ليس غريباً ان يكون ​لبنان​ بلداً فرنكوفونياً بامتيازلانه يعني الكثير ل​فرنسا​ التي لعبت دوراً رئيسياً في تاريخه ، رغم اجتياح الانكلوفونية اليوم معظم قطاع الاعمال في البلدان، باعتبار ان اللغة الانكليزية هي لغة التجارة الاكثر تداولاً بين الشعوب والسهلة للعبور الى القارات ، فيما ان اللغة الفرنسية هي لغة الصالونات كما يطلق عليها. هذا ربما لأن في قواعدها الكثير من اللياقات والارستقراطية . ولبنان الذي احتفل بذكرى استقلاله بعد انتهاء الانتداب الفرنسي سنة 1943 ما زال يحمل شعبه ذلك الحنين الغريب الى الحضارة الفرنسية التي تعلّم منها الكثير من الاصول ، اللياقات، الادبيات ، البروتوكولات و"الايتيكيت" ، حتى ان اللغة الفرنسية ما زالت اللغة الاكثر تعاطيا في اوساط الكثير من العائلات . كما ان هناك عددا من الكلمات الفرنسية تمت لبننتها بطريقة او بأخرى مثل Bonjour و Bonsoir وrevoir Auالى جانب الكثير...

لماذا يتذكر اللبنانيون بعد 74 سنة عن رحيل الحكم الفرنسي للبنان هذا الدور؟ وهل غابت فرنسا فعلاً عن البلد الذي اخذ شعبه الكثير عنها من القوانين التي تحترم وترعى حقوق الانسان ؟

فرنسا هي بلد حقوق الفرد نعم. Le pays des droits de l’homme

وقد اثبتت محبتها له في اكثر من مناسبة حيث انها تكون الى جانب شعبه في احلك الظروف. الأم الحنون التي تكون جاهزة لتلبية اي مساعدة وفك عقدة اي مشكلة يواجهها هذا البلد الصغير في منطقة الشرق الاوسط.

اعطت فرنسا كل الدعم السياسي والعسكري للبنان طوال الحقبات ، والتاريخ يشهد على احتضانها للسياسي والمنفي والزعيم . ولكنها ايضاً وقفت الى جانبه في الاقتصاد والمشاريع قبل الحرب وبعدها. وكان لخبرائها ومستشاريها اليد الفضلى في انجاز الكثير في عدد من المرافق. 

اين هي بصمات فرنسا في الاقتصاد اللبناني؟

هذا الدور كان اساسيا منذ ما قبل الاستقلال وبعده ، قبل انعقاد مؤتمرات ​باريس​ 1و2و3 التي خصصت من اجل تقديم كل الدعم للبنان ، بعد ان خرج الاخير بدعم مالي واقتصادي قارب ال 7،62مليارات دولار بينها 650 مليون يورو من فرنسا لوحدها .والتحضيراتالتي يتم التحدث عنها اليوم لانعقاد مؤتمر باريس 4 تبدو معها دائما فرنسا في طليعة الدول المساندة للنهوض بلبنان ولدفع عجلة الانتاج فيه. ولا يغفل احد ان فرنسا موجودة بكل ثقلها في مرفق التعليم في لبنان انطلاقاً من الإرساليات التي انشأت المدارس وصولاً الى المعاهد والجامعات واهما جامعة القديس يوسف وما تبعها مثل المعهد العالي للاعمال ، حيث تم تخريج نحبة من الشباب من مختلف الاختصاصات وايضاً في الصروح الاستشفائية ولا سيما المركز الطبي الجامعي اوتيل ديو دو فرانس العريق الذي يقصده المرضى من الخارج لتقديمه نموذجا وجودة عالية في الطب المتطور في مجال الرعاية الصحية الجيدة الى قطاعات أخرى كان لخبرائها الرأي في تأسيسها وتشغيلها يذكر منها مؤسسة كهرباء لبنان، مؤسسة المياه ، الاتصالات والبريد وغيرذلك...

اللائحة تطول بالنسبة لموضوع إفادة لبنان من الخبرات الفرنسية لانها موجودة في كل المرافق.

