افتتحت في فندق "فينيسيا"، فعاليات المؤتمر المصرفي العربي السنوي لعام 2017 تحت عنوان: " توأمة الإعمار والتنمية: معا لمواجهة التحديات الاقتصادية" الذي نظمه اتحاد المصرف العربية بالتعاون مع اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "الاسكوا"، برعاية رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، وفي حضور الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الأمين العام لمجلس الوحدة الإقتصادية والإجتماعية السفير محمد محمد الربيع.

وشارك في فعاليات المؤتمر وزراء وحكام مصارف مركزية عربية، ونحو 500 شخصية قيادية مصرفية عربية، وممثلون عن اهم المؤسسات الإقليمية العربية وسفراء عرب وأجانب وهيئات اقتصادية.

وتقدم المشاركين رئيس اتحاد المصارف العربية محمد الجراح الصباح، رئيس جمعية مصارف لبنان ورئيس مجلس إدارة الاتحاد الدولي للمصرفيين العرب جوزف طربيه، رئيس مجلس الهيئات الاقتصادية في لبنان عدنان القصار، المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق النقد الدولي - واشنطن جهاد ازعور.

وألقى الصباح كلمة قال فيها: "إن هدفنا من هذا المؤتمر الوصول إلى تبني مبادرة متكاملة لإعادة الإعمار والتنمية في العالم العربي بمشاركة الحكومات والقطاع الخاص، تشمل كافة نواحي الحياة من إقتصاد وتجارة وتعليم وصحة، إضافة إلى إعادة إعمار ما دمرته الحروب. 

لقد حان الوقت لنضع إستراتيجية إقليمية لإعادة الإعمار لأن المنطقة العربية بما عانته في السنوات السبع الأخيرة تحتاج إلى إستراتيجية تتطور بإستمرار، وتتميز بنظرة شمولية لحل المشاكل، يكون منطلقها الأساسي الإستقرار وبناء الدولة، من خلال رؤية إقليمية جماعية، ومشاركة محلية فاعلة، إضافة إلى المصالحة والعدالة والإنصاف وصولا إلى إعادة الإعمار والتنمية".

وأوضح "أننا نحتاج إلى رؤية جماعية تتجاوز الحدود الوطنية، ونستطيع تحقيق هذه الرؤية من خلال تجميع الموارد في المنطقة، كالموارد البشرية، ورأس المال، بحيث تكون فيه التنمية على مستوى المنطقة فعلا تآزريا، وإستثمارا لمواجهة التحديات التنموية والبيئية والإقليمية. إن رؤية واسعة النطاق كهذه، أمر في غاية الأهمية لمواكبة التطورات العربية، حتى لا نبقى في حلقة مفرغة من الصراعات والتنمية الغائبة"، مشيرا إلى أن "علينا أن نقر بأن التنمية تتطلب مجتمعا مدنيا نشطا ومشاركة واسعة بين الحكومات والقطاع الخاص، وهيئات المجتمع المدني، وإن الحد الأدنى من الأمن مهم لتنفيذ إعادة الإعمار، كما لا يمكن حماية الإستثمارات في مجال إعادة الإعمار من دون مصالحة حقيقية في جميع إنحاء المنطقة، ووضع التشريعات والقوانين التي من شأنها حماية الإستثمار والمستثمرين".

وأضاف: "بفعل إنعدام الإستقرار، تحول الإنفاق إلى الأمن بعيدا عن أساسيات التنمية، وتراجعت بعض أهم مؤشرات التنمية مثل حرية التعبير ومشاركة المرأة، والفقر، إضافة إلى تحديات مالية بسبب تراجع أسعار النفط بشكل كبير، وإستثمار مليارات الدولارات خارج المنطقة".

ولفت إلى أن "إتحاد المصارف العربية يسعى إلى تعزيز ثقافة الإستثمار في القدرات المستدامة على المستويات الإقليمية والوطنية، ومعالجة قضايانا الإقتصادية والإجتماعية ضمن رؤية إقليمية متماسكة، وتشجيع المسؤولية الإقليمية لوضع كرامة الإنسان والتنمية البشرية فوق كافة الشواغل السياسية والطائفية".

