صراعات وتوترات امنية وخسائر بشرية واقتصادية كبيرة عبارات تختصر الواقع الذي تمر به الدول العربية منذسنوات قليلة ماضية ولا تزال، توترات لعلها الاكثر شدة وضراوة من اي مكان اخر في العالم وتبعاتها من تدمير للبشر والحجر واهلاك للبنية التحتية وخلق ازمة النزوح التي باتت كارثة من الناحية الانسانية والاقتصادية لمناطق النزاع والجوار، والتي افرزت تيارات سياسية وجماعات ارهابية متطرفة احتلت الساحة السياسية وباتت تشكل خطرا حقيقي على كيان هذه الدول.

فالنزاعات المسلحة والحروب من سوريا الى العراق و​اليمن​ بغض النظر عن الجهات الداعمة والمستفيدة منها افرزت الكثير من الفقر والدمار والخراب ليس فقط في الحجر والبنى التحتية بل في البشر فكيف لاجيال رأت بلادها تتدمر وجماعات ارهابية تفتك في وطنها وخيرات بلادها والنزوح الى المناطق ان تكون اجيال سوية نفسية قادرة على اكمال مسيرتها في الحياة بشكل طبيعي والتغاضي عن الويلات التي مرت بها في حال انتهاء الحرب والعودة اللذان ما زالا بعيدين المنال في ظل غياب بصيص امل عن ايجاد مخرج لهذه الازمات .

ومن الناحية الاقتصادية اعتبر الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، أن تكلفة الدمار الذي صاحب الصراعات والنزاعات المسلحة في الدول العربية منذ عام 2011 يتجاوز 640 مليار دولار، وهو ما عرف باسم "الربيع العربي ، ولهذه الحروب والنزاعات الامنية خسائر مأساوية افرزت واقعا مزريا ونتائج مخيفة في حال الاستمرار بالوتيرة نفسها والتي تختلف من دولة الى اخرى فحالات الركود والتضخم لم نشهد مثيلها وانهيار الوضع المالي وشبه غياب للعمل المؤسساتي لهذه الدول ، اوضاع لم تقتصر على مناطق النزاع بل امتدت الى الدول المجاورة التي باتت اليوم تعاني من مشاكل اقتصادية كبيرة ولعل ما يحدث في لبنان في ظل وجود العدد الكبير من النازحين السوريين خير دليل على تأُثر المنطقة كاملة من النزاعات وخاصة من الحرب الدائرة في سوريا التي تعرضت لدمار شامل وهي تدخل في عامها السادس ولا تبدو نهايتها وشيكة .

226 مليار دولار خسائر الاقتصاد السوري منذ بداية الازمة و12 مليون طفل بحاجة للمساعدة الإنسانية

تعتبر سوريا من اكثر الدول التي عانت ولا تزال من الحرب الدائرة على اراضيها، فهي تعرضت لدمار شامل حيث تدخل الحرب عامها السادس من دون وجود علامات قريبة على نهاية الازمة على الرغم من المساعي الدولية ، واشار البنك الدولي في تقريره في ايلول الماضي ان حجم الخسائر التي طالت الاقتصاد السوري قدرت بحوالي 226 مليار دولار واكثر من نصف البنىالتحتية تعرضت لدمار بالاضافة الى تهديم اكثر من ثلت المساكن في غالبية المدن السورية وتشريد اكثر من نصف السكان داخل البلد وخارجها مما ادى الى وجود ازمة النازحين الذين توجهوا الى الدول المجاورة بالاضافة الى الهجرة الى الدول الاجنبية.

الوضع المأساوي التي تعيشه البلاد اليوم تخطى كل التوقعات فالمؤشرات والتقارير الدولية اظهرت تراجع احتياطي النقد الاجنبي في دمشق الى 700 مليون دولار في العام الحالي مقارنة ب 20 مليار دولار قبل الازمة بالاضافة الى ارتفاع معدل البطالة الى 78% والفقر الى 60%، هذا الانهيار طال كافة المؤشرات الاقتصادية والمالية والاجتماعية الاخرى حيث اصبح معدل النمو سلبا وانهارت قيمة الليرة السورية في سوق التداول وارتفع معدل التضخم الى مستويات قياسية بالاضافة الى الشلل الكبير الذي طال قطاع الصحة وتفشي الامراض المعدية بين المواطنين وتعطل النظام التعليمي بسبب الاضرار الذي لحق بالمنشأت التعليمية واستخدامها كمراكز عسكرية حيث اشارت التقديرات إلى أن أكثر من أربعة آلاف هجوم على المدارس وقع خلال فترة الصراع الحالي في سوريا، وأن واحدة من بين كل ثلاث مدارس أصبحت خارج الخدمة.

كما اشار تقرير لمنظة الامم المتحدة للطفولة "يونيسف" ان ما يزيد عن 12 مليون طفل سوري بحاجة للمساعدة الانسانية في سوريا، وان واحدا من بين خمسة اطفال في الشرق الاوسط وشمال افريقيا بحاجة الى المساعدات الفورية 90% منهم يعيشون في مناطق النزاعات .

وقد القت الازمة السورية بثقلها على الدول المجاورة من كافة النواحي وخاصة من الناحية الاقتصادية مع وجود الاعداد الكبيرة من النازحين السوريين الى هذه البلدان الامر الذي ادى الى ارتفاع معدل البطالة وتراجع معدلات السياحة التي كانت اداة رئيسية للدخل القومي كما هول الحال في لبنان والاردن خاصة في ظل معاناة تلك الدول من اضطربات سياسية داخلية وتحديات اقتصادية كبيرة.

