تربى ابراهيم خليفة منذ نعومة أظافره على أسس علّمته سبل النجاح في مجال الأعمال، ولكونه يتمتع بطموح عالٍ ورغبة كبيرة في التقدم، بدأ بالعمل منذ عمر 16 سنة، دون أن يسمح لهذا الواقع بالتأثير على تحصيله العلمي.

هو رجل أعمال منظم ومثابر، رفع اسم لبنان في الخارج، ولم يفقد الأمل يوما، بل بقي مؤمنا بقدرته على تحقيق النجاح المميز والوصول الى أكبر المراكز، مهما اشتدت الصعاب.

هو شخص عصامي بنى نفسه بنفسه، ووصل الى القمة بجهده المتواصل، وطاقته النموذجية، وتضحياته الكبيرة، وقدراته الواسعة. فحقق أكبر النجاحات قبل الوصول حتى الى عمر الثلاثين.

هذه قصة رجل الأعمال اللبناني، وصاحب شركة "The Cedars Company"، ابراهيم خليفة، الذي خصّ "الاقتصاد" بهذه المقابلة الحصرية:

ما هي المحطات التي مررت بها خلال مسيرتك المهنية حتى وصلت الى النجاح الذي حققته اليوم؟

تخصصت في العلوم السياسية في "الجامعة اللبنانية"، وثم في إدارة الأعمال في "الجامعة الأميركية للعلوم والتكنولوجيا".

وخلال فترة تواجدي في لبنان، كنت أدير عملا تجاريا بسيطا في توريد معدات التنظيف للمدارس، وذلك لأن عائلتي كانت تعمل بالأساس في هذا المجال؛ لكنه لم يكن عملا ضخما بل ذات رأس مال متواضع.

في العام 2008، بدأت حياتي العملية بشكل رسمي في مصر، اذ تلقيت دعوة من أحد رجال الأعمال، وسافرت لاستلام منصب نائب المدير العام لشركة متخصصة بالتصنيع الزراعي، تضم 1200 موظفا، ويبلغ إجمالي الاستثمارات فيها حوالي 50 مليون دولار. ومن هنا كانت نقطة الانطلاق لـ"الأعمال الحقيقية".

استمريت بالعمل في هذه الشركة لحوالي 9 أشهر، استقلت بعدها من منصبي. وفي ذلك الوقت، تلقيت مجددا دعوة من رجل أعمال لبناني - استرالي، للتوجه الى العاصمة البريطانية لندن، حيث عملت على إدارة مشروع تفكيك مركز إدارة وتنظيم حركة الملاحة الجوية لشركة "NATS"، في مطار هيثرو في منطقة ويست درايتون، وهدمه من أجل إعادة بنائه. فاستلمت المشروع في نهاية العام 2009، وانتهينا منه في منتصف العام 2010.

بعد ذلك، عدت الى مصر حيث كان عملي كمستثمر يقتصر على تصنيع مركزات العصائر، وتوريدها للمصانع التي تستخدم المادة الخام التي تسمى العصير المركّز (concentrated juice). وكنت حينها أصنّع في معامل الغير، وأوزع بدوري للمصانع. كما كنت جزءا من "Tomatoland"، التي تعتبر أكبر سلسلة لتوريد مركّز الطماطم في العالم، وواحدا من 270 شخصا يتداولون على هذه الشركة.

ومن ثم بدأت الثورة المصرية في 2011، فعدت حينها الى لبنان حيث أسست مصنعا صغيرا لمواد التنظيف تحت اسم "The Diamond Detergents"، وعملت بين لبنان والامارات لفترة معينة. وفي العام 2014، لم تكن الظروف مؤاتية في لبنان، لذلك قمت بجولة لحوالي شهرين، شملت تركيا، اليونان، ايطاليا، لندن، الامارات، وانتهت في مصر حيث استقريت مجددا، وأسست عملي الخاص بشكل رسمي في بداية العام 2015.

