عادة ما يتسائل الجميع عندما يلتقون بشخصية قيادية لها سحر جاذب أو ما يسمى بـ" Charisma" عما إذا كان هذا النوع من الشخصيات مُكتسب أم مُدرب؟

لا شك أن العديد من الأفراد ولدوا بالفطرة بسحر جميل، لم يتم تصنيفه بعد، كالخام قبل أن يتم تحضيره ليصبح ذهباً جاهزاً للعرض والإستعمال.

عملية تحويل الخام هذه، تتطلب روّاد كانوا السباقيين في مساعدة العديد من الأفراد العاديين ليصبحوا قادة في مجال عملهم أياً كان، فالقائد يبقى قائداً أينما وُجد.

ولنتعرف على أحد أهم كوادر هذا المجال في لبنان كان لـ"الإقتصاد" مقابلة حصرية مع المؤسس لشركة " NBTS" التي تُعني بتقديم الإستشارة والتدريب للشركات والأفراد في لبنان والخارج، ​ناجي بجاني​، الذي شاركنا أبرز محطات حياته الأكاديمية والمهنية وقدّم نصائح للشباب اللبناني من خلال خبرته الخاصة.

-بدايةً، هل لك أن تشرح لنا أكثر عن مسيرتك الأكاديمية التي تبلورت في عدة بلدان؟ 

درست في اسبانيا وفرنسا، قضيت حوالي 16 عاماً في أوروبا لأتعلّم، تخصصت في مجال الإقتصاد وبالتحديد دخلت في قسم الإحصاءات، وعملت كإقتصادي في "بنك البحر المتوسط" في أوروبا، بين الأعوام 1981 و1983.

وفي الثمانينات وكنت قد وصلت إلى سن الـ25 قررت أن أتابع دراستي العليا "MBA" وقررت أن أتابعها في جامعة " IESE " بإسبانيا أحد أهم جامعات الأعمال في أوروبا.

في إسبانيا شهدت مسيرتي نقلة نوعية إذ عملت في مجال الـIT، فأسست شركة في جزيرة مايوركا بعد أن طُلب مني ذلك من قبل مجموعة شركات في إسبانيا.

-برأيك لماذا أختاروك بشكل خاص لتؤسس هذه الشركة وتستلم إدارتها رغم أن خلفيتك الأكاديمية متخصصة بالإقتصاد؟

قبل تخرجنا من الجامعة عادة ما تقصدنا الشركات ليتعرفوا عما إذا كان هنالك إمكانية لتوظيف أحد الخريجيين الجدد، وفي هذه المرحلة حصلت في 3 فرص عمل. الأولى كانت كمساعد مدير في شركة تعمل في قطاع الأغذية والمشروبات "F&B" ، الثانية كانت في " Boston Consulting Group" في ألمانيا، أما الفرصة الثالثة التي إخترتها فكانت غريبة إلى حدِّ ما، إذ كانت تسعى مجموعة من الأفراد للتعرف إلى خريج جديد يحب المغامرة ليستلم إدارة شركة "IT" ضخمة في جزيرة مايوركا وأن يأخذ وكالتها.

وخلال إدارتي للشركة، بالطبع واجهنا بعض الصعوبات من جهة، وإحتفلنا بالعديد من الإنجازات من جهة أخرى.

من بعدها قررت أن أؤسس شركة "IT" خاصة بي.

في هذه الفترة، أحد المجموعات التي كنا نبيعها حلول تقنية في شركة الـ"IT" والمالكة لشركتي "ميني كوبر" و"لاند روفر" عرضت علينا أن نستلم الشق الإستشاري لشركاتها أيضاً.

أعجبت بفكرة الإستشارة، وعندها لاحظت ضرورة مواكبة التدريب لهذه العملية الإستشارية.

بقيت في مايوركا من العام 1985 وحتى العام 1993 حتى عدت إلى لبنان.

-هل لك أن تخبرنا أكثر عن كيفية نقل نشاط عملك إلى وطنك؟

في أولى التسعينات عدت إلى لبنان وتعرّفت إلى زوجتي، وفي لبنان كان مجال الـ"IT" متطور جداً وكنت في الـ34 من عمري، وقررت أن أستكمل عملي في مجال الإستشارة والتدريب للمنشأت والأفراد.

وآخر مشروع "IT" عملت فيه كان في العام 1994.

-كيف تمكنت من الدخول إلى السوق اللبناني؟

في العام 1993 ساهم أحد أقربائي بتنظيم موعد تعارفي بيني وبين أحد أهم شركات التأمين في لبنان حينها، وتبلور نجاح هذا اللقاء بإستلامي مهمة التدريب والإستشارة لأعضاء ومدراء هذه المؤسسة، ومن بعدها بدأت الشركات والأشخاص تتعرف إليّ أكثر من خلال هذا التدريب.

وهنا تكمن أهمية الـ word of mouth ، أي السمعة الطيبة في أي مجال عمل.

في العام 1997 بدأت بتقديم ندوات عامة " public seminars" شارك فيها عدة شركات في لبنان، وتمكنا من إقامة حوالي 250 ندوة عامة خلال 8 أعوام. كما عُرض علينا إعطاء تدريبات داخل الشركات او ما نسميه بـIn-house Training وتقديم الإستشارة للشركات.

