القرن الثامن عشر.

وأضاف إيكان: "إذا قرأت كتابًا عن تاريخ الفقاعات سيبدو الأمر مشابه لما فعله "جون لو" عندما آخذ يبيع أراض لا قيمة لها في الميسيسيبي، بينما جن جنون الفرنسيين لشرائها، لكن ذات ليلة انهار كل شيء مع انفجار الفقاعة، وهذا ما تبدو عليه بتكوين".

وتابع في مقابلة صحفية: "أقول بكل صراحة، أنا لا أفهم شيء بخصوصها، وأنا بطبيعة الحال أفضل البقاء بعيدًا عن أي شيء لا أفهمه".

3- قال عضو الاحتياطي الفيدرالي راندال كوارلز "إن البنوك المركزية بعيدة عن قبول العملات الرقمية كوسيلة للدفع مقابل السلع والخدمات".

ومع ارتفاع سعر "​بتكوين​" بشكل كبير، أضاف كوارلز " أن حركة العملات الرقمية يمكن أن تكون خطرة على النظام المالي، خاصة مع نموها بشكل كبير".

و أشار إلى أنه بدون دعم أصول البنك المركزي والمؤسسات، ليس من الواضح كيفية إصدار عملة رقمية خاصة في ظل نظام دفع واسع النطاق أو كيفية أدائها في أوقات الضغط، كما حث البنوك المركزية الأخرى على اتباع نهج حذر تجاه العملات الرقمية.

وأوضح أن تلك العملات غير مدعومة بأصول آمنة وليس لها قيمة حقيقية أو تلتزم بقواعد مؤسسة مصرفية منظمة، وعند حدوث أزمة فلا توجد مؤسسة مسؤولة عنها.

4- قال رئيس الهيئات التنظيمية بلجنة "بازل" ورئيس البنك المركزي السويدي ستيفان إنغفيس في مقابلة مع "سي إن بي سي"​​​​​: "أعتقد أنه من الخطأ تسمية ​بتكوين​ والعملات المشابهة عملات رقمية، هي شيء رقمي أو أصل ما، لكنها ليست عملات رقمية على أي حال".

وأضاف "يجب على مستثمري بتكوين تعلم درسًا مفيدًا من هوس "التوليب" الذي اجتاح هولندا في ثلاثينيات القرن السابع عشر".

ولفت إنغفيس إلى أن "الاستثمار في بتكوين وغيرها من الأدوات المماثلة احتمال خطر"، مطالبًا المتداولين توخي الحذر بسبب ارتفاع مستويات التقلب بشكل لافت وعدم وجود دعم واضح من قبل البنوك المركزية أو الهيئات الرقابية الدولية.

- كيف يمكن ضبط عمليات التداول بها؟

لا يمكن ضبط عمليات التداول بـ"بيتكوين"، حيث يمكنك استعمالها في كل بلد ما دام يتوافر لدى المستخدم خط الإنترنت، ما يجعل من حجبها أمر صعب جداً، فجميع التحويلات مجهولة، لا يتم حفظ الحسابات أو سجل الحوالات عند أي جهة معروفة – جميع الأمور يتم تسجيلها لكن بشكل مجهول في شبكة "بتكوين".