وحصلت هناك على تفويض من "جمعية إسكان الحرس الجمهوري المصري" لإدارة مشاريع قومية خاصة؛ وكان هذا التفويض الأول في تاريخ مصر يعطى الى مدني، ونلنا بموجبه رسالة شكر من رئاسة الجمهورية، وكان العمل أكثر من رائع؛ ومن هنا كانت البداية الجديدة من مصر.

في الوقت ذاته، كنت أعمل في سلسلة للمواد الغذائية، كما افتتحنا مصنعا للتعبئة والتغليف وإعادة تغليف المواد الغذائية مثل المخللات والزيتون، بالاضافة الى إنتاج بسيط لمركزات العصائر.

بعد فترة، تم انتدابي لمجلس الوحدة الاقتصادية في جامعة الدول العربية، كمستشار لقطاع الاستثمار في الاتحاد العربي للقوى العاملة. كما التقيت بالشيخة هند القاسمي من إمارة الشارقة - وهي ابنة الشيخ عبد العزيز القاسمي – التي ترأس "نادي الإمارات لسيدات ورجال الأعمال والمهن الحرة". وفي ذلك الوقت، أطلقت مشروعا أعجب الشيخة، فاختارتني مستشارا شخصيا لها لقطاع الاستثمار والعلاقات الدولية، ومستشارا عاما لفرع النادي في مصر.

بعد ذلك، تم تعييني سفيرا للسلام في "المؤسسة الديبلوماسية لسفراء السلام حول العالم"، التي يترأسها السفير خليل شداد، واستلمت مؤخرا منصب المفوّض العام للمؤسسة في الإسكندرية.

وفي نهاية العام 2015، أسست شركة ثانية تحت اسم "The Cedars Company"، أي "شركة الأرز"، المختصصة في الإدارة والخدمات والاستشارات. وأنا أملك اليوم 85% من رأس المال، كما أنني رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي فيها.

تضم هذه الشركة حوالي 8 مشاريع ضخمة، ندير من خلالها مشاريع عقارية، كما نعمل حاليا على مشروع ينطلق من مصر الى العالم، وينطوي تحت لواء قطاع تكنولوجيا المعلومات. أما مهمته الأساسية فهي التبادل التجاري والخبرات في مجال الأعمال، من خلال الانترنت؛ وأنا أعتقد أنها السلسلة الأولى من نوعها على صعيد العالم. فالمشروع هو عبارة عن 180 موقعا الكترونيا، تخدم قطاع الأعمال. وقد طورنا محرك للبحث يوازني محرك "غوغل" لكنه محدد أكثر، كما تعاونا مع مطورين من روسيا والولايات المتحدة والامارات ولبنان من أجل تحقيق أفضل النتائج. ومن المفترض أن يكون هذا المشروع جاهزا للاطلاق مع نهاية العام الجاري.

كيف تصف مسيرتك المهنية؟ هل مرّت بسلاسة أم كانت مليئة بالتحديات والمعوقات؟

أنا شخص حالفه الحظ، وبسبب عمري الصغير، صادفت العديد من الفرص في حياتي وعرفت تماما كيفية استغلالها والاستفادة منها.

وقد وقعت بالطبع في العديد من المشاكل، لأنني بالأساس شخص مخاطر. أما الأزمة الأخيرة التي عانيت منها، فكانت في العام 2014 حين واجهت أزمة مالية كبيرة، إنما أشكر الله لأن هذه المشكلة تم حلّها بالكامل خلال فترة سنة، وقد تمكنا اليوم من إنشاء شركة كبيرة تدير استثمارات بحوالي 3 مليون دولار.

معنويا، ماذا يعني لك لقب "رائد من لبنان"؟ وكيف كان شعورك حين ورد اسمك في كتاب "رواد من لبنان" الذي يضم أهم الشخصيات اللبنانية؟

كل الضيوف الذين يزورون منزلي في مصر، يشعرون دائما بوجود روح لبنان في هذا المكان، لأن بلدي له مكانة خاصة في قلبي؛ وحالي هي حال أي لبناني يسافر الى الخارج، لأننا لا نستطيع نكران نقطة العاطفة الكبيرة التي تربطنا ببلدنا.

