ان تأثير ​الشيخوخة​ على النمو ليس واضحاً حتى تاريخه ، لكن لا يمكن إنكار التأثير الناجم على المالية العامة ، لأنه يزيد من النفقات التقاعدية. ومع ذلك، فإنه ليس السبب الرئيسي لزيادة الإنفاق على الرعاية الصحية ، لأنه يعود أساسا إلى ارتفاع تكاليف الرعاية ذات الصلة بتقدم التقنية الطبية.

ويعتبر المختصون أن تحّول جانب كبير من السكان من منتجين إلى مستهلكين أحد أهم سلبيات الشيخوخة التي ستؤثر بشكل كبير على قدرات المجتمع الادخارية، ومن ثم الاستثمارية، وبالتالي آفاق النمو في اقتصاديات العالم. وكما يقول الخبير البريطاني في علم السكان ومستشار البنك الدولي لشؤون التنمية د. كين مارتن: "أن تنامي أزمة الشيخوخة" في عدد من البلدان، منها بريطانيا، قضية أصبحت عنصرا ضاغطا يستنزف موارد الميزانيات العامة، فعلى سبيل المثال صناديق المعاشات ورؤوس أموالها حاليا تقدر بالمليارات ورغم ذلك فهي لا تكفي وتعاني دائما عجزا ماليا".

وفي لبنان ، الشيخوخة بحاجة الى الحماية اليوم قبل الغد مع ارتفاع مؤشرات الفقر الى حد الخط الاحمر . وبعد دخول قانون إفادة المضمونين فوق سن ال 64 في حيذ التنفيذ في تشرين الاول الفائت ، تتابع اليوم اللجنة النيابية الفرعية برئاسة النائب عاطف مجدلاني مقترحي قانون (مشروع قانون وإقتراح قانون) يهدفان الى تأمين معاش تقاعدي للعاملين في القطاع الخاص، ذلك إنطلاقاً من مشروع قانون نظام التقاعد والحماية الإجتماعية المحال إلى مجلس النوّاب بموجب المرسوم رقم 13760 تاريخ 15/12/2004.

ومن المعلوم ان إصدار القانون رقم 27، تاريح 10 شباط 2017، والرامي الى تأمين الرعاية الصحيّة إلى الاشخاص اللبنانيين المضمونين الذين توقّفوا عن العمل بصورة نهائية بعد بلوغهم سن نهاية الخدمة، أدَّى إلى فصل التغطية الصحية للمتقاعدين وأفراد عائلاتهم عن نظام التقاعد ممَا يريح هذا النِظام ويُخفِّف من أعبائه.

وكانت اللجان المشتركة في المجلس النيابي أقرّت المشروع المذكور بتاريخ 28/10/2008، بعدما أدخلت بعض التعديلات عليه الا ان الإعتراضات على المشروع لا سيّما من الهيئات العمّاليّةأعاقت عرضه على الهيئة العامة لمجلس النوّاب لدرسه وإقراره.

وتتلخّص الإعتراضات على المشروع بالأمور الآتية:

أنه لم يحدّد قيمة المعاش التقاعدي بشكل صريح بل ربطه بمكوّنات الحساب الفردي وعائدات الإستثمار.

أنه لم ينصّ صراحة على مقدار الحد الأدنى للمعاش ونسبته في متن القانون وتركه لقرار يصدر عن مجلس الوزراء.

أنه اكتفى بضمانة الصندوق للحد الأدنى للمعاش، بينما يقتضي أن تضمن الدولة الصندوق أو على الأقل المعاش، تداركاً للمخاطر التي قد يتعرّض لها الصندوق.

أنه ألزم الأشخاص الذين لم يبلغوا الخامسة والخمسين مكتملة بالخضوع له، ولم يترك لهم الخيار في هذا الإنتساب.

أنه لم يضمّن الحساب الفردي الاشتراكات المتوجبّة على صاحب العمل والاشتراكات المقتطعة من كسب الأجير وغير المسدّدة.

أنه لم يتضمّن طريقة تعديل تشكيل مجلس الإدارة.

أمَّا الهيئات الإقتصادية فأهمّ اعتراضاتها كان في إصرارها، وما زال، على إناطة إدارة هذا النظام إلى مؤسّسة عامّة مستقلّة محدثة وحديثة، وتفضيل فصل الرعاية الصحيّة للمتقاعدين وأفراد عائلاتهم عن نظام التقاعد منعاً لإرهاقه بكلفتها الباهظة، وتحويلها إلى فرع ضمان المرض والأمومة أو إلى نظام صحّي يشمل كافّة اللبنانيين.

خليفة

وفق الخبير الاستشاري في قضايا الضمان الاجتماعي والعمل جوزف خليفة "لاول مرة تقدم ورقة توصيات مشتركة من قبل كل من البنك الدولي ومنظمة العمل الدولية بشأن مشروع القانون ، سيما وان اهتمامات البنك الدولي عادة تنحصر في القضايا الاقتصادية والمالية فيما منظمة العمل ترّكز على الناحية الاجتماعية.

ويقول خليفة " للاقتصاد" كان كل من البنك الدولي ومنظمة العمل الدولية قد قدما عدة توصيات بِشأن المشروع ضمن ورقة موحدة جمعت الفكر المالي والاجتماعي ، بناء لطلب وزير العمل السابق بطرس حرب الذي عمل على المشروع بين عامي 2010 و2011وهي تتضمن :

1- دعم صيغة الإشتراكات الإفتراضية Notional Defined Contribution

بما يؤمّن تقديم معاش تقاعدي لا يقل عن 40% من الراتب الأخير بعد 30 سنة من تسديد الإشتراكات، أي نسبة استبدال بواقع 40%.

2- مواجهة المخاطر على المعاش التقاعدي

بهدف حماية الدخل التقاعدي، يتم اعتماد عائد إفتراضي على الإشتراكات Real Notional Rate of Return مع حدٍّ أدنى بقيمة 2%.

3- المعاش التقاعدي ومؤشر غلاء المعيشة

يتمّ إعادة تقييم المعاش التقاعدي بشكل تلقائي على أساس غلاء الأسعار وفق مؤشّر غلاء المعيشة كما تقرّره إدارة الإحصاء المركزي للمحافظة على القيمة الشرائيّة للمعاش التقاعدي.

4- نسبة الإشتراك

تمكيناً من تأمين نسبة استبدال لا تقل عن 40% وتأمين العائد الإفتراضي المضمون يقتضي إعادة النظر في الإشتراكات وفق معايير أكتواريّة تضمن الحفاظ على ملاءة النظام، ويقتضي إجراء مراجعات ودراسات أكتواريّة دوريّة للنظام، على أساس مرّة كل ثلاث سنوات على الأقل.

5- معادلة الإستثمار

النّصح بسياسة استثمار تقضي ياللجوء إلى سندات خزينة خاصّة مع إبقاء جزء من الأموال (حوالي 20% من قيمة الإشتراكات) لتأمين السيولة اللازمة لتأمين المنافع القصيرة المدى.

6- الحوكمة

إدارة ثلاثيّة مشتركة (Tripartite) تجمع كافّة الأطراف المعنيّة بالتقاعد بهدف وضع الأسس لقيام إدارة فعّالة ومجدية وشفّافة للنظام، ولتأمين استثمار الأموال وفق المعايير المهنيّة المناسبة. وعلى أن تقوم الحكومة، لقاء ضمانتها، باستدانة الأموال من النظام التقاعدي.

7- ضمانة الحد الأدنى للمعاش التقاعدي

بموجب دراسة أكتوارية.

8- تغطية النفقات الطبيّة للعمّال المتقاعدين وعائلاتهم

تشجيع إنشاء سلاّت تعاضديّة واسعة النطاق، ويفضّل إدراج المتقاعدين وعائلاتهم في صندوق ضمان المرض والأمومة، على أن يتم درس الآثار الماليّة ومعدّلات الإشتراك للعاملين والمتقاعدين من خلال دراسة أكتوارية.

منظمة العمل الدولية

ويتابع خليفة بعدما اعيد المشروع الى اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجنة النيابية المشتركة في 2012،في العام 2013، وبناء لطلب وزير العمل أنذاك سليم جريصاتي، قدم كبير خبراء منظمة العمل الدولية، بيار بيلاموندون، دراسة اكتوارية استند فيها على مشروع قانون التقاعد والحماية الاجتماعية وقد اوصى بـ:

1- إضافة الفائدة النظرية (National interest Rate) إلى الحسابات الفردية، بما يوازي معدل التضخم زائد 2,0%. وفي حال تقررت إضافة سعر الفائدة إلى الحسابات الفردية. كما يساوي معدل عائدات الصندوق (أي بحد أدنى يساوي معدل التضخم زائد 2%)، يجب إنجاز تطبيق المعايير الدنيا خلال كامل فترة تسديد الاشتراكات، على قاعدة أن الضمانة هي على طول فترة تسديد الاشتراكات، وليس على قاعدة سنة بعد سنة.

2- تحديد سقف الايرادات بواقع 4 أضعاف الحد الأدنى للأجور.

3- تحديد متوسط الإيرادات لتطبيق ضمانات التقدمات الدنيا كمتوسط الإيرادات خلال كامل السيرة المهنية بعد إعادة تقويمها وفق مؤشرات مناسبة. وخلال المرحلة الانتقالية، يجب احتساب معدل الأعوام الخمسة الأخيرة في 2015، على أن تتم زيادتها سنة واحدة عن كل سنة بعد 2015.

4- تحديد سن التقاعد العادي في مرحلة أولية بـ 64 سنة، على أن يتم رفعه تدريجاً، تماشياً مع الزيادة في متوسط مدى الحياة. مع وجوب إتاحة التقاعد المبكر بدءاً من سن الـ 58 بعد إدخال معادلة أكتوارية ملائمة على معاش التقاعد.

5- تحديد الحد الادنى للمعاش التقاعدي بـ75% من الحد الأدنى للأجور.

6- قبل التقاعد، يجب أن يوازي تعويض الخلفاء 40% من متوسط الإيرادات في كل الحالات (لا تناسبياً)، لتقاسمه بين الخلفاء بعد تسديد الاشتراكات لفترة لا تقل عن الـ51 سنة.

7- يجب أن يساوي معاش العجز 40% من متوسط الإيرادات بعد 15 سنة من تسديد الاشتراكات.

8- وأن يكون المعاش متناسباً مع فترات الاشتراك الأطول على ألا يتجاوز 60% من متوسط الايرادات حداً أقصى. كذلك يجب اعتبار العجز الجزئي في حال بلغت خسارة القدرة على تحقيق الايرادات 75% على الأقل.

9- تحديد معدل الاشتراك في الخطة بـ 15% على أن يتقاسمه الأجراء وأرباب العمل وفق نسب يتم تحديدها لاحقاً.

10- من الضروري إظهار نفقات التقدمات على نحو منفصل في البيانات المالية الخاصة بالخطة (1) معاشات التقاعد الأساسية المشتراة من الحسابات الافتراضية المتراكمة/ المجمدة (2) التقدمات الإضافية المرتبطة بالحد الأدنى لمعاش الشيخوخة (3) التقدمات الإضافية المرتبطة بالحد الأدنى لمعاشات العجز.

11- ينبغي تحديد الحسابات الفردية الأساسية للمشتركين في الضمان الاجتماعي الذين سينتقلون إلى النظام الجديد على نحو يتساوى مع القيمة الصحيحة لحساباتهم المتراكمة في إطار تعويض نهاية الخدمة بتاريخ سريان الخطة الجديدة.

12- يقوم صندوق التقاعد بتوظيف أمواله في السندات الحكومية القابلة للتداول والطويلة الأجل.

ويلفت خليفة الى ان اليوم المؤشرات تلحظ انه سيتم الاستناد مجدداً الى دراسة إكتوارية علماً انه يجب قبل اي شيء آخر وجود قرار سياسي حول بنية هذا المشروع الهام الذي من المفترض ان يشمل كل اللبنانين بدون اي استثناء إسوة بالدول المتطورة التي تحترم حقوق مواطينيها.

في ضوء ما يواكب دراسة هذا المشروع القانون الذي وُعد به اللبنانييون منذ عهود سابقة من تناقضات حول الآراء في بعض بنوده بدءاً من المشمولين فيه ،مروراً بتقديماته وتمويلها وصولاً الى ادارته، يبدو ان هناك مطبات كثيرة ان لم يتم تجاوزها بإتقان سيكون الفشل بالمرصاد سيما وان قانون إفادة المضمونين من الضمان الصحي بعد سن ال64 لا يخلو من الشوائب، رغم الوقت الطويل الذي استغرقه درسه. وفي غضون ذلك ، لا يمكن الاسترسال في التحمّص في الدراسات كي لا يكون عامل الوقت عدو شريحة كبيرة مستفيدة من القانون المذكور هي في تزايد متصاعد ، سيما وانه بعد اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجنة النيابية المشتركة سيكون المشروع امام لجنة الادارة والعدل ليسلك بعدها طريقه الى الهيئة العامة لمجلس النواب .