مع صدور البيان الختامي لإجتماع وزراء الخارجية العرب الطارئ والذي صنّف ​حزب الله​ كمنظّمة إرهابية، تتّجه الأنظار نحو الخطوات التي قد تتذخها بلدان الخليج وعلى رأسها ترحيل اللبنانيينالعاملين فيها. فما هي أعداد وقيمة تحاويل المُغتربين اللبنانيين في ​دول الخليج​؟ ما هي تداعيات مثل هذه الخطوة على ​الإقتصاد اللبناني​؟ وهل ستُقدمّ دول الخليج على هذه الخطوة؟

هجرة​ اللبنانيين إلى ​الخليج العربي​ تعود إلى الحرب العالمية الثانية وإمتدت حتى يومنا هذا. وساعد إكتشاف النفط في دول الخليح و​الفقر​ الذي خلفته الحرب العالمية الثانية إلى هجرة الطلائع الأولى من اللبنانيين حيث شارك هؤلاء في نهضة المجتمعات الخليجية على جميع الأصعدة وإستفادوا في نفس الوقت من البترودولار. وكان لخبرة اليد العاملة اللبنانية ومهارتها دور كبير في حصولهم على وظائف في هذه البلدان.

الموجة الثانية من الهجرة إلى هذه البلدان بدأت مع الحرب الأهلية التي عصفت بلبنان في منتصف سبعينات القرن الماضي وأخذت أوجها في أواخر الثمانينات. وكانت دوافعها أمنية بإمتياز وما نتج عنها من تداعيات إقتصادية.

الفترة التي تلت الحرب شهدت هجرة ​الشباب​ اللبناني بالدرجة الأولى مع عجز الإقتصاد اللبناني عن تأمين الوظائف التي تتلائم ومهارات ومستوى تعلّم الشباب. وإمتدت هذه الهجرة بنمط ثابت حتى يومنا هذا حيث يبلغ عدد اللبنانيين الموجودين حاليًا في دول الخليج 540 ألف لبناني موزّعين على النحو التالي (تقديراتنا): المملكة العربية ​السعودية​ (300 ألف)، ​الإمارات​ العربية المُتحدة (100 ألف)، ​الكويت​ (75 ألف)، قطر (50 ألف)، ​البحرين​ (10 ألالاف)، و​عُمان​ (5 ألالاف).

الصراع العربي – الفارسي

إرتاح الخليجيون من التعامل مع اللبنانيين العاملين في هذه الدول وذهبت ثقتهم إلى حد إسنادهم مناصب عالية في الشركات وحتى في الإدارات الرسمية. وكلمة حق تُقال كان اللبنانيون على مقدار الثقة التي وضعتها بهم هذه الدول.

لكن الصراع العربي – الفارسي وما شهده من مواجهات بالوكالة خصوصًا بين ​المملكة العربية السعودية​ و​إيران​ في دول عِدّة،وما لنسيج المُجتمع اللبناني من تنوع جعله ينسج علاقات وطيدة مع كلٍ من السعودية وإيران، عكّر صفو العلاقات اللبنانية – السعودية وكان أخرها التهديد السعودي غير المباشر (أي غير صادر عن السلطات الرسمية) بترحيل اللبنانيين العاملين في المملكة.

تحاويل المغتربين اللبنانيين في دول الخليج

تُشير أرقام ​البنك الدولي​ للعام 2016، أن مجموع تحاويل اللبنانيين العاملين في دول الخليج بلغ 1.94 مليار دولار أميركي موزّعة على النحوي التالي:المملكة العربية السعودية (1.54 مليار د.أ)، الإمارات العربية المُتحدة (253 مليون د.أ)، الكويت (66 مليون د.أ)، قطر (59 مليون د.أ)، البحرين (21 مليون د.أ)، وعُمان (صفر).

ويُشكّل مجموع تحاويل اللبنانيين العاملين في دول الخليج ما يوازي 25.5% من مجموع تحاويل المُغتربين اللبنانيين في العالم (7.62 مليار د.أ). و3.9% من إجمالي الناتج المحلّي الإجمالي للبنان.

تداعيات ترحيل اللبنانيين

بحسب دراسة قامت بها إحدى الجامعات اللبنانية، يتوزّع إستخدام تحاويل المُغتربين على الشكل التالي (الترتيب بحسب الأهمية): الإستهلاك الغذائي للأسر، يليها شراء ​العقارات​، وشراء الأكسسوارات والباقي يتّم وضعه كودائع في ​المصارف​. وبالتالي لطرد اللبنانيين العاملين في دول الخليج تداعيات سلبية على عدّة أصعدة : إقتصاديًا، ماليًا، وإجتماعيًا.

إقتصاديًا: يأتي ترحيلاللبنانيين العاملين في دول الخليج ليؤثر سلبًا على الإستهلاك وبالتالي فإن إنتاج الشركات المحلّية سيقلّ حكمًا بسبب إنخفاض الإستهلاك ومعه ستزيد ​البطالة​ التي هي بالأصل مُرتفعة. كما أن ​المصارف اللبنانية​ ستُحرم من عمولات التحاويل التي يقوم بها اللبنانيون إضافة إلى تراجع في سوق العقارات. كل هذا سيؤثر سلبًا على النمو الإقتصادي في لبنان.

إجتماعيًا: إن الإستخدام الأول لتحاويل المُغتربين هو لشراء المواد الغذائية وهذا الأمر يعني أن حرمان لبنان من 1.94 مليار دولار أميركي سيؤثر على الوضع الإجتماعي للعديد من العائلات الفقيرة في لبنان والتي تعتاش على ما يّرسله العاملون اللبنانيون في الخليج. أيضًا سنرى أن الأطراف ستكون الأكثر تأثرًابشكل من عملية الطرد بحكم أنها المُستفيد الأول من هذه الأموال.

ماليًا: إذا تراجع الإستهلاك سيُقلّل حكمًا من مداخيل ​الدولة اللبنانية​ عبر إنخفاض مداخيل الضريبة على القيمة المُضافة. وهذا يعني أن العجز في ​الموازنة​ سيزداد تلقائيًا.

الإحتمالات

ماذا ستربح دول الخليج من ترحيلاللبنانيين العاملين لديها؟ وهل يُمكن أن تمضي قدمًا في هذا الإجراء؟

بإعتقادنا هناك أسباب جوهرية ستحول دون ترحيل اللبنانيين من دول الخليج. ففرض عقوبات ممزوجة بترحيلاللبنانيين سيدفع بلبنان إلى المحور الأخر وهذا الأمر هو عكس ما تُريده دول الخليج. وبفرضية أن هذا الأمر لم يحصل، فإن اللبنانيين غير قادرين على تغيير واقعهم وذلك بحكم التشرذم السياسي العامودي والأفقي والذي يمتدّ منذ الإستقلال وحتى يومنا هذا.

أيضًا، هناك تعقيدات تقنية لعملية التخلّي عن هذا الكمّ الهائل من العمالة مما يفرض فترة لا تقلّ عن عدّة سنوات لإستبدال العاملين اللبنانيين في دول الخليج بعمالة أخرى.

ولكن الأهم يبقى أن دول الخليج التي ساعدت لبنان ووقفت إلى جانبه في المراحل الصعبة، لا يُمكنها اليوم التخلّي عنه ببساطة لأن العلاقات المنسوجة مع هذه الدوّل أصبحت تتخطّى العلاقة التجارية البحتّةوالدليل أن التهديد بترحيلاللبنانيين لم يصدر عن سلطات خليجية رسمية، بل عن أشخاص غير رسميين.

داخليًا وفي خطابه الأخير، أعرب أمين حزب الله السيدّ حسن نصر الله عن "إنفتاحه على كل حوار ونقاش يجري"، وبالتالي نرى أن هذا الموقف اللّين يُسهّل من إستيعاب ​الأزمة​ في العلاقات اللبنانية – السعودية.من هذا المُنطلق، نعتقد أن الأزمة الحالية لن تقوى على العلاقات التاريخية التي تربط لبنان ب​الدول العربية​.

في الختام لا يسعنا القول إلا أننا مع ​النأي بالنفس​ السياسي عن كل القضايا التي تعصف بالعالم العربي، لكننا ضد النأي بالنفس الإقتصادي خصوصًا في تعاملاتنا مع دول الخليج والدول العربية الأخرى.