وأشار الى أن "قطاعاتنا المصرفية العربية تتمتع بدور طليعي ومميز في مرحلة تأمين التوازن المطلوب للإقتصادات العربية وخصوصا بالنسبة إلى التنمية المستدامة، باعتبار أن المصارف العربية لا تنقصها الإمكانات ولا الكفاءات ولا الموارد البشرية، بل ينقصها الأمن والإستقرار ووضع الإستراتيجيات والخطط الداخلية للتعامل مع مجريات الأحداث، حيث يقدر حجم الإئتمان الذي منحه القطاع المصرفي العربي حتى نهاية العام 2016 بحوالي 1.9 تريليون دولار، وهو ما يشكل نحو 77% من حجم الناتج المحلي الإجمالي العربي، إضافة إلى الدور الهام الذي يلعبه هذا القطاع في تعميم المنتجات والخدمات المالية والمصرفية على العدد الأكبر من الأفراد والمؤسسات، وخصوصا التوجه إلى فئات المجتمع المهمشة من ذوي الدخل المحدود، وهذا ما يمثل عاملا أساسيا لتحقيق التنمية المستدامة وتحسين مستوى المعيشة، وتمكين المرأة، وتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتعزيز النمو الإقتصادي".

وختم: "أملنا كبير في أن نتمكن من وضع تصورات جدية من خلال جلسات هذا المؤتمر ومحاوره تشكل في محصلتها خارطة طريق لإعمار دولنا العربية المدنية والإنسانية، وهو جزء حيوي من عملية الحرب على الإرهاب، وتجفيف منابعه، وبناء مستقبل أفضل لأجيالنا الطالعة.

أجدد شكري لدولة الرئيس سعد الحريري وحاكم مصرف لبنان، ولأصحاب السعادة والسيادة ولكل المتحدثين والمحاورين والمشاركين متمنيا أن نحقق جميعا الأهداف المرجوة من هذا المؤتمر".

وتلاه طربيه، وقال: إن مسألة "التحديات الإقتصادية والإعمار والتنمية" التي إخترناها محورا للبحث والنقاش في مؤتمرنا السنوي العربي لهذا العام، تأتي في صلب إهتمامات إتحاد المصارف العربية، منذ أكثر من سنتين، حيث قرر مجلس إدارة إتحاد المصارف العربية أن نولي هذه القضية جل إهتمامنا، لإستباق الأمور وتهيئة الأرضية ووضع خارطة طريق تشارك فيها مؤسسات دولية واقليمية، مع ضرورة تهيئة المجتمعات العربية التي غابت عنها التنمية وأعادتها الاحداث عشرات السنين الى الوراء نتيجة لدمار البُنى التحتية والإنسانية، وعوامل النزوح واللجوء التي أصبحت عبئا ثقيلا على كاهل معظم الدول الحاضنة".

وأشار إلى أن "ما يطرحه إتحاد المصارف العربية في مؤتمره اليوم، هو التحضير لمواجهة التحديات الإقتصادية التي تؤسس للإعمار والتنمية. هناك من سأل، كيف نشرع بإعادة الإعمار في ظل عدم الإستقرار السياسي والأمني، فيما مصير المنطقة لا يزال غامضا في ظل هذا الصراع المحتدم على النفوذ والمصالح الإقتصادية والاستراتيجية.

وإعتبر أن الصورة قاتمة، والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم من أين نبدأ؟

ولأن الإجابة صعبة عن هذا السؤال، آثر إتحاد المصارف العربية بالتنسيق مع اللجنة الإقتصادية والإجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا)، على الدعوة لمقاربة التحديات الاقتصادية المقبلة، مع متطلبات الاعمار والتنمية مع دعوة منظمات الإغاثة المحلية والإقليمية والدولية إلى عدم حصر جهودها في توفير الضروريات الحياتية والحاجات الأساسية للمتضررين، بل إلى توجيه خطط الإغاثة لتمرير مقاربات مساعدة للتنمية، عن طريق التوظيف في التعليم والصحة للملايين الذين شردتهم الحروب وحالت دون افادتهم من الحقوق الاساسية للفرد في السكن والتعليم والعمل والتطبيب، في حين أن على المجتمع الدولي والمؤسسات الدولية، والحكومات العربية، والقطاع الخاص، البدء بوضع الخطط لإعادة الإعمار، والحذر من التسويات السياسية الناقصة التي قد ترفع إحتمال عودة الصراعات في المستقبل".

