خاص ــ الاقتصاد

يبدو أن عمليات الخطف وال​ابتزاز​ وطلب الفدية المالية لتحرير الرهائن، باتت التجارة الأكثر ربحاً، والأكثر سرعة في كسب المال، وهو حال ثلاثة أشخاص عراقيين يعملون كشركاء في مهنه التجارة في بلادهم.. حيث تركوا مهنتهم وانتقلوا الى لبنان للعمل في حقل خطف السياح السعوديين، وابتزازهم بصور فاضحة، مستعينين بفتاة عراقية، كانت عبارة عن "السنارة" التي يصطادون عبرها ضحاياهم، فيصورونهم معها في غرفة النور، ثم يعمدون الى تهديدهم بنشر صورهم وفضحهم أمام أسرهم، إن لم يبادروا الى تحويل المال فوراً.

خيوط هذه العملية، تكشّفت عبر رسالة بعثت بها السفارة السعودية في بيروت، الى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، تفيد بأنها تلقت اتصالاً من مواطن سعودي يدعى "علي. ش" عبر رقم هاتف سعودي، يعلمها بأن قريبيه "عبد الله. ش" وابن عمه ""توفيق. ش" اتصلا به من هاتف يحمل رقماً سعودياً أيضاً، وأعلماه بأنهما مخطوفين في لبنان منذ ثلاثة أيام، ويطلب الخاطفون فدية مالية قدرها 200 ألف دولار، وتحويل المبلغ الى الخاطفين "نسيم. ز" و"أحمد. ع" و"عبد الرضا. ع"، ويناشدان العمل على تحريرهما.

على الفور بدأت عمليات الاستقصاء والدراسات الفنية على الرقم السعودي العائد لأحد المخطوفين، فكشفت هذه الدراسات أنهما موجودين في دوحة الحص، كما وردت معلومات عن محاولة يقوم بها شخصان عراقيين لقبض حوالة مصريفة من أحد البنوك في منطقة الحمراء في بيروت، فأوقفت دورية من شعبة المعلومات هذين الشخصين، وتبين أنهما "نسيم. ز" و"أحمد. ع"، وضبط معهما مبالغ مالية وهواتف خليوية، ولدى استيضاحهما شفهياً، تبين وجود شخص ثالث شريك لهما، يدعى "عبدالرضا. ع"، فانتقلت الدورية المذكورة الى شقة في دوحة الحص، وبتفتيشها عثرت بداخلها على جوازي سفر سعوديين عائدين للمخطوفين "توفيق. ش" و"عبد الله. ش"، بالاضافة الى أجهزة خليوية وصاعق كهربائي.

أمام هذه المعطيات بدأت تتكشّف الحقائق، التي كانت عبارة عن أدلة كافية لاستجواب المتهم العراقي "أحمد.ع"، الذي  أفاد أنه على علاقة صداقة مع مواطنيه "نسيم" و"عبد الرضا" ويعملون معاً بالتجارة في بلادهم، وأقرّ أنهم دخلوا الى لبنان في العام 2012 وكانت معهم فتاة عراقية تدعى "بتول. م" بهدف السياحة، فأقاموا في فندق في الحمراء لمدة ثلاثة أيام، ثم انتقلوا الى فندق في جونيه وأقاموا فيه لمدة عشرة أيام، بعدها استأجروا شقة على طريق المطار، وأشار الى أنه قبل ستة أيام التقى هو و"بتول" و"نسيم" و"عبد الرضا" بشخصين سعوديين في منطقة الروشة، ودار حديث بينهم حول انشاء معمل للأجبان في العراق، وبعد يومين حضر السعوديان الى الشقة، وطلبا منه التوجه الى أحد البنوك في الحمراء لقبض حوالة مالية مرسلة من أقارب السعوديين، فجرى توقيفه مع "نسيم".

لكن خلال التوسع في التحقيقات، أدلى "أحمد. ع" باعترافات اضافية، فأوضح أن المبلغ المالي والهواتف الخليوية عائدة له، وأن الصور الفاضحة الموجودة على الهواتف الخليوية التقطها في الشقة مع السعوديين خلال جلوسهما مع "بتول. م"، وأنه وضع أحد السعوديين ويدعى "أبو ماجد" مع "بتول"، وقام بتصوير فيلم فاضح من أجل ابتزاز السعودي عن طريق ارسال هذا الفيلم الى عائلته، وكان يهدده ويمسك بيده صاعقاً كهربائياً، وأجبره على تحويل مبالغ مالية، ولدى اقتفاء أثر المخطوفين السعوديين، تبيّن أنهما نقلا الى مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، نتيجة أصابتهما برضوض وكدمات.

