خلال مشاركة وزير خارجية السعودية عادل الجبير في منتدى الحوار المتوسطي في روما الأسبوع الماضي، اتّهم حزب الله بأنه يستخدم البنوك اللبنانية لتهريب الأموال وغسلها، ليوجّه بذلك اتهامات غير مسبوقة تطال القطاع المصرفي، بمحاولة جديدة من السعودية لممارسة الضغوط على الاقتصاد اللبناني، وزعزعة استقراره.

هذا الاتهام لقي تفاعلات عدة من المسوؤلين اللبنانيين، الذين أجمعوا على عدم دقّته، بحيث نفى حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، ما تحدث عنه الجبير، وشدد على أن القطاع المصرفي يحظى بالشرعية الدولية في ما يتعلق بالتعاطي المصرفي والمالي. من جهته، أوضح رئيس جمعية مصارف لبنان السابق فرانسوا باسيل أن المصارف المحلية ملتزمة بالقوانين الدولية، خاصةً تلك المتعلقة بتبييض الأموال وتمويل الإرهاب، لافتا الى أن لبنان أقرّ خلال السنوات الماضية، تشريعات أشادت بها وزارة الخزانة الأميركية، لكونها تسهم في تخفيف مصادر تمويل الإرهاب، وتمنع إجراء أي معاملات مشبوهة عبر المصارف اللبنانية.

من ناحية أخرى، شهدنا على جولة من المشاورات السياسية، تلت إعلان رئيس الحكومة سعد الحريري التريّث عن الاستقالة، وتمّ التطرق خلالها الى عدد من النقاط، أبرزها الاستقرار الأمني والسياسي، النأي بالنفس، المشاريع والإصلاحات الإقتصادية، وغيرها من المواضيع العالقة.

كان لـ"الاقتصاد" مقابلة خاصة مع عميد كلية إدارة الأعمال والإقتصاد في "الجامعة الأنطونية"، البروفسور ​جورج نعمة​، للحديث عن أهم التطورات الاقتصادية على الساحة اللبنانية:

الى أي مدى ستؤثر تصريحات الجبير على القطاع المصرفي اللبناني وسمعته؟ هل سيكون لكلامه ارتداد على الاستقرار النقدي والمصارف؟

أعتبر أن موقف وزير خارجية السعودية عادل الجبير هو سياسي بحت، وبالتالي أبعاده ليست مالية ونقدية. فموقف السعودية من حزب الله، هو بمثابة وسيلة ضغط من أجل التضييق على حركة الحزب، لا أكثر ولا أقل من ذلك.

في المقابل، المصارف والجهات اللبنانية المختصة، كانت واضحة ونفت هذا الموضوع. لذلك لا أعتقد أننا سنشهد على ارتدادات أو تأثيرات سلبية، كما لن يؤثر هذا التصريح على سمعة المصارف اللبنانية وعملها، لأن أولا سمعتها ممتازة، وثانيا أعمالها خاضعة للرقابة من النظام المصرفي العالمي، ومن الولايات المتحدة بشكل خاص؛ فقوانين العقوبات الأميركية بحق حزب الله ومن يتعامل معه، وضعت المصارف اللبنانية تحت المراقبة، وتبين مع الأيام أنه لا توجد أي مشاكل تذكر على هذا الصعيد.

هل أن تريّث الرئيس الحريري أفاد لبنان وأنعش اقتصاده؟ وهل استطاع هذا الموقف إعادة الحالة الاقتصادية الى سابق عهدها بعد الصدمة السلبية التي سببتها الاستقالة؟

لا شك أن موضوع تريث الرئيس الحريري يتجه نحو الحل، فخلال الأسبوع الجاري سيتم عقد جلسة لمجلس الوزراء، من أجل تعديل الملحق في البيان الوزراي، وبالتالي تكون بذلك فترة التريث قد انتهت، وبات باستطاعة الحكومة استكمال أعمالها بشكل طبيعي.

أما الانعكاسات الاقتصادية لهذا القرار بحد ذاته، فكانت إيجابية للغاية، اذ منذ تاريخ 4 تشرين الثاني أي يوم إعلان الاستقالة من السعودية، دخلنا في حالة من الفوضى في الأسواق، وحالة من الهلع لدى المواطنين، وحالة كبرى من الارتباك من ناحية اتخاذ القرار على مستوى الفرد، ما ضغط على المصارف وعلى الليرة اللبنانية، وأدى الى تراجع طفيف في الأسواق المالية.

وبالتالي فإن إعلان التريث هو الخطوة الأولى التي أنهت حالة الفوضى والهلع من ناحية سوق المال والنقد والمصارف، وقد تخطينا هذا المرحلة. أما القرار السياسي المرتقب هذا الأسبوع، والذي يقضي بالعودة عن الاستقالة بشكل نهائي، فقد يريح الاقتصاد الوطني، خاصة أننا في شهر 12 من السنة، أي في المرحلة الأهم من أجل تحريك العجلة الاقتصادية؛ اذ أن حركة البيع وسرعة نقل الأموال من يد الى أخرى تسجل في هذه الفترة أعلى مستوى ممكن، ما يؤثر الى حد ما على النمو وانتظامه، خاصة لأن لبنان كان قد عايش مرحلة صعبة للغاية في بداية شهر 11.

كيف تقيم أداء الاقتصاد اللبناني مع الاقتراب من نهاية العام 2017 الذي شهد العديد من الخضات والخلافات والانتكاسات؟

الاقتصاد اللبناني صمد ومرّ بمراحل إيجابية، خاصة في بداية العام، فأول 3 أشهر كانت جيدة جدا، وسجل الاقتصاد نتائج أفضل من العام الماضي.

بعد ذلك، مررنا بمشاكل سياسية مثل عدم الاتفاق على قانون انتخاب جديد، وبالتالي شهدنا على تراجع. أما خلال فترة الصيف، فتحسنت الأوضاع مع إصدار قانون الانتخابات وإقرار قانون الموازنة، حتى وصلنا الى استقالة الرئيس الحريري من السعودية، التي أدت الى أزمة خرجنا منها مؤخرا.

وبالتالي لم نشهد على انتظام في المؤشرات خلال العام 2017، بل التقلبات كانت سيدة الموقف، وهذا الأمر كان مرتبطا بالشأن السياسي المتقلب.

ولكن بشكل عام، لم يتراجع أداء الاقتصاد هذه السنة بالمقارنة مع العام الماضي، مع العلم أنه كان من المتوقع أن نشهد على أعلى نسبة نمو منذ العام 2012، وأن تتأثر المؤشرات كافة بشكل ايجابي.

ونتمنى أن تتمكن فترة الأعياد من تعويض ما خسره الاقتصاد خلال الشهر الماضي بشكل خاص، لأن هذه المرحلة تعتبر الأكثر أهمية على مستوى الاستهلاك.

الى أين يتجه الاقتصاد اللبناني في المرحلة المقبلة؟ هل ان التفاؤل موجود؟

لا تفاؤل من المرحلة المقبلة، لأن الخضات التي مررنا بها لم تكن ذات بعد اقتصادي. كما أن بنية الاقتصاد اللبناني هشّة، ما يجعله عرضة للانتكاسات والأزمات السياسية والأمنية. وبالتالي فإن اقتصادنا لن يتعافى أبدا لأن بنيته ليست صلبة، بل إن الظروف تتحكم به، وهذا الظروف معرضة اليوم لخضات سياسية عدة.