ومنذ منتصف العام 2004 بدأنا بإعطاء تدريبات في الخليج، في دول كالكويت، قطر، أبوظبي، كما قدمنا تدريبات في كلّ من اليمن وسوريا .

-بالتوازي مع ذلك، عشقك للتدريب لم يحدّك فقط في مجال إعداد وتقديم الدورات والورش التدريبية هل لك أن تشرح لنا أكثر عن نشاطك الأكاديمي ؟

إلى جانب حياة التدريب والإستشارة، لم أتمكّن من أن أضع حداً لشغفي في عالم التدريب الذي نحتاج إليه في كل خطوة نقوم بها، وبالتالي درّست لأعوام طويلة في جامعات عدة ومنها: "USJ" و "NDU" في جامعة "الروح القدس" و"LAU" .

-عندما تعطي تدريبات one to one أو ما يسمى بالـcoaching ما هي المعايير والخصائص التي تأخذها بعين الإعتبار لتحويل هذا الشخص إلى قائد في مجال عمله؟

إبتكرنا منظومة سميناها The 40 traits of the optimal leader وهذه المنظومة نتجت عن أعوام طويلة من الخبرة في هذا المجال.

عندما نعمل على تدريب الأشخاص بشكل فردي، نأخذ بعين الإعتبار نقاط ضعف وقوة كل شخص.

فعلى صعيد المثال، يعاني العديد من الأشخاص من مشاكل في تنظيم أوقاتهم، أو في توزيع المهام على فريق العمل بشكل يراعي قدرات وطاقات كل فرد.

بحسب خبرتي في هذا المجال، في داخل كل شخص شخصية قيادية بنسبة محددة يجب إلقاء الضوء عليها وتدريبها لكي تظهر للعلن.

-كيف تقيّم أداءك في المراحل الأولى عند خوضك لهذ المجال الجديد والبعيد عن إختصاصك وكيف تطوّرت عبر الأعوام؟

لا شك أن المرحلة الأولى شكلت لنا تحدي كبير، كانت إلا أنها كانت كفيلة بـ"تلقيحي بجرثومة" التدريب والإستشارة .. المجال الذي عشقته.. واعتبر أني أبدع فيه.

قد يستغرب البعض عندما يلاحظ أن ذلك الطفل الخجول "ناجي" ، والذي كان يعاني من مشاكل في النطق تحوّل اليوم إلى مدرباً يحوّل بدوره الأفراد إلى قادة في مجالات إختصاصهم.

ولكنني تمكنت من إكتشاف قدرتي هذه عندما وُجدت في موقف تطلب مني أن أكون مُدرباً، لا شك أن التدريبات التي كنت أعطيها في المرحلة الأولى لم تكن كما هي اليوم، فالإنسان يتطور يوماً بعد يوم ويتعلم من تجربته الخاصة.

عندما يكتشف الإنسان شغفه الحقيقي في هذه الحياة، تشرق عندها مهاراته القيادية، وهذا ما حصل معي.

-كيف يمكن للفرد أن يحافظ على نجاحه مع مرور الزمن؟

بالطبع عليه ان يتحلى بالذكاء وأن يراقب كل العوامل التي تدور من حوله.

-أنت على تواصل يوميّ مع الشباب، ما هي النصيحة التي تودّ تقديمها لكل شاب لبناني؟

خلال التدريبات التي أعطيها ألاحظ أن الشباب عامة ما تتذمر بحجة "عدم وجود وظائف في لبنان"، ولكننا إذا نظرنا بعمق نلاحظ أن الشباب لا يبذلون الجهد الكافي للبحث، فهم ليسوا متدربين على إعداد السير الذاتية "CV" بالطريقة الصحيحة ولا التقديم على الوظائف بشكل يتناسب مع مهاراتهم وشهاداتهم.

فالتقديم العشوائي على أي وظيفة لو مهما كانت بعيدة عن مجال دراسته بالطبع لن يسهم في تحويل حياة الإنسان إلى حياة ذات رونق قياديّ.

أما عن مقابلة العمل الأولى، فيجب على الخريج الجديد أن يتعلّم جيداً كيف يعطي إنطباعاً جيداً عن شخصيته ويظهر مهاراته.

أنصح أي شاب يسعى للحصول على وظيفة قبل أن يبدأ بالتذمر، أن يتعلم كيفية كتابة سيرته الذاتية، دراسة موقع الشركة التي يسعى للعمل فيها، أن يتحمّل أي ضغط نفسي قد يطرأ في المقابلة الأولى وأن يكون صادقاً فيها، فأهمّ عامل للنجاح ألا يدعي الإنسان أمراً وهو فعلياً نقيضه!

وبعد إتمام هذه النقاط يحقّ للخريج أن يقول "لا يوجد وظاف في لبنان"!

فالفرص الموجودة، إنما البحث عنها يتطلب جهداً من الساعي، لقد تمكنا في الآونة الأخيرة من تأمين 65 فرصة عمل لطلاب شاركوا في دورة تدريبية قدمناها في البقاع.