اليمن :17 مليون شخص يعانون من الجوع والبلاد على وشك المجاعة الاكبر في تاريخها 

ربما الوضع في اليمن اليوم ليس افضل حالا من الوضع في سوريا حيث يعيش حربا متواصلة منذ العام 2015 دمرت المرافق الحياتية كافة وتسببت بمعاناة لا توصف للشعب اليمني حيث يعاني اكثر من 17 مليون شخص من الجوع 7 مليون منهم يصنفون في حالة خطرة في ظل الحصار التي تتعرض لها البلاد الامر الذي ينذر بامكانية حدوث اكبر مجاعة في تاريخها، حيث يعاني اكثر من 85% من اليمنيين من الفقر كما يحتاج 14 مليون شخص الى الغذاء والمياه الصالحة للشرب في ظل غياب الخدمات الصحية والنقص الحاد في الادوية والكوادر الطبية .

كما اشارت تقارير دولية الى احتمالية أن يموت 50 ألف طفل يمني بسبب الجوع والأمراض بحلول نهاية العام الحالي في حال عدم اتخاذ التدابير اللازمة لمساعدتهم وعلاجهم وحمايتهم، كما ارتفع معدل البطالة ليصل الى 80% وارتفعت اسعار المواد الغذائية ومشتقات النفط بشكل جنوني ويشير تقرير منظمة الصحة العالمية الأخير، إلى أن ما يقارب 2.2 مليون طفل يعانون من سوء التغذية الحاد، و462 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم، فيما تعاني 1.1 مليون امرأة من سوء التغذية، و2.2 مليون امرأة أو فتاة في سن الإنجاب صحتهن معرضة للخطر بسبب سوء التغذية.

كما اجتاحت الأمراض المزمنة اليمن، حيث انتشر وباء الكوليرا بين أبناء المحافظات، وبحسب منظمة الصحة العالمية، فقد تم تسجيل أكثر من 2000 حالة وفاة بالمرض في 19 محافظة من بين 22 محافظة يمنية .

وشهدت اليمن تراجعا في الإحتياطى النقدى الأجنبى إلى 600 مليون دولار مُقارنـة بنحو 5 مليار دولار فى مطلع عام 2014، كما أدت الحرب إلى خسائر قُــدرت بأكثر من 15 مليار دولارو كشفت أرقام وزارة الصناعة والتجارة اليمنية أن الناتج المحلي الإجمالي لليمن انكمش بمقدار الثلث بسبب الحرب التي أدت إلى تدمير واسع وكبير للقطاع الصناعي.

كما بدأ التحالف العسكري بقيادة السعودية والذي اطلق عليه "عاصفة الحزم" العسكرية ضد الحوثيين في اليمنبعدما اعترضت الرياض صاروخا متجها نحوها من اليمنبإغلاق الموانئ الامر الذي زاد الوضع تعقيدا في اليمن وفاقم الازمة الانسانية هناك ولم يتمكن العاملون بالإغاثة من الدخول إلى البلد و إيصال شحنات الغذاء والامدادات، كما ارتفعت أسعار الوقود إلى أكثر من 60 % في صنعاء،الامر الذي ادى الى ارتفاع الاصوات الدولية المطالبة بتخفيف الحصار للسماح للمساعدات الانسانية من الوصول الى الداخل اليميني نظرا الى ان سكان اليمن البالغ عددهم 27 مليون نسمة تقريبا يعتمدون على الواردات من الغذاء والوقود والأدوية ليتبعه اعلان البيت الابيض أن السعودية ستسمح بفتح ميناء في اليمن لإدخال مساعدات إنسانية إلى البلادكما دعا المملكة إلى السماح الكامل بوصول الوقود والمياه والأدوية إلى الشعب اليمني"، موضحا نفاد صبر واشنطن مع الحصار الذي أدانته منظمات الاغاثة.

اكثر من 100 مليار دولار خسائر الاقتصاد العراقي في حربه ضد "​داعش​" :

تقود القوات العراقية منذ العام 2014 حرباً على تنظيم "داعش" لاستعادة الاراضيالذي يسيطر عليها التنظيم، ونجحت بغداد في استعادة جميع أراضيها من مسلحي التنظيم المتطرف، إلا أن هذه الحرب كلفتها خسائر هائلة، وجعلت اقتصادها يواجه تحديات خطيرة، واشار البنك الدولي في تقرير له ان تراجع أسعار النفط وتمرد تنظيم داعش اسهما في حدوث تدهور حاد للنشاط الاقتصادي في العراق كما أديا إلى زيادة متسارعة في عجز المالية العامة والحساب الجاري، كما تركتا أثراً شديداً على النمو، وحولتا الموارد بعيداً عن الاستثمارات المنتجة، وزادتا معدلات الفقر والضعف والبطالة.

كما اشار تقرير البنك الدولي الى ان الاقتصاد غير النفطي في العراق تقلص بنحو 14% في عام 2015، و5% في العام 2014 ، كما كشف تقرير صادرعن مركز البحوث والدراسات العراقي ان تكلفة الحرب على الجماعة الارهابية المتطرفة تقدر بـ10 مليون دولار يوميا وأن الموازنة العامة أنفقت بحدود 100 مليار دولار في المجالات العسكرية عام 2014 فقط، وكشفت أحدث الإحصاءات التي أصدرتها وزارة التخطيط العراقية، عن زيادة نسبة الفقر في البلاد لتصل إلى نحو 30%، ونسبة البطالة إلى نحو 20%.

ومن ناحيته اشار رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، الى إن اقتصاد بلاده خسر خلال ثلاثة أعوام من الحرب ضد تنظيم "داعش" أكثر من 100 مليار دولار.