لهذا السبب، أنا فخور جدا بسبب ورود اسمي في كتاب "رواد من لبنان"، لأن روح هذا الكتاب لبنانية بحت. فعندما أتواجد في منشورة واحدة الى جانب كبار شخصيات من السياسيين، ورجال الأعمال، والأدباء، والشعراء، والإدرايين، والديبلوماسيين اللبنانيين، سأشعر حتما بفخر واعتزاز.

فأنا أنظر الى الرائدين من بلادي بعين كبيرة، وأتمثل بهم، وأثابر يوميا للوصول الى مرحلة النجاح التي وصلوا اليها، لأنهم لطالما كانوا قدوة بالنسبة لي، ومثالا أعلى للنجاح في مختلف المجالات.

ولا بد من الاشارة الى أن هناك أشخاص عدة من لبنان، نلتقي بهم خلال المعارض والمؤتمرات والندوات في الخارج، والذين قد أنجزوا الكثير، ويحملون معهم مسيرات ناجحة طويلة ورائعة، لذلك فإن ورود اسمي في الكتاب يعني لي شخصيا من ناحية النقطة الروحية التي تربطني بلبنان.

هل أثّر عمرك الصغير على وجودك المهني أو شكل عقبة أمام تقدمك؟

إن احترام العمر الصغير في مجال الأعمال، وخصوصا في العالم العربي، يتطلب الكثير من الجهد في بعض الأحيان، كما أن المصداقية بحاجة الى وقت طويل لبنائها.

وعندما عملت في لندن في العام 2009، أي منذ ما يقارب الثماني سنوات، كنت أعتبر حينها من "أطفال الأعمال". كما أنني بدأت حياتي العملية فعليا في السوق، منذ عمر 16 عاما، وعائلتي ساعدتني على الانطلاق، وأنا بدوري عرفت كيفية تطوير إمكانياتي الى حد الوصول لمرحلة معينة أقول فيها أنني أصبحت بالفعل رجل أعمال.

لكن رجل الأعمال الحقيقي لا يطلق على نفسه هذه التسمية، بل إن المجتمع هو من يرى فيه هذه الصفة، وذلك من خلال ما يقدمه من خدمات ومشاريع هادفة تؤمن فرص العمل. أما عملنا فلم يقتصر يوما على المردود المادي والعائد الاستثماري فحسب، بل ركزنا كثيرا على العنصر البشري.

ولا بد من الاشارة الى أنني واجهت في مصر بعض المشاكل بسبب عمري الصغير، وذلك خلال بدايات عملي. لكن من خلال سمعتي الجيدة في السوق، وعلاقاتي مع رجال الدولة ورجال الأعمال، تمكنت من بناء المصداقية التي أسعى للحصول عليها.

واليوم، أشكر الجميع على ثقتهم وإيمانهم بي، لأنهم فتحوا أمامي المجال للتواجد بينهم. فالصدق والأمانة والشفافية، هي عوامل تبني السور الكبير الذي يحمي الشخص من التعرض للاستهزاء بسبب عمره.

ما هي الصفات الشخصية التي ساعدتك على التقدم والوصول في مسيرتك المهنية؟

أولا، عالم الأعمال مليء بالأكاذيب، ونحن نلتقي يوميا بأشخاص يسردون القصص والروايات المضخّمة، ويخبرون الأساطير المغلوطة حول إنجازاتهم العظيمة. لذلك، فإن الصدق هو الأساس، وهذه الصفة تشكل الخطوة الاولى لأي شخص ناجح، لأن الأعمال لا تبنى بالأموال الطائلة.

ففي العام 2014، عدت الى مصر مهزوما مع رأس مال بسيط جدا، لا يؤسس لأي عمل، كما لا يؤمّن منزلا وحياة متواضعة. لكن مصداقيتنا مع الناس، ساعدتنا على النهوض مجددا.

ثانيا، يجب أن نحب الناس ونعمل من أجل خدمتهم.

ثالثا، يجب التحلي بالتواضع، فأنا أتعامل مع جميع الموظفين كأصدقائي وأهلي، وبفضلهم لم أشعر يوما بالغربة في مصر.