انتقلت دورية من شعبة المعلومات الى مستشفى الجامعة، واستمعت الى إفادة الشخصين السعوديين، فأفاد "توفيق. ش" أنه تمكن مع قريبه من الفرار من مكان احتجازهما، بالقفز من الطابق الأول وأصيبا برضوض، فنقلا الى المستشفى. وقال لدى وصولي مع ابن عمي "عبد الله. ش" الى لبنان، اتصل الأخير بفتاة تعرف عليها في سوريا، فحضرت على متن سيارة برفقة سائق، وتوجهنا الى شقة في دوحة الحص، ولدى وصولنا الى هناك، حضر ثلاثة أشخاص يتكلمون اللهجة العراقية، وادعوا أنهم من الأمن، ووضعوا كل منا في غرفة وعصبوا أعيننا وكبلوا أيدينا وأقدموا على ضربنا، وشعرت بأنهم التقطوا لي صوراً، وطلبوا مني فدية مالية مقدارها 200 ألف دولار أميركي وجردوني مما أحمل من مال، وبعد يومين طلب الخاطفون تحويل 150 ألف دولار، وسمحوا لإبن عممي عبد الله بأن يتصل بقريبنا "علي. ش" في السعودية لإعلامه بالخطف، ويطلب تحويل 200 ألأف دولار بأسماء الأشخاص الذين يتم تحويل الأموال لهم، وعندما لم نعد نسمع أصوات الخاطفين، قام قريبي "عبد الله" بفط القيود عن يديه، ثم ساعدني وتمكنا من القفز من النافذة، وعلمت أن الفتاة تدعى "بتول" ولم أعد يشاهدها بعد أن عصبوا أعيننا.

أما السعودي الآخر "عبد الله" ش"، فأدلى بنفس الوقائع التي قدمها ابن عمه "توفيق"، وأشار الى أنه أثناء وجودهما داخل الشقة، أجبره الخاطفون على نزع ملابسه والتقاط صور له وهو عارٍ، وكانت "بتول" تقبله، وأرسلوا هذه الصور الى عائلته، لافتاً الى أن "بتول" هي من اتصلت به للحضور الى لبنان لقضاء أوقات في الاستمتاع والسياحة، وبعد تصويرها معه لم يعد يراها، وقد أدلى المتهم "نسيم. ز" بنفس المعلومات.

ولم تختلف إفادة المتهمة "بتول. م" عن رفاقها، لكنها قدمت رواية حاولت أن تبريء نفسها من جرم الاشتراك في الخطف واستدراج الضحيتين، وقالت في افادتها أمام الشرطة العسكرية التي اعتقلتها "لقد دخلت الى لبنان للإستقرار فيه، وأن صهري "أحمد. ع" كان يبتزني في العراق، لأنه استحصل على صور فوتوغرافية بأوضاع مريبة مع خطيبي السابق، ولما علم بعلاقتي مع السعودي "عبد الله. ش" وبأني سأسافر الى لبنان، حضر معي غصباً عني، وحضر أيضاً المدعوان "نسيم" و"عبد الرضا. ع"، وتحت تهديدهم اتصلت بالمدعو "عبد الله. ش" للحضور الى لبنان، فإعتذر أولاً، ثم حضر واستقبلته في المطار، وكان برفقته "توفيق. ش"، وانتقلنا سوياً الى دوحة الحص، وبعد ساعة ونصف حضر صهري "أحمد. ع" وفاجأني حيث كنت أنام مع "عبد الله. ش" في غرفة النوم، ثم قام بتصويرنا ، وأقدم على احتجاز السعوديين وطلب فدية ماليه، وأمرني بالتوجه لقبض فدية الــ 150 ألف دولار أميركي من أحد البنوك في الحمراء، فذهبت مع "نسيم. ز" و"عبد الرضا. ع"، حيث جرى توقيف الأخيرين وكنت أنتظرهما خارج البنك، ثم انتقلت الى الهممل حيث جرى توقيفي.

محكمة الجنايات في جبل لبنان برئاسة القاضي عبد الرحيم حمود، أصدرت حكماً في هذه القضية، وقضى الحكم بإنزال عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة بحق "بتول. م" وتخفيضها الى الأشغال الشاقة المؤقتة لمدة سبع سنوات، وتخفيضها أيضاً الى الأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات، وتدريك المحكوم عليها الرسوم والنفقات القانونية. علماً أن المحكمة كانت أصدرت حكمها بحق العراقيين الثلاثة في وقت سابق.