كتب الرئيس الفخري للمسابقة العالمية ضد عمل الأطفال ومؤسس "باتشبان باتشاو أندولان" والحائز على جائزة نوبل للسلام كايلاش ساتيارثي:

عندما اجتمع قادة العالم في اوسلو لإيجاد استراتيجية لإنهاء ​عمالة​ الاطفال، كان لدينا طموحا كبيرا والتزاما عميقا بحصول تغيير حيث عملنا من خلال تحسين التعاون والتخطيط أن نحمي الأطفال من الإستغلال وان نطور استراتيجيات جديدة للقضاء على عمالة الاطفال على المستوى الوطني والاقليمي والدولي.

والان بعد عشرين عاما حان الوقت لأن نسأل: ماذا فعلنا من اجل تحقيق ذلك؟

الخلاصة هي ان النتائج كانت سيئة فمنذ ذلك الاجتماع الأول، لم يفلح العالم حتى بتخفيض عدد الاطفال العاملين بمقدار النصف وفي السنوات الخمس الأخيرة تمكن المجتمع الدولي من تخفيض عدد الاطفال العاملين بمقدار 16 مليون فقط أي أن التخفيض هو الابطأ منذ عقود ومن بين عدد الاطفال العاملين اليوم والبالغ 152 مليون طفل فإن 73 مليون منهم يؤدون اعمالا تعتبر خطيره وحتى عمالة الاطفال الآمنه تؤثر جسديا ونفسيا عليهم لفترة طويلة بعد سن البلوغ.

والاسوأ من ذلك انه وفقا لاحدث المعلومات من منظمة العمل الدولية فلقد احرز العالم أقل قدر ممكن من التقدم من اجل حماية اكثر فئات البشر تعرضا للمخاطر: الاطفال بين سن الخامسة والحادية عشرة والفتيات.

المعضلة ليست في اننا فشلنا في تعلم اي شيء من تجمعاتنا العالمية الاربعة بل المشكلة هي اننا نفشل في التقيد بتوصياتنا.

الآن هناك تطورات عالمية مزعجة لعمالة الاطفال والاتجار بهم علما انه كان من المفترض ان يكون هذا القرن قرن تمكين الناس الأكثر تهميشا ولكن عوضا عن ذلك نشهد عولمة من النوع الاكثر انحرافا بحيث زاد عدد الضحايا من الأطفال بشكل كبير.

نظرا لأن المتاجرين بالبشر يمكنهم بسهولة ايجاد فريسة لهم وسط الفوضى فإن الاطفال في مناطق النزاع على وجه الخصوص هم الاكثر ضعفا، لقد جذبت سوريا الاهتمام لسنوات وذلك بسبب العنف الفظيع الذي يتعرض له الاطفال هناك ولكن الصعود العالمي للعصابات المنظمة يعني ان الاطفال في آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية واوروبا هم في خطر كذلك. إن القضاء على هذا التوجه يتطلب استثمارا عاجلا ومنسقا في التعليم والآمان في كل مكان يكون الاطفال فيه في خطر في مناطق الصراع ومخيمات اللاجئين وفي المناطق المتأثرة بالكوارث الطبيعية.

اتعجب احيانا كيف وصلنا لهذه النقطة فخلال السبع وثلاثين سنة الماضية قمت انا وزملائي بانقاذ اكثر من 87 الف طفل من العمالة القسرية في الهند حيث قمنا بإنقاذ فتيات تعرضن للاعتداء بشكل فقدن بسببه القدرة على الكلام ومؤخرا قمنا بإنقاذ أطفال من مصنع ملابس في نيودلهي تم اجبارهم خلال السنوات الثلاث الماضية على الجلوس والعمل لمدة 20 ساعة باليوم في قبو بدون تهوية وعندما تم جلبهم الى مركز موكتي اشرام لاعادة التأهيل المؤقت العائد لنا كان الكثير منهم غير قادر على المشي أو حتى النظر في الشمس.

نحن فخورون بإنجازاتنا ولكن فساد البشر وانحرافهم هو مصدر للأسى المستمر.

