مرّة جديدة، تثبت المواهب اللبنانية تميّزها وإبداعها وتفوّقها خارج حدود الوطن. فقبل أن تعود آية القرى الى لبنان، لتأسيس شركة "Essence-Ciel" مع شقيقتها هدى القرى، لمع اسمها في مجال تنظيم الفعاليات في دبي، وحصدت عددا من الجوائز، كما لاقت التقديرات من جهات وشخصيات وشركات كبرى، إقليمية وعالمية.

اذ يُقال أن "الفرصة الحقيقية هي التي تغتنمها، لا التي تتصورها ممكنة فحسب"، وآية القرى لم ترواح مكانها يوما بانتظار الفرص، بل واظبت على البحث عنها لاغتنامها، وذلك من أجل شق طريقها في المجال الذي كرّست حياتها له.

كان لـ"الاقتصاد" مقابلة خاصة مع مؤسِسة شركة "Essence-Ciel"، آية القرى، للتعرف الى المراحل التي مرّت بها في مسيرتها المهنية، والصعوبات التي تواجهها خلال العمل في لبنان، بالاضافة الى رؤيتها لواقع المرأة في سوق العمل.

من هي آية القرى؟ كيف قررت تأسيس "Essence-Ciel" مع شقيقتك هدى؟ وهل تمكّنتما من إيصال خدمات شركتكما إلى خارج الحدود اللبنانية؟

تخصّصت في مجال الحقوق، أما هدى فاختارت الترجمة. وخلال حرب العام 2006 انتقلنا إلى دبي، وفور وصولنا كانت الصورة ضبابية حول مستقبلنا المهني. ولكن بعد فترة، بدأت بالعمل في شركة "Happening" لتنظيم الفعاليات (Event Planning)، وشركة الإنتاج التابعة لها "Shapes and Colors"، وهدى عملت في شركة متخصّصة بالإعلام والعلاقات العامة.

انطلقت مسيرتي في مجال تنظيم المهرجانات والفعاليات في دبي، منذ العام 2006، وقد تعاملنا مع عدد كبير من الشركات والشخصيات البارزة، وأهمها "مهرجانات دبي"، التي كانت تحت إدارة مكتب "مهرجان دبي للتسوق" آنذاك.

ولا بد من الإشادة بهذه التجربة، لأن "مهرجانات دبي" تعتبر المنصّة الأضخم في المنطقة إذ تركت بصمة بارزة على خريطة المهرجانات العالميّة، إن لناحية حجم الإنتاج أو التكنولوجيا المستخدمة أو الشركات العالميّة المشارِكة فيها أو طاقم العمل المميّز من جميع الاختصاصات والثقافات.

وفي العام 2011، عدنا إلى بيروت، وكانت هدى قد بدأت العمل مع شركة بريطانية متخصّصة في حقل التكنولوجيا، حيث كانت مسؤولة عن التواصل المؤسّسي والمؤتمرات والتسويق فيها.

في موازاة ذلك، أطلقت "جامعة القديس يوسف" في بيروت (USJ)، أول منهج أكاديمي لنيل شهادة الماجستير في المنطقة، في مجال تنظيم الحفلات والمهرجانات، وكنت من طلاب الدفعة الأولى.

في تلك الأثناء، قمت بتأسيس شركة "Essence-Ciel"، وفي العام 2013، تركت شقيقتي هدى رسميًّا كلّ الأعمال الأخرى لتنضم إليّ، وبدأنا معًا بتنظيم الأعراس والمناسبات والحفلات الخاصة بالشّركات والمؤسّسات الخيريّة.

وفي العام 2016، تزوّجت هدى وانتقلت للعيش في دبي، ومؤخراً انتقلت إلى القاهرة، الأمر الذي ساعدنا على إعادة تكوين قاعدة من الزبائن في دبي من جهة، وعلى نشر اسمنا في العاصمة المصرية من ناحية أخرى، مع الاستمرار بالعمل جنباً إلى جنب في بيروت بشكل مستمرّ. وصحيح أن كلّ واحدة منّا تعيش في دولة مختلفة، لكنّنا نعمل مع بعضنا البعض من أجل ضمان استمرارية شركتنا ونجاحها في لبنان، وقريباً في بعض الدول العربيّة.

ما هي العوامل التي تساعد "Essence-Ciel" على منافسة الشّركات الأخرى؟

هناك نسبة كبيرة من الشركات القوية العاملة في لبنان، كما أن عدد منظمي الأعراس اللبنانين الموهوبين يكاد يكون الأعلى في المنطقة. وبالتالي فإن كل شخص بحاجة إلى التركيز على جانب معيّن والتميز فيه، من أجل ترك بصمته الخاصّة، لأن المنافسة كبيرة في السوق المحلي والإقليمي.

بالمقابل، هناك عدد كبير من المنظمين في بيروت لا يمتلكون الخبرة الكافية في مجال تنظيم الحفلات والفعاليات؛ هؤلاء ينفذون أفكارا مستعارة من الغير بإنتاج متواضع لا يشكّل أيّ قيمة مضافة بالنسبة إلى العملاء، الذين يبحثون عادة عن المتمرّسين وأصحاب الخبرة والأفكار المميزة لتنفيذ مناسباتهم.

من ناحية أخرى، لا يتقن جميع المنظمين منهجيّة العمل المثلى من الناحية الإنتاجية، فقد يكون المنظم قادرا على تقديم الخطة أو فكرة الزفاف، لكنه لا يعرف بالضرورة كيفيّة تنفيذها بالشّكل الصحيح، والجودة والسرعة المطلوبتين.

أما في "Essence-Ciel"، فنركّز في عملنا على جميع تفاصيل الزفاف ونقدّم النصائح بكلّ ما يتعلّق بالتحضيرات وآخر صيحات الموضة والميزانية، فيشعر العملاء باهتمام متكامل على مدار الساعة. وهذه الرعاية المهنية والشخصيّة التي نوفّرها تجعلنا على علاقة قريبة من عملائنا الذين بنينا مع الكثير منهم صداقات وطيدة تمتد لأعوام.

ما هي الصعوبات التي تواجهكما خلال العمل في لبنان؟

سيكون من الظلم مقارنة لبنان مع الإمارات، لكن الصعوبات المحليّة تكمن في طريقة التّنافس، فهناك عدد من الزبائن الذين لا يميّزون بين منظم وآخر، بل يركّزون على الميزانية أكثر من النتيجة النهائية.

من جهة أخرى، إن وسائل التواصل الاجتماعي هي أقوى عامل جاذب في عملنا، وفي الوقت ذاته، أكثر عامل متعب؛ فالزبون يأتي أحيانا مع ميزانية محدّدة ومتواضعة ويصرّ على الحصول على زفاف يتعدى ميزانيته بأضعاف، وذلك بسبب صور وفيديوهات رآها عبر مواقع التواصل. وبالتالي فإن هذه المواقع قد تضع العملاء في صراع كبير، وقد تسبّب لهم الإحباط في بعض الأحيان. وبهذه الطريقة، سيصبح من الصعب إرضاء الزبون الذي سيبحث عن نوعيات أقلّ جودة، ويقارنها مع النوعيات عالية الجودة.

ونحن نؤكد أن هناك شركات متميّزة وعريقة نتعلّم منها، وشركات أخرى تتعلّم من "Essence-Ciel"، ولهذا السبب ليس من العادل المقارنة من دون معيار أو مؤشر محدد؛ وهنا تكمن مشكلتنا اليومية.

كيف تصفين نفسك اليوم كسيدة أعمال؟

لقد تخصّصت بالأساس في الحقوق وشقيقتي في الترجمة، وعملنا معا في مجال بعيد جدا عن اختصاصاتنا، لكن منذ صغرنا كنّا نحب تنظيم الحفلات في المدرسة، وخلال سنواتنا الجامعية الأولى عملنا مع الدولة اللبنانيّة في تنظيم أهم المؤتمرات كالقمة العربية والقمة الفرنكوفونية ومؤتمر الـ"أوبيك" في بيروت، وغيرها من المؤتمرات ذات الطابع الإقليمي والعالمي.

وممّا لا شك فيه أن عملي في "مهرجانات دبي" بعدئذ كان مفصليّاً في تنفيذ كبريات المشاريع المحليّة والعالميّة، كما أنّه يشكّل الميزة الأكبر التي تساعدني على التقدّم وتظهر جانباً واسعاً من خبرتي في تنظيم الاحتفالات.

ثم قرّرت الالتحاق ببرنامج الماجستير في تنظيم الحفلات والمهرجانات السياحية والثقافية في "جامعة القديس يوسف"، لكي أكتشف نواحٍ جديدة قد تساعد في تحسين مهاراتي وأدائي في مجال عملي.

وهنا لا بد من الإشارة الى أنّ الدراسة الجامعية والأكاديمية النظرية لا تكفي وحدها لكي يتعلم الانسان كيف يكون ناجحا في مجال الأعمال، إنّما التفاعل مع الآخرين والتّعامل مع التحديات هي عوامل تشكل الحجر الأساس في بناء مداميك الخبرة.

ومن أهم الدروس التي تعلّمناها:

أولا، تعلّمنا مع الوقت أن نثق بخدماتنا والمنتجات التي نقدّمها.

ثانيا، تعلّمنا ترسيم الحدود؛ فالناس لا يتعاملون مع بعضهم البعض بالطّريقة ذاتها، كما أن التوازن بين العاطفة والعقل أساسي في عالم الأعمال.

ثالثا، تعلّمنا ألا نأخذ الأمور بشكل شخصي.

رابعا، تعلّمنا من خلال الاحتكاك بأشخاص من مختلف الخلفيات والثقافات أن نصرّح عما يمكن تقديمه بشكل واضح ومن دون تنازلات ومن ثم نترك حرية الاختيار للعملاء.

خامسا والأهم، تعلّمنا أن نقول "كلا" في الأوقات المناسبة.

ما هي مشاريعكم المستقبلية؟

نطمح إلى الانتشار بشكل أكبر، وتوسيع قاعدة زبائننا لا سيّما في الوطن العربي.

كما أن هدى انتقلت مؤخرا الى القاهرة، حيث سوق منظمي الأعراس بمفهومه الحديث، لا يزال جديدا بالمقارنة مع بيروت. وبالتالي نسعى إلى التوسّع نحو مؤتمرات الشّركات والجامعات الكبرى في لبنان والخارج، لأن قلائل هم الذين يعملون في هذا المجال، خاصة في لبنان.

هل نجحتما في تحقيق التوازن بين عملكما وحياتكما الخاصة؟

في الواقع، التوازن شبه غائب لأننا نعيش بعكس الناس؛ ففي الوقت الذي يكون فيه غالبية الأشخاص يستمتعون في فترة العطلات نكون نحن في العمل، وفي الوقت الذي يحضر فيه الناس حفلات الزفاف للاستجمام مع عائلاتهم وأصدقائهم، نكون نحن في خضمّ عملنا، نبذل كل ما نملك من طاقة لتحضيرها وتنفيذها.

كما أننا نعالج الضغوط التي قد يسبّبها العملاء، لأننا نعمل مع أشخاص على تنظيم أهم مناسباتهم التي تجتمع فيها الكثير من المتناقضات، كالأمنيات الوردية الكبيرة والتفاصيل الدقيقة من جهة، مقابل ميزانية محدّدة ووقت ضيق من جهة أخرى.

وبالتالي فإن حياتنا مقلوبة رأسا على عقب، وهذا الأمر يشكل تحدّيًا كبيرًا لناحية تحقيق التوازن بين العمل والحياة الخاصة.

ما هي نصيحة آية القرى الى المرأة؟

المرأة متفوّقة لناحية قدرتها على أداء مهمّات عدّة في الوقت ذاته، كما أنّها تتحلّى بالصبر والهدوء والرّصانة. فالرجل قد يكون أقوى، لجهة بنيته الجسدية وعدم تأثّره العاطفي، لكن هناك مجالات بحاجة إلى ذكاء عاطفيّ بالغ؛ فأي مجال متعلق بالتعاطي مع أطراف ثالثة، وتنوّع في المهام في وقت واحد، يتطلّب حتمًا وجود أنثى لتحقيق النتائج المرجوّة.

لذلك، أقول لكل امرأة طموحة في مختلف المجالات، ألا تنتظر الفرصة لأنها لن تأتِ وحدها، بل يجب أن تحارب وتكون مستعدّة لتلقّي الكثير من الضّربات. ولكن عليها الوقوف بعد كل ضربة، وإثبات نفسها وقدراتها أينما حلّت.

فأنا شخصيا، لو انتظرت الفرصة فور عودتي إلى بيروت، لكنت حتّى يومنا هذا لا أعمل في مجال تنظيم الحفلات. وبالتالي حاربت وضحيت وروّجت لنفسي وخدماتي، ولم أستسلم يوما.

فقد عملت في الماضي في الإمارات، ونجحت، وحصلت على عدد من الجوائز، وبالتالي كان من الصعب عليّ، من الناحية التفسيّة والمهنيّة، العودة إلى لبنان حيث لا يعرفني أحد. ولو توقّفت عند هذا الحدّ لكنت أصبت بالإحباط، وغادرت البلاد بعد فترة قصيرة، إنما حاربت لأنني لم أمتلك أي خيار بديل.

لهذا السبب، على المرأة أن تحارب من أجل إثبات نفسها؛ فأي شخص يتمتع بالإرادة الصّلبة سيصل الى النجاح لا محالة.