وتناول التحديات التي تواجه الاقتصادات العربية، فأوضح "أننا أمام تحديات لم يسبق لعالمنا العربي أن واجه مثلها، مما يستدعي العمل على توفير تضامن دولي ودعم مالي لا يقتصر على نشاط مؤسسات الإغاثة، إنما يتوجه الى معالجة لب المشكلة، وهو الفقر وفقدان فرص العمل وتراجع النمو وغياب الديمقراطية. فالضرورة ملحة لنا وللأجيال الصاعدة من أجل ارساء قواعد الاستقرار اولا، والمبادرة سريعا الى استحداث فرص عمل لإستيعاب موجات ملايين الشباب الذين سيصل عددهم في العام 2025 الى ما يقارب الـ 58 مليون. فبدل ان تشكـل الموارد البشرية الشابة مصدر زخم لنمو الاقتصادات العربية، باتت تشكل تهديدا للسلم والاستقرار بسبب معدلات البطالة المرتفعة بينها. وهذا من مسببات عدم الاستقرار واختلال الكيانات السياسية، وايقاظ المطامع الاقليمية والدولية في دول المنطقة وخيراتها".

ولفت إلى أن "مؤتمرنا الذي يعقد اليوم في بيروت تحت عنوان "توأمة الاعمار والتنمية" هو مساحة للتفاكر في كل هذه التحديات. وإن المصارف العربية، بالنظر إلى الإمكانات المالية، والبشرية والمصرفية الكبيرة التي تمتلكها، يمكنها المساهمة بشكل فعال في تعزيز التنمية الإقتصادية ومشاريع إعادة الإعمار في الدول العربية. ويمكن أن تتجلى هذه المساهمة في عدة وسائل، منها على سبيل المثال الدخول في شراكات مع القطاع العام، كإنشاء تكتلات مصرفية ضخمة تتولى تمويل مشاريع البنية التحتية، أو في تلك القطاعات التي تؤدي إلى تعزيز التنمية البشرية والإجتماعية بشكل خاص، كإعادة بناء البنى التحية والمدارس والمعاهد والمستشفيات، والإتصالات وغيرها".

أضاف: "إن التحديات التي تواجه عالمنا العربي اليوم ليست إقتصادية وسياسية فقط، بل هي كيانية في ظل خلط الأوراق وتغيير الثوابت، من هنا، فإن قياداتنا ومسؤولينا في المنطقة العربية مدعوون للتعاطي مع مشهد شديد التعقيد لم تعتد عليه.

ولا يمكنني في هذا الاطار الا التوقف عند مجريات الاحداث المفاجئة والمتسارعة في لبنان، حيث كان لإعلان استقالة رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري من منصبه، التأثير المهم على الحياة السياسية في لبنان، خاصة ان الاستقالة أتت في ظل تصعيد للصراع السياسي بين المملكة العربية السعودية وايران. اننا لا نتوقع تصعيدا للوضع في لبنان. على العكس، فإن التعاطي الحكيم مع الازمة السياسية قد يحول المشكلة الى فرصة لبناء توافق سياسي جديد محوره الارادة الدائمة للبنانيين بعدم الشروع في أي مغامرة سياسية كانت او أمنية، بالاضافة الى ذلك، فان اللبنانيين يبرهنون عن حس قوي بالوحدة الوطنية والاعتدال كأساس للدفاع عن لبنان الدولة والمؤسسات".

وقال: "في هذا المشهد المعقد، تواصل مصارف لبنان أداء دورها في خدمة زبائنها وتأمين التمويل للدولة وللقطاع الخاص. وقد أثبتت السياسات الحكيمة للتحوط للأزمات والمخاطر التي انتهجها مصرف لبنان بالتعاون مع المصارف اللبنانية، الفاعلية في مواجهة كل الازمات المحيطة في لبنان والمنطقة، والتي اعتادت المصارف على التعامل معها بكفاءة ضمن اطار تقنيات ادارة المخاطر في منطقتنا واقتصاداتنا على مر السنين، في بلد تحمـل ولا يزال انعكاسات الصراعات الدائرة من حوله، وما ينتج عنها من تداعيات اقتصادية ومعيشية وامنية".

وختم بالدعوة الى أن "نستخلص الأفكار ونضع الخطط لمبادرات خلاقة لا بد منها للتحضير لمرحلة إعادة الاعمار بعد انتهاء الصراع الذي لا بد من انهائه في اقرب وقت".

وبدوره، أكد القصار في كلمته أن "اتحاد المصارف العربية حسنا فعل هذا العام بطرحه قضية توأمة الإعمار والتنمية محورا أساسيا لفعاليات مؤتمره، وخصوصا أن الصراعات والنزاعات والحروب في المنطقة قد تسببت بأضرار بالغة في الحجر والبشر، مما يتطلب معها عمليات إعادة إعمار باهظة التكاليف في عدد من دولنا العربية، وأصبحت تشكل تهديدا حقيقيا للمكاسب التنموية التي تحققت على إمتداد السنوات الماضية، وتهديدا حقيقيا أيضا لمسيرة التكامل الاقتصادي بين دولنا العربية.

ومما لا شك فيه أن الوضع العربي بات يتطلب صحوة عربية حقيقية، وتعاونا عربيا فعالا، من أجل إعادة العالم العربي إلى سكة النمو والتقدم والتطور من جديد، وتحقيق الرفاه المنشود لمواطنيه.

فمن الضروري تحقيق الإصلاحات السياسية الجذرية في دول الربيع العربي، لتأمين الإستقرار السياسي الداعم للنمو والتنمية فيها. كما لا بد من إعتماد الحوار الداخلي الوطني خيارا إستراتيجيا لوقف الحروب والصراعات والنزاعات في دولنا، وإعتماد التضامن العربي على الصعيد السياسي مدخلا أساسيا لتحقيق وصون الاستقرار السياسي على مستوى العالم العربي.

من الضروري إطلاق ورشة من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي تستهدف تدعيم إقتصاداتنا الوطنية".

ثم أكد أنه "لا بد من وضع التكامل الاقتصادي العربي على سكته الصحيحة، في اتجاه إنشاء السوق العربية المشتركة بالسرعة الممكنة، مما يرفع من الناتج المحلي، وفرص العمل، وتعزيز التبادل التجاري والاستثماري، على مستوى العالم العربي ككل.

وهناك دور محوري وأساسي للقطاع المصرفي العربي في عمليات إعادة الإعمار والإنماء في دولنا العربية، وذلك بالتعاون مع الصناديق السيادية، وصناديق الإنماء وبنوك التنمية العربية".

وختم: "لن تكتمل كلمتي بدون التحدث عن بلدي لبنان، الذي يمر اليوم بمحنة جديدة، لكنه سيجتازها كما دائما، نظرا الى وجود رجل قادر وحكيم وقوي على رأس السلطة في لبنان، فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي يبادر بالاتصالات والتحركات اللازمة لإخراج البلد من هذه المحنة، يعاونه في ذلك رجل مهندس للحلول الناجعة للأزمات المستجدة، دولة رئيس مجلس النواب نبيه بري.

نحن مؤمنون تماما بأن دولة الرئيس سعد الحريري أثبت ويثبت كل يوم بأنه رجل دولة، يضع مصلحة لبنان وإستقراره أولا. فنحن جميعا معكم، متضامنين في الإصرار على تجاوز أزمتنا الراهنة، ومواصلة مسيرة الأمن والاستقرار والازدهار، وليظل بلدنا دائما وأبدا بلد العيش المشترك، وبلد الأعمال والإنتاج والخدمات، والبلد الذي يحرص على أفضل العلاقات مع أشقائه وأصدقائه".

ومن جهته، قال سلامة: "للقطاع المصرفي أهمية كبيرة في التنمية الاقتصادية، ومصرف لبنان يبذل جهودا كبيرة لتطوير الشمول المالي. فبانفتاح المصارف على المجتمع بكل شرائحه، يساهم القطاع المصرفي في تطوير وتنمية الاقتصاد من خلال الخدمات المصرفية المتنوعة التي يقدمها. وكان مصرف لبنان قد بادر وأطلق تحفيزات للقطاع الخاص عبر دعم الفوائد للقروض السكنية والقروض الإنتاجية. كما وأنه أصدر تعميما لتشجيع اقتصاد المعرفة الرقمي وهو قطاع واعد في لبنان ليحتل لبنان وبعد أربع سنوات المرتبة الأولى في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا بين البلدان المبتدئة، والمرتبة الثامنة في العالم تبعا للمؤسسة البريطانية GEM. وقد نتج عن ذلك، أن حافظ لبنان على نمو إيجابي في ظروف صعبة تمر بها المنطقة ووفرت هذه القروض الممنوحة من المصارف، وعلى مسؤوليتها، آلاف الوظائف ودعمت الطلب الداخلي".

اضاف: "إن النمو المتوقع لهذا العام هو بحدود 2,5% ونسبة التضخم هي بين 3 و3,5%.

إن الكتلة النقدية التي ينشر تفاصيلها مصرف لبنان أسبوعيا تدل بوضوح على محدودية التأثيرات التي تعرضت لها الأسواق النقدية في لبنان بسبب الأزمة السياسية. ونحن نؤكد على استمرار الاستقرار، وبالأخص بعد عودة الأسواق إلى نمط هادئ".

وتابع سلامة: "أما في ما يتعلق بالتطورات المصرفية والمعايير المطلوب تطبيقها دوليا، نود أن نشير إلى أن تطبيق هذه المعايير أمر ضروري لكي يبقى القطاع المصرفي اللبناني منخرطا في القطاع المصرفي العربي وفي العولمة المصرفية. وقد طبق لبنان كل ما هو مطلوب لكي تكون المعايير المطبقة في القطاع المصرفي متوافقة مع مقررات بازل3 وتجاوزت ملاءة القطاع المصرفي الـ15%. كذلك فرؤوس الأموال متوفرة لتطبيق معيار الـ IFS9. وأصبح لدى القطاع المصرفي ما يكفي من الاحتياط لمواجهة أي تباطؤ اقتصادي إن حصل خلال الأعوام القادمة. اما بالنسبة لموضوع الامتثال للتشريع الدولي، فهو معمول به ومنفذ، وتسمح القوانين اللبنانية وتعاميم مصرف لبنان بذلك"، مؤكدا "ان الآليات الموضوعة وفعالية دوائر الامتثال في المصارف اللبنانية كفيلة بتأمين الإطار الصحيح لتنفيذ التزام لبنان باحترام القوانين الصادرة عن الدول التي نتداول بعملتها أو نتعامل مع مصارفها".

وقال: "من ناحية أخرى، إن تطوير أنظمة الدفع أساسي للتنمية الاقتصادية. وفي هذا الإطار، يسعى مصرف لبنان إلى تطوير أنظمة الدفع هذه عبر خطة يهدف من خلالها إلى ترسيخ الأمان في التبادل الإلكتروني إضافة إلى وضع القوانين اللازمة وتطوير التقنيات الضرورية من أجل التوصل إلى العملة الرقمية كوسيلة دفع إضافية".

وختم: "إننا ندرك التحديات التي تواجهها مصارفنا في المنطقة ونقدر جهود المصارف للالتزام بالمعايير الجديدة التي ترعى العمل المصرفي وللابقاء على دورها في التسليف".

ومن جهته، اعتبر أبو الغيط في كلمته أن "مؤتمرنا اليوم يأتي في وقته تماما، فكل الشكر والتقدير لمن بادر بهذه الفكرة وساهم في الإعداد لها وخروجها إلى النور. إن المنطقةُ العربية لم تكن في وقتٍ من الأوقات أحوج إلى طاقة النور والأمل مما هي عليه الآن. بلادنا في حاجة إلى العبور فوق الألم، وهو شديد وعميق .. في حاجة إلى تجاوز الجراح وتضميدها، وهي متعددة وخطيرة .. إن شعوبنا تستحق أن تسمع أخبارا جيدة، مملوءة بالأمل والحياة، فليس مكتوبا عليها أن تبقى أسيرة أنباء القتل والإرهاب وصور التخريب ومشاهد الدمار".

وأضاف: "الأنباء الآتية من المنطقة العربية ليست كلها سيئة كما قد يوحي الانطباع السائد. هناك نقاط نور مضيئة تتعين الإشارة لها والاحتفاء بها. هزيمة داعش صارت قاب قوسين أو أدنى. هذه الجماعة التي رفعت رايات الظلام والقتل المجاني والإرهاب الجنوني لم تجد لها مكانا في مدننا وحواضرنا. رفضتها شعوبنا ولفظتها جماهيرنا. هذا خبر جيد. ويبقى أن تطرد "الداعشية" من مجتمعاتنا ومناهج حياتنا وطرائق تفكيرنا. ولكن هذا طريق طويل، لا يمر عبر الانتصار العسكري وحده، وإنما بالعمل الثقافي والتنموي المتكامل.

إن داعش، على خطورتها الشديدة، تمثل مجرد بعد واحد في مصفوفة التهديدات التي تواجه المنطقة العربية. إن الصراعات الخطيرة المشتعلة في عدد من الدول العربية ما زالت تمثل جراحا مفتوحة. وآثارها كما نرى جميعا لا تقف عند حدود الدول التي تدور فيها، وإنما تمتد إلى دول الجوار، في صورة أعداد هائلة من النازحين واللاجئين تنوء بها البلدان المستقبلة. ومنها البلد الذي يستضيف اجتماعنا اليوم، والذي يستضيف أكثر من نصف سكانه كلاجئين. وهو ما يشكل ضغوطا هائلة ولا يمكن تصورها على البنية الأساسية والخدمات العامة. ولو أن دولة كبرى، على درجة من التقدم، قُدر لها أن تستقبل هذه النسبة من اللاجئين، لفشلت نظمها الحياتية في استيعابها، ولكن لبنان - بانفتاحه ومحبته وعروبته وكرم أهله- فعلها".

وقال: "لا تتوقف كلفة الصراعات عند مسألة اللاجئين. فالثمن الفادح للحروب العربية يمكن أن نعاينه ونراه بعيوننا في المدن التي استحالت أطلالا، وفي الحواضر التي صارت ركاما وترابا. وكم يأسى المرء أن ينظر إلى مدن كبرى مثل حلب الشهباء والموصل الحدباء، التي كانت حواضر زاهرة وعامرة، وهي على هذه الحال من الدمار والخراب، موضحا أنه ليس هذا هو وقت البكاء على الأطلال.. بالطبع نحتاج إلى أن نتدارس الأسباب ونتأمل البواعث التي أوصلتنا إلى هذه النقطة.. على أننا نحتاج كذلك إلى توجيه أنظارنا صوب المستقبل.. لسنا أول الأمم التي تواجه مأزقا كهذا .. كم من بلد دمرت، ثم انتفض أهلها، فعمروها وأقاموا بنيانها من جديد، لتصير خيرا مما كانت .. وتجارب التاريخ كثيرة في هذا المجال... من الحرب الأهلية الأمريكية، إلى الحرب العالمية الثانية... ولا أبالغ إن قلت إن بعضا من هذه العمليات الكبرى لإعادة الإعمار والبناء قد حملت للمجتمعات والبلدان التي جرت فيها فرصا للنمو الاقتصادي والتنمية".

وتابع: "أعرف جيدا أن المدافع لم تسكت بعد في كافة ميادين القتال بالعالم العربي، وأن الحرب -للأسف- لم تضع أوزارها .. ولكني أرى، مع ذلك، أن اللحظة الحالية تستدعي التفكير والاستعداد لليوم التالي .. بل إنها تستدعي الانخراط بالفعل في جهود شاملة من أجل إعادة الإعمار، وإعتبر أن كلفة الدمار الذي صاحب النزاعات والحروب الاهلية التي اندلعت منذ 2011 تجاوزت 640 مليار دولار.. وبرغم أن البلدان التي تدور فيها النزاعات هي التي تدفع الثمن الأكبر، إلا أن الخسارة الاقتصادية -بما في ذلك تكلفة الفرصة البديلة - تشمل المنطقة بأسرها.. ولا يخفى أن استمرار النزاعات على نحو ما هو حاصل حاليا يغطي المنطقة كلها بسحابة من الغموض وانعدام اليقين بما يؤدي حتما إلى تباطؤ النشاط الاقتصادي وتراجعه".

ولفت إلى أن "آثار الدمار تشمل المنطقة كلها، والخروج منه لن يكون إلا بتكاتف المنطقة كلها. ورب ضارة نافعة. إن جهود إعادة الإعمار تمثل فرصة حقيقية لجهد عربي متكامل ومنسق. فلن يبني مدن العرب سوى العرب..وإعادة الإعمار قد تكون مدخلا مثاليا لإطلاق عملية تنموية تراعي التكامل والترابط بين الجهود والمنصات المختلفة.

وإنني ألمس رغبة واضحة لدى قطاع الأعمال والمستثمرين والشركات للانخراط في جهود جادة لإعادة الإعمار. وأعلم أن بالعالم العربي من الإمكانيات المالية والطاقات البشرية ما يسمح ببناء المدن التي هدمت بأفضل مما كانت، ولو أن شيئا لا يعوض خراب التاريخ ومحو الذاكرة".

