يُقال "لا يزال المرء عالماَ ما دام في طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد بدأ جهله"، واللبناني الشاب أمين جبيلي لم يتوقف يوما عن طلب العلم، ولطالما آمن بأن لا حدود للمعرفة.

نال التقدير والإعجاب بسبب تميز فكره، وصلابة إرادته، وطموحه اللامنتاهي. شق طريق النجاح بثبات وإصرار، ليصل اليوم إلى القمة وإلى مصاف العالمية؛ فانتقل من النجاحات الصامتة الى الإنجازات الصارخة. وبأخلاقه وكفاءاته ومهاراته وخبراته الواسعة، استطاع أن ينقل صورة مشرفة ومثالاً يحتذى به، وأن يرفع اسم بلده لبنان.

فلنتعرف معا الى مسيرة المدير التقني لجمعية "الدولية للعلوم وتكنولوجيا الحبوب" (ICC)، أمين جبيلي، في هذه المقابلة الخاصة مع "الاقتصاد":

ما هي المراحل التي مررت بها حتى تم انتخابك في العام 2016 مديرا للجنة التقنية في "الجمعية الدولية لعلوم وتكنولوجيا الحبوب" (ICC)؟

تخصصت في هندسة العلوم الزراعية في "جامعة الروح القدس – الكسليك"، "USEK". وبعد تخرجي في العام 2000، توظفت في "معهد البحوث الصناعية" في لبنان، الذي يعتبر مرجعا محليا واقليميا في الشرق الأوسط وشمال افريقيا، في كل ما له علاقة بهذا النوع من البحوث، في مختلف الصناعات.

ومع الوقت، بدأت بالتطور وبتطوير معرفتي من خلال أبحاثي واتصالاتي مع البلدان المجاورة وبلدان شمال افريقيا أيضا. فازدهر مسار العمل في المعهد، حتى توسعنا نحو أوروبا، وأصبحنا مرجعا لاصدار الشهادات التي تتيح للصناعي اللبناني تصدير إنتاجه الى الخارج، ليتم بذلك الاعتراف بشهاداته دون عرقلة ​التبادل التجاري​؛ وقد تحقق هذا الأمر من خلال مؤسسات عالمية، واعتراف متبادل بين الجهتين، ومنها "ICC"، التي تعدّ المرجعية العالمية للأمور ذات الصلة بسلامة الغذاء عامة، وبالحبوب ومنتجاتها ومشتقاتها بشكل خاص.

وبالتالي يمكن تشبيه الـ"ICC" لمنظمة الأمم المتحدة، حيث يتمثل كل بلد بعضو واحد، ويتم التصويت على المشاريع والمواصفات وطرق التحاليل، وتدرسها اللجان المشتركة بين البلدان. وكان مدير معهد البحوث د. بسام فرنّ مندوبا عن لبنان، وقد تم تعييني بمنصب نائب له، بعد حوالي سنتين من دخولي الى المعهد.

ولا بد من الاشارة الى أن جمعية "ICC" تعالج المشاكل التقنية المتعلقة بالتغذية وسوء التغذية، ومن خلال هذا العمل، تتم استشارتنا عند الحاجة الى أي دعم تقني أو بحث أو تقييم، ونحن نلبّي الطلبات بسرعة وفعالية عالية.

لذلك، فتحوا في العام 2012، باب الترشح الى منصب مدير تقني ثاني أو مساعد (co-technical director)، للبلدان الأعضاء. وكنت مِن أول مَن قدم على هذا المنصب، واختاروني حينها لمساعدة المدير التقني، الذي كان دكتورا ألمانيّ الجنسية.

وعندما أصبحنا ضمن الهرم الأعلى في المؤسسة، باتت مساهمتنا أكبر وأقوى وأكثر وضوحا، ولم نعد مجرد أعضاء مثل باقي البلدان، بل ظهرنا بشكل أكبر وأظهرنا قدراتنا.

وفي نيسان 2016، اقترحت الهيئة التنفيذية تعيين مدير تقني جديد، لأن المدير السابق قد أصبح في سنّ التقاعد، وبالتالي يحتاج الى تحويل مسوؤلياته لشخص آخر. ففتحوا من جديد باب الترشيح لكل البلدان على مستوى عالٍ، فترشحت أيضا، واختارتني الهيئة العمومية لاستلام هذا المنصب، بالاستناد الى عملي في الدرجة الأولى، والى وسعة خبرتي في هذا المجال.

فأنا كرسّت حياتي للاهتمام بالأبحاث المتعلقة بالحبة، مهما كان نوعها، مرورا بتصنيعها وفحوصاتها ومراقبة جودتها، الى حد الوصول للمنتج النهائي. والشخص القادر على الإجابة على كل هذه المواضيع، يجب أن يكون ذات خبرة واسعة. لذلك، وبالاستناد الى هذا الواقع، قرروا أنني الشخص المناسب لهذا المنصب.

برأيك، ما هي الصفات والمقومات التي ساعدتك على النجاح والتقدم والوصول في مسيرتك؟

أولا، حب التعلم والمعرفة، والمواظبة على الدراسة؛ فعلى الانسان أن يتحلى دائما بالشغف والرغبة بتعلم المزيد من أجل تطوير قدراته ومعلوماته، لأن لا حدود للمعرفة. وعلينا اتخاذ القرار الذاتي بالرغبة في التعلم، وهذا الأمر أساسي!

ثانيا، يجب أن يتعاون الانسان مع أشخاص يؤمنون بقدراته، وبنظرته الى الأمور ومستقبلها، ويقدمون له الدعم التقني وحتى المعنوي. ففي ظل غياب الدعم المناسب، لن يتمكن أي شخص من التقدم بسرعة وفعالية، والوصول الى أهدافه. اذ أن المناصب العالية والعالمية، وذات المسؤوليات الكبرى، بحاجة دائما الى الدعم، والى العلاقات العامة والاتصالات مع جهات متعددة، وذلك لكي يتمكن الشخص بحد ذاته، من الاجابة على متطلبات الوظيفة وعلى معايير معينة، لأن "الواسطات" غير موجودة، بل يتم الاعتماد فقط على مؤهلات الانسان وقدراته وخلفيته العلمية وعطاءاته.

ما هي طموحاتك ومشاريعك المستقبلية؟

لطالما كنت شخصا مغامرا، لذلك فإن طموحاتي لا محدودة، وبالتالي ألاحق أي فرصة للتقدم والتعلم ومشاركة خبراتي.

اذ يجب أن يكون الانسان تلميذا بنفسيته، وأنا أحاول دائما التعلم، والاستفادة من جميع الأشخاص والخبراء الذين ألتقي بهم؛ وهذا الواقع يشكل عاملا أساسيا في رحلة النجاح، لأنه سيسهم في فتح كل الحدود.

هل شعرت يوما بالتقصير تجاه حياتك الخاصة وعائلتك بسبب انشغالاتك العملية؟

العائلة هي المحرك في الحياة، ومن أهم الأمور بالنسبة لي شخصيا، هي أن يكون الانسان مثالا أعلى لأولاده على جميع الأصعدة، أكان في العمل، في المنزل، في الصحة، في الرياضة،... فالأولاد يرون ما يفعله الآباء والأمهات، وفي معظم الأوقات يلقدونهم أو يعيشون بحسب أنماط حياتهم.

وبالتالي أشدد على أن عائلتي أساسية، وتأتي في المرتبة الأولى في حياتي، ولا مجال للجدال في هذا الموضوع.

بالاستناد الى مسيرتك المهنية ومنصبك الحالي، ما هي النصيحة التي تقدمها الى جيل الشباب اللبناني؟

أولا، لا توجد أهداف صعبة عندما يتحلى الانسان بالإرادة لتحقيقها؛ وبالتالي فإن الأولوية على طريق النجاح، هي للإرادة فقط.

ثانيا، يجب أن يكون الانسان مستعدا للعمل، ولتقديم التضحيات والتعلم.

ثالثا والأهم، يجب أن يحافظ على انتمائه للبيئة الصحيحة، أكان على الصعيد المهني أو العائلي، ليحظى بالدعم المهني أو التقني أو المعنوي أو العاطفي المناسب، بهدف الوصول الى طموحاته كافة.

وهذه العوامل الثلاثة يجب أن تتواجد في حياة الانسان، لكي يتمكن من تحقيق أهدافه، في حال كان هذه الأهداف متطورة الى حد ما، أو عالمية.