مع تخطّي الانسان حدود ما يمكن تحقيقه من نجاحات وإنجازات، أصبح على عاتق كل فرد منّا، أكان رجلا أو امرأة، أن يحدّد مساره الخاص، ويترك بصمته المهنية المميزة التي لا يمكن أن تمحى بسهولة من الحياة.

ونيفين بشير هي امرأة لبنانية مثابرة وسيدة أعمال استثنائية، شقت طريقها بإصرار وثبات، واظبت على النجاح، وسعت جاهدة للحفاظ على استمرارية أعمالها. فأثبتت مرة جديدة تميّز الفكر اللبناني، وعكفت على الدراسة والعمل من أجل تحقيق ذاتها، ونشر رسالتها المحفّزة في محيطها ومجتمعها.

كان لـ"الاقتصاد" مقابلة خاصة مع مؤسسة مركز ومطبخ "صحتي حياتي – Appelite"، نيفين بشير، التي وصلت الى نهائيات مسابقة "Brilliant Lebanese Awards" التي ينظمها سنويا "بنك BLC"، للتعرف الى مسيرتها المهنية ومشروعها الجديد والفريد من نوعه:

ما هي المراحل التي مررت بها خلال مسيرتك المهنية؟ ولماذا اخترت العمل في مجال التغذية؟

تخصصت في الكيمياء الحيوية وفي علوم التغذية في "الجامعة الأميركية في بيروت"، "AUB"، كما حصلت على شهادة ماجستير في التغذية. ومن خلال أطروحتي نلت جائزة "AUB Graduate Travel Award"، بالاضافة الى جائزة "fellowship" من "ESPEN" في المانيا. وأنا أعمل في الوقت الحاضر على نيل شهادة الدكتوراه في علم المورثات الغذائية (nutrigenomics).

وقد اخترت التخصص في علوم التغذية، لأن هذا المجال مطلوب بكثرة في لبنان، كما أنه متعلق الى حد ما بالطب، لكنه ليس متعبا بقدره.

كيف قررت تأسيس "صحتي حياتي – Appelite"؟

في العام 2009، افتتحت عيادتي الأولى في منطقة السوديكو في الأشرفية، بعد أن حصلت على إجازتي الجامعية، ونجحت في امتحان الـ"colloquium"، الذي تجريه وزارة الصحة اللبنانية، والذي يخولني ممارسة المهنة.

استمريت بالعمل في هذه العيادة لمدة ثلاث سنوات، انتقلت بعدها الى منطقة مار الياس، حيث أنا موجودة الى حد اليوم.

وفي البداية، كانت العيادة باسم "صحتي حياتي"، ولكن بعد فترة بدأ الزبائن يطلبون مني افتتاح مطبخي الخاص، وكنت مترددة وخائفة بعض الشيء، بسبب الأوضاع في البلاد، لكنني تشجعت منذ حوالي سنتين، وقمت بهذه الخطوة، وغيّرت حينها اسمي شركتي الى "صحتي حياتي – Appelite".

وأنا أشكر الله يوميا على سعادة كل الزبائن ورضاهم، على الخدمات والمأكولات التي أقدمها، وذلك لأنني أتابع عملي بشكل دقيق، وأركز على التفاصيل الصغيرة، وأتابع كل شخص عن كثب، وبالتالي يشعرون بالارتياح والاطمئنان، وأنا بدوري أفرح بالنتيجة التي يحققونها.

أخبرينا أكثر عن المشروع الذي خوّلك الوصول الى نهائيات مسابقة "Brilliant Lebanese Awards"؟

منذ أقل من سنة، قدمت فكرة الـ"healthy vending machine" - أي آلات البيع الصحية – التي رشحتني لجائزة "Lebanese Brilliant Awards". فقد قدمت مفهوما جديدا ومميزا، وهو الأول من نوعه في لبنان والعالم العربي، ولهذا السبب تميزت عن مراكز التغذية الأخرى.

أما الـ"healthy vending machine"، فهي آلة نبيع من خلالها المأكولات الصحية المبرّدة مثل السندويشات، والسلطات، والحلويات، والعصائر؛ وقد وضعنا الآلة الأولى في "جامعة بيروت العربية"، كما وضعنا الخمسة المتبقية في الـ"AUB"، وذلك بعد فوزي بمناقصة شرسة ومتعبة.

​​​​​​​وهدفي الأساس هو توسيع هذا المشروع لكي يصبح الغذاء الصحي بمتناول جميع الناس، خاصة أنني اكتشفت من خلال الدراسة التي قمت بها لنيل شهادة الماجستير، أننا نعاني في لبنان من مستوى مرتفع من البدانة، بحسب مؤشر البدانة العالمي، ولدينا ميول أكبر من باقي الدول، للإصابة بأمراض مزمنة، كما أن نسبة البدانة المفرطة تتزايد أكثر فأكثر مع مرور الأيام.

لذلك، يجب العمل على صعيد المدارس والجامعات والشركات والمصارف ودور السينما، وكل الأماكن الممكنة، من أجل تأمين مأكولات صحية شهية ولذيذة وبأسعار ترضي كل الميزانيات، وبالتالي زيادة الوعي حول مخاطر الاستهلاك المفرط للوجبات السريعة.​​​​​​​

معنويا، ماذا يعني لك الوصول الى نهائيات مسابقة "Brilliant Lebanese Awards"؟

​​​​​​​أعتبر نفسي فائزة بمجرد أنه تم ترشيحي لنيل هذه الجائزة، وبالتالي تم اختياري بين عدد كبير من الأشخاص. فجميع المشاريع التي وصلت الى النهائيات هي رابحة، لأنه يتم الاضاءة علينا جميعا بالطريقة ذاتها.

وفي النهاية، كل انسان مسؤول عن نفسه، وأنا عملت على استهداف المتابعين، من خلال حملتي عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لأنني لست مهتمة فقط بالفوز بالجائزة، بل يهمني أيضا إيصال رسالتي كأخصائية تغذية، والتي تشدد على ضرورة توعية المجتمع، من أجل الابتعاد عن الوجبات السريعة غير الصحية، والاتجاه أكثر نحو الطعام الصحي لأنه لذيذ ومفيد للصحة أيضا، وبالتالي يجب أن يكون بمتناول جميع​​​​​​​الناس.

الى أي مدى تساعدك وسائل التواصل الاجتماعي على نشر أعمالك؟

صفحة "صحتي حياتي" على موقع "فيسبوك" تضم أكثر من 30 ألف متابع، وبالتالي فإن هذه الوسائل باتت أساسية في أيامنا هذه من أجل التوسع والانتشار بشكل أكبر.

وأنا أناشد الجميع وأطلب منهم الإيمان بالفكرة التي قدمتها، لأنني لا أسعى الى منافسة أخصائيي التغذية الآخرين، لأنه علينا جميعا العمل والاتحاد والتعاون مع بعضنا البعض، من أجل إيصال فكرة الطعام الصحي الى أكبر عدد ممكن من الأشخاص.

​​​​​​​هل حصلت على الدعم اللازم خلال مسيرتك المهنية من الأشخاص المحيطين بك؟

دعم عائلتي وزوجي وتشجيعهم المتواصل، موجود على الدوام. أما بالنسبة الى الدعم المادي، فقد حصلت عليه من والدي، الذي ساعدني على تأسيس "Appelite" والانطلاق.

ولكن بعد فترة، يصل العمل الى مرحلة يحتاج فيها الى دعم أكبر، لذلك نضطر للجوء الى القروض المصرفية من أجل التطور والتوسع.

ما هي التحديات التي تواجهك خلال العمل في لبنان؟

التحدي الأكبر يكمن في الوضع السياسي الذي يؤثر سلبا على الوضع الاقتصادي، وحالنا هو حال جميع الأعمال التجارية الأخرى.

فاذا كان البلد في حالة من الازدهار، سوف نزدهر معه، وفي المقابل اذا كان مستقرا أو يعاني من الركود، سوف نتأثر معه أيضا.​​​​​​​

كيف تصفين نفسك اليوم كسيدة أعمال؟

أنا أثابر على عملي الى أقصى الحدود، كما أنني امرأة طموحة، وطموحي لا يتوقف أبدا، بل أسعى دائما الى التجدد؛ فاسمي "نيفين" يعني التجدد، وبالتالي قد تكون هذه الصفة قد ولدت معي.

لذلك، أطمح دائما الى الأفضل، كما أفرح بوجود المنافسين من حولي، فمن خلالهم أشعر بضرورة تقديم الأفضل والأحدث، والتطور بشكل أكبر لكي أتميز عن غيري.

ما هي مشاريعك المهنية المستقبلية؟

مشاريعي تتمحور حول توسيع فكرة آلات البيع الصحية، لأن مشكلة البدانة لا تقتصر على لبنان فحسب، بل تهدد العالم العربي بكامله؛ ففي الكويت وصلت نسبة البداية الى 42%، وهذا الرقم خطير ومثير للقلق.

هل شعرت يوما بالتقصير تجاه حياتك الخاصة والعائلة بسبب العمل؟

​​​​​​​

نعم بالطبع، لكنني أحاول قدر الامكان تنظيم وقتي من أجل الاهتمام بكل جانب من حياتي. فأنا أم لولد يبلغ من العمر ثلاث سنوات، وبالتالي​​​​​​​أسعى دائما الى إعطائه الوقت الكافي، كما أتلقى دعما واسعا من عائلتي من هذه الناحية.

ولكن لا يمكن لأحد أن يحلّ مكان الوالدة، لهذا السبب أركز كثيرا على تنظيم الوقت؛ وهذا العامل أساسي ومهم في حياة كل امرأة عاملة تسعى الى طبع بصمتها في المجتمع، وأنا أتعلم تقنياته أكثر فأكثر مع مرور الأيام.

برأيك، هل تقدمت المرأة في لبنان على مختلف الأصعدة؟

المرأة تقدمت حتما، وهي تسير اليوم على السكة الصحيحة، اذ أصبح صوتها مسموعا، وبات المجتمع يقدر إنجازاتها المميزة.

من جهة أخرى، إن المرأة اللبنانية متعلمة ومثقفة، وهذا ما يتيح لها أن تتألق وتشرق وتشعّ أكثر في المجتمع.

وأنا أؤيد المساواة، ولكن بحسب منطقي الخاص، فمهما تساوت المرأة مع الرجل، على الرجل أن يبقى رجلا ويحافظ على رجوليته، كما على المرأة أن تبقى امرأة وتحافظ على أنوثتها، وبالتالي لا يجب أن تحلّ مكانه أو تستولي على دوره، والعكس صحيح.

ما هي الرسالة التي تودين إيصالها الى المرأة؟

أنصح المرأة أولا، أن تحافظ على طموحها.

ثانيا، أن تنهض بعد كل سقطة وتسير دائما الى الأمام، لأن الانسان لا يتعلم إلا من أخطائه الخاصة؛ فأنا شخص تعلم كثيرا من أخطائه، وهذا ما ساعدني على توسيع تجاربي وخبراتي.

ثالثا، أن لا تسمح لأي شخص بإحباطها والتأثير عليها مهما اشتدت حدة المنافسة.

رابعا، أن تؤمن بنفسها وبقدراتها الى أقصى الحدود.

خامسا، أن تتابع دراستها، ولا تتوقف أبدا عن التعلم وتوسيع معرفتها.

سادسا، أن لا تستسلم أبدا، لأنها قادرة بالفعل على التنسيق بين عملها ومنزلها.