وأمل "ألا تكون هذه الجهود عشوائية أو تنافسية، بل تكاملية وتعاونية. وأدعو المنظومة المصرفية في العالم العربي لابتكار آليات تمويلية جديدة تلائم هذا الظرف الاستثنائي. فما يهم اليوم هو اقتناص الفرص القائمة وعدم السماح للآخرين من خارج العالم العربي بالاستفادة وتحقيق الكسب. مطلوب كذلك ألا تقف جهود إعادة الإعمار عند الحجر. وإنما تصير منظومة تنموية متكاملة تضع الإنسان في القلب منها، فلا يكفي تعمير البلدان من دون تنمية الإنسان".

وأشار إلى أن "تكلفة إعادة إعمار المناطق التي خربت وهدمت تتجاوز - في بعض التقديرات- التريليون دولار. ورقم مثل هذا يعطينا انطباعا عن جسامة المهمة وخطورتها، وطبيعتها طويلة المدى. إن الانخراط في جهد بهذا الحجم وبتلك الأبعاد الضخمة يتطلب تخطيطا علميا أدعو أن يبدأ من الآن وعملا مؤسسيا أرجو أن يضم خيرة الخبرات والكفاءات سواء من داخل العالم العربي، أو من العقول المهاجرة للخارج".

وختم: "الجامعة العربية لا زالت تحتضن المشروع الاقتصادي الأهم في هذه المنطقة.. وهو المشروع الذي نراه يحمل أملا حقيقيا ووعدا عمليا بالنمو والازدهار. اعني بذلك مشروع التكامل الاقتصادي الذي لا ينبغي أن يبقى مجرد حلم رومانسي.. وإنما يتعين أن ينتقل من مجال التفكير إلى حيز العمل والتنفيذ، حتى ولو جاء التنفيذ بخطوات بسيطة متدرجة مثل ربط الدول العربية بشبكات سكك حديدية أو مشروعات الربط الكهربائي أو المبادرات الأخرى التي تهدف إلى توحيد معايير بيئة الأعمال في العالم العربي مثل "الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية. وغير ذلك من المشروعات والمبادرات الكثيرة التي ما زالت -للأسف- حبيسة الأدراج وأسيرة ضعف الإرادة والطموح".

وألقى الحريري كلمة قال فيها: "كما الشهيد رفيق الحريري رحمه الله، يسرني أن أكون معكم وأن أرى اتحاد المصارف المجتمع في بيروت لنعود ونثبت الثقة بلبنان، وأشكر مشاعر الجميع وأؤكد لكم أننا في لبنان" "همنا الأساسي هو الاستقرار وهذا ما سنعمل عليه بإذن الله".

اضاف: "صحيح أن لبنان بلد صغير، ولكننا نحن اللبنانيين "عنيدين"، وأينما يكون اللبناني في العالم تجده يقف على رجليه، ونحن يجب أن نقف على قدمينا في بلدنا لبنان ونتكاتف جميعا لمصلحته".

وتابع: "ان المرحلة التي مرت تشكل صحوة لنا جميعا لننظر إلى مصلحة لبنان أولا قبل أن ننظر إلى المشاكل حولنا، فالمشاكل التي تحيط بنا مهمة ولكن لبنان أهم. وعلاقاتنا مع أشقائنا العرب يجب أن تكون الأساس، وعلينا أن نبحث في كل الوسائل لنتمكن من الوصول لأن يكون للبنان نأي حقيقي وصريح بالنفس وليس بالقول فقط ولكن بالفعل أيضا".

وقال: "أشكر اتحاد المصارف، وأنتم جميعا موجودون اليوم في بلدكم الثاني لبنان، وقد رأيتم المصاعب التي مررنا بها، ليس فقط خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، ولكن أيضا خلال السنين الأخيرة. وهنا أشيد بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي استطاع، في المراحل التي اختلفنا فيها نحن السياسيين مع بعضنا البعض، أن يحصن الليرة اللبنانية، لذلك نشكره على الحكمة التي يتمتع بها. وأقول لكم جميعا أننا مستمرون بهذا المشوار الذي بدأه رفيق الحريري، من نهوض اقتصادي وتثبيت للاستقرار، وان شاء الله لن نتخلى عن هذا الطريق وسنستمر فيه".