من المعلوم أن ​النقل البحري​ هو أرخص وسيلة لنقل البضائع ولذلك فإنه هو الوسيلة الرئيسية في نقل التجارة العالمية عموما. ولهذا السبب فإن كافة الدول وخصوصاً الدول المتقدمة التي تعتمد في نشاطها الاقتصادي على حركة التجارة الدولية لكبر حجم صادراتها ووارداتها أي التجارة المتبادلة بينها وبين مختلف دول العالم تولي أساطيلها الوطنية عناية خاصة وتعمل على دعمها بمختلف الوسائل سواء المادية والتشريعية والبشرية. كما تقوم هذه الدول عن طريق الانضمام للاتفاقيات الدولية التوقيع على الاتفاقيات الثنائية التي تحقق مصالح أساطيلها.

إن النقل البحري يؤمن شحن أكثر من 85 بالمئة من التجارة العالمية غير النفطية، وهو وسيلة النقل الفضلى والاكثر أهمية للاقتصاد الوطني لأي بلد في العالم. ومن المعلوم أن البلدان المطلة على البحار والمحيطات قادرة ومؤهلة على تأمين نقل صادراتها ووارداتها بصورة سلسة وأسرع وبأجور نقل أدنى كلفة من تلك المحاطة بشكل كامل بحدود برية مع بلدان أخرى. فتلك البلدان تصبح مرهونة بعلاقاتها مع الدول المحيطة بها، فإن كانت تلك العلاقات جيدة تنعكس ايجابا على اقتصادها الوطني والعكس صحيح. كما أن قرارها السيادي يصبح شبه خاضع لمشيئة تلك البلدان. هذا ما صرح به رئيس الغرفة الدولية للملاحة في بيروت والنائب الاول لرئيس الاتحاد العربي لغرف الملاحة البحرية ايلي زخور لـ"الاقتصاد"، مضيفا بأن النقل البحري لعب دورا محوريا وهاما في تطوّر الحضارة الانسانية والتبادل التجاري. فالانسان القديم لجأ الى بناء مراكب وقوارب صغيرة لتأمين تبادل السلع مع جيرانه، ومع مرور العصور عرف قطاع النقل البحري تطورا وتقدما بوسائل النقل، فمن القوارب والمراكب الصغيرة انتقل الى استخدام المراكب الشراعية وتلك المزودة بمجاذيف سمحت له بالتبادل التجاري مع سكان يقطنون مناطق بعيدة عن موطنه.

محرك الديزل

وتابع: "ومع بروز الثورة الصناعية العالمية خصوصا في القارة الاوروبية، توصّل الانسان الى بناء سفن تبحر بواسطة المحرك التوربيني ومن ثم المحرك البخاري. وفي العام 1910 تم إبحار أول سفينة تستخدم محرك الديزل، ويعتبر هذا التاريخ محطة رئيسية وبداية لعصر السفن المتطورة والكبيرة على مختلف أنواعها التجارية والسياحية والبحرية والمزوّدة بهذا المحرك الذي تطور مع الايام ليصبح أكبر قوة، وأدنى استهلاك للوقود. أن السفن التي تجوب أعالي البحار ما تزال تستخدم تلك المحركات حتى تاريخه".

سلبيات الشحن على البواخر العادية

وأوضح زخور أن السفن التي تشحن البضائع العادية (general cargo) تتطلب المزيد من الوقت والتكلفة والعمال لشحنها بالبضائع وتفريغها. وعلى سبيل المثال لا الحصر، نذكر بأن البضاعة المنوي شحنها يتم تحميلها من المصنع على الشاحنات التي تنقلها الى مرفأ الشحن، حيث يتم تفريغها في المستودعات بانتظار وصول السفينة، فيعاد تحميل البضائع على الشاحنات لنقلها الى الرصيف حيث ترسو السفينة، فتقوم الرافعات المتحركة (mobile cranes) أو الروافع الذاتية للسفينة بتحميلها على ظهر السفينة، حيث يقوم العمال بتوضيبها في عنابرها.

ويقول زخور : إن تفريغ البضائع من السفينة في مرفأ التفريغ يتطلب أيضا المزيد من الوقت والتكلفة والعمال، وبالتالي يمكن أن تلحق أضرارا بها نتيجة لهذه العمليات، وأن أخطاء يمكن أن تقع في تعدادها خلال شحنها على السفينة أو تفريغها.

تطّور غير مسبوق

وأشار زخور الى أنه في مطلع النصف الثاني من القرن العشرين الماضي، وبالتحديد في العام 1955، شهد قطاع النقل البحري تطورا غير مسبوق قلب الاوضاع رأسا على عقب، فقد قام المواطن الاميركي Malcom Mclean بتأسيس شركة شحن بحرية أطلق عليها اسم “Pan Atlantic Steamship co.” التي أقدمت على شراء ناقلة للنفط “Ideal X” حيث قامت بإجراء تعديل في بعض خزاناتها وحوّلتها الى عنابر قادرة على استيعاب 58 حاوية، وأبقت خزاناتها الباقية على حالها لشحن 15 ألف طن من النفط.