ماذا قدمت فرنسا الى الاقتصاد والمجتمع اللبناني بموازاة وقوفها دائما الى جانب في القضايا السياسية والامنية،سيما وان وجودها خلّف تركة كبيرة من الوشائج الثقافية والقانونية والإدارية وهي جاهزة اليوم لتلعب دورها الفعّال في مؤتمرات النازحين وتسليح الجيش والاستثمار؟

منسى

يقول رئيس تجمّع رجال الاعمال اللبنانيين الفرنسيين ورئيس المجلس الاقتصادي العالمي في الجامعة الثقافيةانطوان منسى "للاقتصاد ان التاريخ يشهد ان دولة المؤسسات التي انشأها الرئيس الراحل الجنرال فؤاد شهاب كانت فيها واضحة البصمات الفرنسية سيما وان الرئيس شهاب الذي انجز الكثير قد استعان بمستشارين فرنسيين كانوا الى جانبه بينهم الأب لوبري الخبير الدولي بشؤون التنمية الاجتماعية الشاملة. وفي عهده أنشئ مصرف لبنان .وفرنسا ساعدت اللبنانيين في عدة مجالات ، وكانت ابوابها مفتوحة لهم في الطب، الهندسة ، التجارة والمهن الحرة على اختلافها . وقد لاقوا كل الترحيب والمساندة. ويقول منسى: اذكر انه في العام 1974 ذهبت الى فرنسا لتأسيس فرع للبنك اللبناني للتجارة كأ ول فرع مصرفي خارج لبنان فحصلت على الرخصة باقل فترة زمنية ممكنة إسوة بأي مصرف فرنسي . وتبع ذلك إنشاء فروع لمصارف أخرى مثل البحر المتوسط ، واللبناني الفرنسي وغيرهما ...

ولولا هذه التسهيلات من قبل فرنسا و حسن الضيافة التي انتهجتها لكان اللبنانيون عانوا من فقدان السيولة خلال وجودهم في فرنسا. كما لاننسى انه خلال الحرب في لبنان سهّلت فرنسا للبنانيين الراغبين بالدخول اليها الحصول على التأشيرات . كما ساهمت من خلال ضباطها في مساعدة الجيش اللبناني منذ انشائه. وقد وقعت فرنسا عدة اتفاقيات من خلال مجلس الامن من اجل لبنان ، حتى ان النظام الضرائبي اللبناني الأخير مأخوذ عن النظام المعمول به في فرنسا مع بعض التعديلات عليه.

وفرنسا هي جسر مفتوح لتأمين خطوط التواصل مع لبنان.

ويعتبر منسى ان مشاركة ال 95 ال مغترب لبناني في الانتخابات النيابية المقبلة سيحدث تسونامي في الوضع اللبناني لانه سيكون بمثابة تأثير الفراشة Effet Papillon . ومن العلوم ان هذا المثل المشهور يستند الى نظرية إدوارد لورينتز عام 1963 الذي يصوّر فكرة أن سلوك النظام المتحرك يعتمد على فروقات بسيطة في مراحله الأولى هو مثل الكرة. إذ عند وضع كرة ما في أعلى تلة ما، يمكن أن تتدحرج في أي اتجاه بناء على فروقات صغيرة في موضعها الأول.

اما بعد، فإن عمق الصداقة اللبنانية الفرنسية قوي ولا يقاس فقط في الجانب السياسي بدعمها الثابت في منظمة الأمم المتحدة للقرارات المدافعة عن سيادة لبنان، وليس ايضا ً في ميزان التجارة بحجم صادرات وواردات، وبإتفاقيات اقتصادية، وتعاون في مجال الخبرات والتوأمة بل بالاستثمارات التي تعبر عن الثقة حيث هناك زهاء 100 منشأة فرنسية لها فروع في لبنان في قطاعات متعددة ومنها الأغذية الزراعية، والاتصالات، والمتاجر الكبرى للبيع بالتجزئة، والصناعة النفطية، والخدمات المالية. وتعد فرنسا الى جانب إيطاليا وألمانيا والولايات المتحدة، من بين أبرز مورّدي لبنان.

وقد وقّعت الوكالة الفرنسية للتنمية، الحاضرة في لبنان منذ عام 1999، اكثر من 27 اتفاق تمويل لدعم الميزانية ودعم المشاريع. وتسعى الوكالة إلى تحقيق خمسة أهداف رئيسة وهي، دعم الفئات السكانية الضعيفة، وتيسير الحصول على نحو منصف على الخدمات الصحية والتعليمية الجيدة، وتعزيز القطاع الخاص، ودعم تنمية المدن المستدامة. وتحرص فرنسا على تعزيز أوجه التآزر والتكامل بين وسائل التعاون الفرنسي والاستفادة من الخبرة الفرنسية عند تنفيذ أنشطتها. كما تساعد لبنان في مواجهة عبء النزوح السوري الى اراضيه.

باختصار، على مر التاريخ ، تقف فرنسا القوية والعظيمة دائماً الى جانب لبنان في السرّاء والضرّاء. وهو ممتن لهذه الشراكة.