السؤال هو: كيف يمكن أن ننهي هذه المعاناة للابد؟ إن التجمعات العالمية مثل ذلك الذي انتهى مؤخرا من المؤكد انها تلعب دورا ولكن الكلام لوحده ليس كافيا فهناك مشاكل خطيرة تواجه البشرية والتي لا يمكن التعامل معها الا عندما يصبح اصحاب الشأن مشاركين بشكل كامل.

إن بإمكاننا التعلم من النجاحات التي تحققت في مجال الصحة العامة فعلى سبيل المثال كانت الأمراض مثل شلل الأطفال والجدري تقضي على الملايين في وقت من الأوقات ولكن من خلال تنسيق جهود الأطباء والمتطوعين والمؤسسات الدولية والحكومات المحلية والمجتمع المدني تم ترويض تلك الأمراض حيث نحن بحاجة الآن الى تعاون مماثل لتقليص عمالة الأطفال.

المكان الأول الذي يجب ان نبدأ به هو استهداف القطاعات التي توجد بها عمالة الأطفال مثل الزراعة فبالإضافة الى الأطر القانونية القوية، يجب عمل آليات مساءلة قوية من اجل ضمان عدم استخدام عمالة الاطفال في سلاسل التوريد. لقد وجدت انه بوجود الحوافز الصحيحة فإن من الممكن ان يصبح المستهلكين والشركات شركاء في القضاء على عمالة الأطفال.

احد الأمثلة على هذا التعاون من ​تجارة​ السجاد في جنوب آسيا حيث كان يتم استغلال الأطفال بدون رحمة ومن اجل احداث التغيير قمنا باطلاق حركة لتوعية المستهلكين بالغرب وذلك من اجل اجبار ملاك مصانع السجاد على التصرف بمسؤولية وهذا ادى الى خلق تصنيف "النسيج الجيد" وهو ملصق بمثابة شهادة على عدم اشراك اي طفل في تصنيع ذلك المنتج علما انه منذ اطلاق ذلك الملصق قبل اكثر من عشرين عام ،انخفضت عمالة الاطفال في صناعة السجاد في المنطقة بشكل كبير لتصل الان الى مائتي الف مقارنة بحوالي المليون طفل.

إن مثل تلك البرامج هي برامج مفيدة ولكن التغييرات الأكثر اهمية يجب ان تأتي من الجهود العالمية التي تقودها الأمم المتحدة، إن إنهاء الحلقة المفرغة لعمالة الأطفال والأمية والفقر سيتطلب توحيد جهود الوكالات الحكومية حول كل هدف من اهداف التنمية المستدامة التي تؤثر على الأطفال بشكل مباشر وهذه تشمل الهدف 8 الذي ينهي العمالة القسرية والعبودية الحديثة والإتجار بالبشر وعمالة الأطفال والهدف 4 الذي يضمن التعليم للجميع والهدف 3 الذي يوفر الرعاية الصحية للجميع والهدف 16 الذي يقضي على جميع أشكال العنف ضد الأطفال.

ومن أجل النجاح يجب على أمين عام الأمم المتحدة انتونيو غوتيريس تخصيص المزيد من الموارد لتحسين حياة الأطفال حيث يتوجب عليه اولا الدعوة لإجتماع لرؤساء وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية وقادة العالم من اجل صياغة برنامج عمل وذلك من اجل تكثيف وتنسيق الجهود لحماية الصغار في كل مكان.

في النهاية، فقط الإرادة السياسية يمكنها فقط تعطيل الوضع الكئيب لعمالة الأطفال فنحن لا نستطيع بناء عالما اكثر أمنا وإستدامة بدون التحقق من حرية وسلامة وتعليم كل طفل علما ان عمل الأطفال يحرم الأطفال من تلك العوامل الثلاثة.

وبينما أبحث في كيفية تحقيق تقدم، لا استطيع نسيان الفتاة الصغيرة التي التقيت بها في البرازيل والتي تعرضت يديها الصغيرتين لجروح فظيعة نازفة بسبب قطفها للبرتقال حيث سألتني سؤالا بسيطا لم يكن لدي أي إجابه عليه: "كيف يمكن للعالم ان يستمتع بالعصير من ذلك البرتقال عندما ينزف أطفال مثلي دماءهم من اجل التقاطه"؟