وفي 26 نيسان (أبريل) من العام 1956، انطلقت الباخرة “Ideal X” في أول رحلة لها من مرفأ New Jersey الى مرفأ Houston حيث أفرغت حمولتها وشحنت 58 حاوية ملأى مكان الحاويات المفرغة وانطلقت عائدة الى مرفأ نيو جيرسي. إن هذه الرحلة (ذهابا وأيابا) سجلت نجاحا باهرا على الصعيدين التشغيلي، حيث تم شحن الحاويات وتفريغها وإعادة شحنها وتفريغها في وقت زمني قصير، ودون أن تلحق أي أضرار بالبضائع المشحونة في تلك الحاويات، والمالي حيث حققت شركة الشحن ايرادات كبيرة وأرباحا ملموسة في وقت زمني قصير.

سفينة مخصصة لشحن الحاويات

وقال زخور: إن هذا النجاح الباهر شجع Mclean على بناء سفينة مخصصة لشحن الحاويـــــــــات فقـــــــط (pure container ship) أطلق عليها اسم “Gateway city” والتي انطلقت بأول رحلة لها في شهر تشرين الاول (أوكتوبر) من العام 1957، من مرفأ نيو جيرسي الى مرفأ ميامي محققة أيضا نتائج باهرة على الصعيدين العملي والمالي.

عبور المحيط الاطلسي من أميركا الى أوروبا

في العام 1966 ، عبرت السفينة “Sealand Fairland” المحيط الاطلسي منطلقة من الولايات المتحدة الاميركية الى هولندا في أوروبا الشمالية وعلى متنها 236 حاوية. وفي العام 1970، أصبحت هذه الشركة تستخدم 36 سفينة وأسطولا من الحاويات يضم 27 ألف حاوية، وتغطي بخدماتها 30 مرفأ في الولايات المتحدة الاميركية.

تطور مثير

ومنذ العام 1968، بدأت صناعة سفن الحاويات تشهد تطورا نوعيا ومثيرا حيث تم بناء سفن تراوحت سعتها ما بين 1000 حاوية نمطية و 1530 حاوية. ونظرا للطلب الكبير لشحن البضائع ضمن المستوعبات، تشجعت شركات الملاحة على بناء سفن أكبر حجما وسعة ، فشهد قطاع النقل البحري قفزة نوعية ومتواصلة بدخول سفن حاويات كبيرة على الشكل التالي:

عام 1972 السفينة “Hamburg Express” سعة 2.950 حاوية نمطية.

عام 1980 السفينة “Neptune Garnet” سعة 4.100 حاوية نمطية.

عام 1984 السفينة “American Newyork” سعة 4.600 حاوية نمطية.

عام 1996 السفينة “Regina Maersk” سعة 6.400 حاوية نمطية.

عام 1997 السفينة “Susan Maersk” سعة 8.000 حاوية نمطية.

عام 2002 السفينة “Charlotte Maersk” سعة 8.890 حاوية نمطية.

عام 2003 السفينة “Anna Maersk” سعة 9.000 حاوية نمطية.

عام 2005 السفينة “Gjertrud Maersk” سعة 10.000 حاوية نمطية.

عام 2006 السفينة “Emma Maersk” سعة 11.000 حاوية نمطية.

عام 2012 السفينة “Marco Polo” سعة 16.000 حاوية نمطية.

عام 2013 السفينة “Maersk Mc – Kinney” سعة 18.270 حاوية نمطية.

عام 2014-2015 السفينة “Cscl Globe” سعة 19.000 حاوية نمطية.

وفي العام 2017 تعاقدت الشركتان البحريتان “CMA CGM” الفرنسية و “MSC” السويسرية على بناء السفن الاكبر حتى تاريخه تبلغ سعة الواحدة منها 22.000 حاوية نمطية.

50 ألف حاوية نمطية سعة سفينة الحاويات في العام 2067

وأضاف زخور في شهر تشرين الاول (أوكتوبر) من العام الحالي أعدت الشركة الاستشارية “Mckinsey” تقريرا توقعت فيه أن تشهد صناعة بناء السفن المزيد من التطورات غير المسبوقة خلال الاعوام الخمسين القادمة، فأشارت الى أن تلك السفن ستصبح في العام 2067 بقيادة ذاتية (Autonomous) وقادرة على شحن 50 ألف حاوية نمطية أي أكثر من ضعفي سعة سفينة الحاويات الحالية والاكبر في العالم.

كما توقعت “Mckinsey” المزيد من عمليات الاندماج بين شركات الملاحة العالمية ليصبح القسم الاكبر من التجارة البحرية في العالم تهيّمن عليه شركات ملاحة لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة!