انطلقت جولة جديدة من المشاورات السياسية التي يترأسها الرئيس ميشال عون، في قصر بعبدا، للتشاور مع رؤساء الكتل النيابية المشاركة وغير المشاركة في الحكومة للتشاور في العديد من النقاط، أبرزها الحفاظ على الاستقرار الأمني والسياسي، ​النأي بالنفس​، العلاقات ال​لبنان​ية مع ​الدول العربية​، اتفاق الطائف، فضلاً عن البحث في الوضع الحكومي وكيفية تعزيزه.

 

وقد فرضت التطورات السياسية الأخيرة، بدءً من إستقالة رئيس مجلس الوزراء ​سعد الحريري​، مروراً بعودته إلى لبنان، وصولا لتريثه بتقديم إستقالته، إجراء هذه المشاورات السياسية، أملاً بالتوصل إلى إتفاق يقضي بالإستمرار بالتسوية السياسية الأخيرة التي تم الإتفاق عليها بعد إنتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة وفاق وطني، وإنطلقت على إثرها مجموعة من المشاريع والإصلاحات الإقتصادية، وعلى رأسها إقرار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وملف ​النفط​ و​الغاز​، وغيرها من الملفات المهمة الاخرى.

فهل سيكتب لهذه المشاورات النجاح؟ وهل سيعود لبنان للسكة الصحيحة؟ وماذا لو فشلت هذه المشاورات وإنهارت التسوية السياسية الحالية ؟ ما إنعكاسات ذلك على الإقتصاد؟ وما هي أهم القطاعات التي ستتأثر؟ ماذا عن قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص؟ وماذا عن ملف النفط والغاز؟

أجاب عن هذه الأسئلة كبير الاقتصاديين ومدير قسم البحوث والدراسات الاقتصادية في "​بنك بيبلوس​" د. ​نسيب غبريل​.

بداية، هل أنت متفائل بنجاح المشاورات التي أطلقها الرئيس عون في قصر بعبدا؟ وماذا لو فشلت هذه المشاورات وإنهارت التسوية السياسية الحالية ؟

لا شك اننا كلنا نأمل بأن تصل هذه المشاورات إلى النجاح، وان تعود الأمور إلى سكتها الصحيحة .. ولكن يجب أيضا أن نكون واقعيين، فالإقتصاد اللبناني منذ بداية العام يسير ببطء شديد ونسب نموه مخيبة للأمال على الرغم من التسوية السياسية التي حصلت وإنتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، وعلى الرغم ايضا من تحسن ​ثقة المستهلك​، وتحسن ​القطاع السياحي​ بعض الشيء .. فتوقعات النمو لم تتخطى الـ 1.5 و 2% في 2017، وهذه نسب مخيبة للأمال بدون شك.

والسبب الرئيسي هو عدم توجه الحكومة نحو وضع هموم المواطنين وتحسين أوضاع القطاع الخاص ضمن أولوياتها .. فبدلا من حل الملفات التي تؤثر على المواطن بشكل مباشر، وبدلا من تخفيف الأعباء على القطاع الخاص لدفع النمو نحو الأمام، إتجهت الحكومة نحو سلة ضريبية جديدة تطال الإستهلاك والدخل والأرباح، وهذا ما رفع الأعباء على المواطنين وعلى القطاع الخاص. كل هذه الامور حصلت قبل الإستقالة وقبل ​الأزمة​ السياسية الحالية.

من جهة أخرى أثبتت الأزمة السياسية الحاصلة اليوم أن اولويات الحكومة كانت يجب أن تتجه نحو تخفيف الأعباء على المواطن وعلى القطاع الخاص، وذلك من خلال خفض العجز الحاصل في ​الموازنة​، فالعجز الحاصل يضع ضغوطاً كبيرة على ​القطاع المصرفي​ ويدفعه للسعي من أجل إستقطاب ودائع إضافية من الخارج، أضف إلى ذلك الأعباء التشغيلية الكبيرة والمرهقة على القطاع الخاص وعلى الشركات اوالمؤسسات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، حيث ليس من المنطق إهمال هذه الأعباء وعدم العمل على تخفيفها. فهذه الأسباب هي اسباب رئيسية في خفض نسب النمو.

ما هي أهم القطاعات التي ستتأثر بالأزمة السياسية الحاصلة؟ وماذا عن قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص وملف النفط والغاز ؟

هناك عدد كبير من الملفات التي تأثرت بشكل كبير من جراء هذه الإستقالة وبسبب الدخول في الأزمة السياسية الحالية، ومن اهم تلك الملفات مشروع موازنة 2018، فكلنا على علم أن موازنة العام 2017 أقرت في شهر تشرين الأول، أي في نهاية السنة تقريبا وبعد إنفاق معظم الأموال المخصصة، كما ان توصيات لجنة المال والموازنة لم تؤخذ معظمها بعين الإعتبار .. واليوم وبعد تعطل عمل الحكومة أصبح مشروع موازنة 2018 أيضا في خطر، وقد لا تستطيع الحكومة إقرارها وإرسالها لمجلس النواب للتصويت عليها ضمن المهل الدستورية.

الملف الثاني المهم والذي تاثر بموضوع الإستقالة، هو ملف النفط والغاز، فلجنة النفط قدمت تقريرها النهائي لوزارة الطاقة، وكان وزير الطاقة سيطرحه على مجلس الوزراء في الأسبوع الذي تلى الإستقالة، وهذا يعني أن هذا الملف تم تجميده الأن لمعرفة مصير الإستقالة، أو إلى ما بعد الإنتخابات النيابية المقبلة وتشكيل حكومة جديدة .. مع الإشارة إلى أن ملف النفط والغاز في لبنان تأخر كثيرا، والدول المجاورة سبقتنا بأشواط.

الإستقالة أيضا أثرت على مؤتمر روما الذي عمل عليه الرئيس الحريري لتمويل الجيش اللبناني، إضافة إلى مؤتمر إستقطاب الإستثمارات الذي كان من المفترض أن يعقد في باريس لتأمين تمويل من أجل تطوير البنى التحتية. فهذه المؤتمرات لن تحصل في حال عدم وجود حكومة فعالة وقادرة على إتخاذ القرارات.

أما موضوع قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، فعلى الرغم من إقرار هذا القانون في المجلس النيابي، لا يمكن تطبيقه بسبب عدم وجود مراسيم تطبيقية له.

إلى أين سيتجه الإقتصاد في حال وصلنا مجدداً إلى فراغ حكومي ؟

إقتصادنا الوطني عانى كثيراً قبل الأزمة السياسية الحالية وحتى قبل الفراغ الرئاسي، فكلنا نذكر إستقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، والفراغ الحكومي الذي إستمر لأكثر من 10 أشهر، وبعدها جاء الفراغ الرئاسي الذي إستمر لأكثر من سنتين ونصف، مما كلف الإقتصاد الكثير من الفرص الضائعة.

واليوم في إذا دخلنا في فراغ حكومي جديد، سيتكبد الإقتصاد فرص ضائعة جديدة، وقد شهدنا خلال الأيام القليلة الماضية تأجيل أو إلغاء بعض المؤتمرات التي كان من المقرر إنعقادها في بيروت، كما عدلت بعض الشركات عن إستكمال مشاريعها خوفا من أي تطور سياسي قد يحصل .. وهذا يثبت بان الوضع السياسي في لبنان يطغى دائماً على الوضع الإقتصادي.

تجدر الإشارة إلى أن هناك بعض النقاط المهمة التي ستؤثر أيضا على الوضع الإقتصادي، وأهمها ​الضرائب​ الأخيرة التي أُقرت والتي شكلت عبئاً كبيرا على المواطن وعلى القطاع الخاص، ولا شك ان هذا العبء سيرتفع بشكل ملحوظ في العام 2018 بسبب الخضة السياسية الجديدة التي حصلت.

النقطة الأخرى هي التأثير الكبير على ثقة المستهلك في لبنان، فهذه الثقة تتأثر بحسب التطورات السياسية والأمنية التي تحصل في البلاد، وعلى الرغم من أن أرقام هذا الفصل غير واضحة بعد، إلا أنه من المتوقع أن تشهد ثقة المستهلك إنخفاضا ملحوظاً، بعد الإرتفاع التي شهدته في بداية العام إثر التسوية السياسية التي حصلت.

كل هذه الامور ستنعكس بدون شك على نسب النمو، خاصة إذا بقينا في هذه الأجواء الضبابية وغير الواضحة.