هل شعرت بالتقصير تجاه حياتك الخاصة ووقتك الشخصي بسبب انشغالك بالعمل؟

خلال السنوات الماضية، كنت أعمل ما يعادل 16 ساعة يوميا، وحتى أن حياتي الترفيهية كانت مرتبطة حينها بالعمل.

فاضطررت الى الحدّ من ارتباطاتي العملية، لفتح المجال أمام الحياة الخاصة، والاهتمام بالأصدقاء من خارج العمل. فالحياة العملية تقتل الحياة الخاصة، لأن الأولى سريعة للغاية، وتتطلب منا اللحاق بها من أجل الوصول الى النجاح.

أين ترى نفسك اليوم على مقياس من 1 الى 10 على الصعيد المهني؟ وما هي طموحاتك المستقبلية؟

لا أحب إعطاء درجات لنفسي، لأن الدرجة الحقيقية أراها في عيون الناس، وتعاملهم معي، وفي الأبواب المفتوحة، والأعمال المنفذة، والمؤتمرات المنظمة.

أما بالنسبة الى الطموح، فلا شك أن طموحي كبير وغير محدود، مثل أي لبناني موجود في الخارج. فعندما يخرج رائد الأعمال اللبناني من بلده الأم، يصبح طموحه مفتوح.

هل تفكر بالعودة في يوم من الأيام للاستقرار والعمل في لبنان؟

منذ بداية رحلاتي العملية الى خارج لبنان، ركزّت على ما يسمى بـ"death insurance" أي التأمين على الوفاة، من أجل دفني في بلدي الأم عند موتي، وذلك لأن حياتي الأولى والأخيرة في لبنان، وارتباطي ببلدي ليس قابلا للتفاوض، مع العلم أن مصر بلدي الثاني، وأنا أشعر بالارتياح الكامل هناك. لكن التزامي بلبنان مختلف، لأنني ولدت فيه، تربيت فيه، وسأموت فيه أيضا.

لكنني آمل أن يصبح هناك بيئة حاضنة لنا في بلدنا لكي نعود اليه، كما أتمنى أن أفتح بابا لعملي في لبنان لكي أتمكن من العودة والاستقرار. ففي نهاية المطاف، يعيش رجل الأعمال حيث تتواجد أعماله، وأعمالي موجودة حاليا في مصر، ولهذا السبب أعيش هناك. فالمستثمر بحاجة الى الاستقرار الأمني والسياسي، والى ظروف مؤاتية ومناخ اقتصادي مساعد، بالاضافة الى الدعم المالي لكي يتقدم وينجح، وأنا وجدت في مصر البيئة الاستثمارية التي لم أجدها في لبنان.

ما هي نصيحة ابراهيم خليفة الى جيل الشباب اللبناني؟

أقول لكل شاب لبناني: "احلم بشكل صحيح واعمل بجدية على التنفيذ. لا تحلم دون أن تسعى الى تحويل حلمك الى حقيقة. آمن بهذا الحلم وبنفسك أيضا".

فأنا آمنت خلال بداياتي المهنية، ببعض الأشخاص الذي أسهموا في تأخيري لسنوات عدة، واكتشفت بعدها أنه علي الايمان بنفسي أولا وبحلمي ثانيا.

لهذا السبب أطلب من كل شخص التركيز على حياته العملية، ومتابعة الدراسة والقراءة، لأن المعرفة أبواب، والانسان قادر على الاستفادة من كل معلومة يحصل عليها مهما كانت بسيطة.

كما لا يجب أن يستسلم الانسان الطموح ويترك للفشل مجالا للتحكم به، فأنا أعلنت إفلاسي لمرة واحدة، وأشكر الله لأنني نهضت أقوى بكثير من قبل، وانطلقت مجددا من الصفر، وقد أنشأت اليوم كيان شركة الأرز وكيان ابراهيم خليفة، كما يقولون عني في مصر.

لذلك فإن النجاح مرتبط بالعلم، الثقة بالنفس، والمجهود، أضف الى ذلك الإيمان بالوطن، الإيمان بالذات، والإيمان بالحلم.