لطالما عُرف لبنان بأنه البقعة الصغيرة الخضراء التي نراها من نافذة الطائرة.. ويميزها عن البلدان المجاورة.. للأسف مع الوقت بات جوهر طبيعتنا في خطر في ظل التهميش البيئي الذي نعيشه...

إلا أن هذا الحال لا يمكن أن يُعمم في ظلّ وجود شُبان في لبنان يؤمنون بطبيعته وحضارته، ويستخرجون الطاقة الإيجابية من رونق بيئته..

شخصيتنا اليوم تتحدث عن رجل لبنان، عشق الطبيعة من طفولته، فقرر أن يرافقها ويحافظها في مسيرته الأكاديمية والمهنية، إتجه إلى إيطاليا ليدرس المجال الذي يستنبط منه سلامه الداخلي.. ورغم حصوله على منحة وتصدره للمراكز العليا في جامعته، قرر أن يعود إلى لبنان ليقدم لبلده الخبرات التي إكتسبها في الخارج..

لأن الحفاظ على الطبيعة ليس من الكماليات.. بل من "الحتميات" ..

عمله ينعش لبنان من خلال جرعات طبيعية من الأوكسيجين تطفو في أجواء بلدنا الصغير الذي يعاني من التلوث البيئي..

تمكن هذا الشاب من خلال شركته الخاصة أن يتسلم مشروعاً بقيمة 3 مليون دولار وكان مشروعه الأول في السوق اللبناني، كما انه ساهم في خلق علاقات إقتصادية مشتركة بين الأسواق الأوروبية واللبنانية.. ويتطلع في المستقبل لتحقيق مبادرة تحوّل سطوح بيروت إلى بقعة خضراء.

ولنتعرف أكثر على هذه الشخصية النموذجية كان لـ"الإقتصاد" لقاء حصري مع المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة " EZ Landscape" إيلي زمرود الذي شاركنا أبرز محطات حياته الأكاديمية والمهنية وتطلعاته المستقبلية للبنان.

-من أين كانت البداية؟

تخصصت في مجال هندسة تصميم وتنسيق الحدائق في جامعة " Sapienza University of Rome " بإيطاليا والتي تضم أيضاً مجال التنظيم المدني وكل ما يتعلق بالحدائق والمجال الخارجي للهندسة الزراعية.

بعد 6 أعوام في إيطاليا قررت أن أعود إلى لبنان في العام 2010، وإستقريت بشكل تام في العام 2011.

-كيف ساهمت طفولتك في بلورة مسيرة حياتك المهنية؟

والدي تخرّج من جامعة " Gembloux Agro-Bio Tech" البلجيكية، حاملاً معه شهادة بالهندسة الزراعية، وهو يعمل في هذا المجال منذ أكثر من 40 عاماً.

قد يعتبر أنني تخصصت في المجال نفسه، لأتابع مسيرة الوالد، إلا أن الوضع كان مختلفاً، فلقد "تشربّت" حبّ الطبيعة منذ طفولتي.

فكان عمري لا يتجاوز الـ12 عاماً كنت أتجه مع والدي إلى مواقع تنفيذ المشاريع، كنت أشاهد يومياً كيف تنمو هذه الحدائق أمام عيني، وكانت تلفتني كثيراً فكرة تأسيس المجال الخارجي للمنزل ، وحتى الآن أحتفظ بصور لهذه المشاريع التي مضى على تنفيذها مدة تجاوزت الـ35 عاماً قبل وبعد التنفيذ.

وقررت عند عمر الـ16 عاماً أن أتخصص في هذا المجال، ووجدت أن إيطاليا هي البلد الأنسب لأحصل على هذه الشهادة، فلطالما عُرف الإيطاليون بإنتاجهم وتصديرهم للنباتات، وبجودة قصوى تسمح لهم بالتصدير إلى الشرق الأوسط، أوروبا والعديد من البلدان الأخرى.

تُعرف إيطاليا بحبها للفن والهندسة، لذا إنطلاقاً من كل هذه العوامل قررت أن أتجه مباشرة إليها، ولكن بالطبع خضت لدورة لغة، واللافت أن حبي للغة الإيطالية اليوم، تحوّل إلى شغف ملموس إذ بت أدرّسها في لبنان.

وتمكنت في الجامعة من الحصول على المركز الثاني في كليتي من أصل 400 طالب إيطالي وحصلت على منحة أيضاً.

وبعد ذلك عدت إلى لبنان.

-كيف ساهمت في الربط بين السوق اللبناني والإيطالي؟

عندما كنت في إيطاليا إختلطت بمجتمعهم وثقافتهم، ورحبوا في الوقت نفسه بوجودي بينهم كلبناني وطلبوا مني بعد أن أدركوا أني أتقن 5 لغات أن أسهم في إدخالهم إلى الأسواق العربية، وكان لدي سلسلة لا يستهان بها من العلاقات العامة.

وبات هنالك تعاون مشترك مع أساتذتي في الجامعة وعملنا على مشاريع سوياً تضمنت أيضاً الإستشارة وتبادل معارف وخبرات. وهذا كان بمثابة أساس متين مكنني من العودة إلى لبنان بشكل قوي ومتسلح بالخبرة والعلاقات.

-بعد دراستك الأكاديمية والتنفيذية لإختصاصك في روما، صف لنا أولى مراحل عملك في لبنان؟

فور عودتي إلى لبنان، عملت على مشروع مكان مخصص للأعراس، الذي يعتبر الرقم واحد في البلد،نجاح هذا المشروع برأيي يعود لجهود فريق العمل المشتركة.

كان عمري 22 عاماً وكنت إستلم مشروع تفوق قيمته الـ3 مليون دولار، ورغم سني هذا تمكنت مع المهندس من الوصول إلى النتيجة المرجوة.

-بالحديث عن العمر، كيف تمكنت من أن تقنع صاحب مشروع ضخم كهذا بقدراتك المهنية رغم سنّك اليافع؟

في البداية والدي كان يعرف أصحاب المشروع الذين طلبوا اليه إستلامه، وإستناداً إلى كوني متمكّن من شقّ الخرائط يحيث أستطيع ترجمة أفكاري على الورق، تمكنت من تطوير المفهوم على البرامج المتخصصة وقدمته للزبون ووافق عليه. وقد أُعجب بالفكرة التي تتحلى بالروح الإيطالية - الشرق أوسطية، وبعد الموافقة أتجهنا مباشرة لإيطاليا لإحضار البضائع كلها.

ولم يساعدني والدي في التنفيذ لأنه أحبّ أن أقوم بهذه التجربة بنفسي لكي أتعلم منها، رغم أنه كان يراقب سير العمل عن بعد ويعطيني بعض النصائح والإرشادات.

وبدأ إسمي يتبلور في السوق خلال عملي على مشروعي الأول، فكان العديد من الأشخاص يتسائلون عن الشخص المسؤول عن هذا المشروع ، ويمكنني أن أعتبر أنه هنا كانت البداية.

-إلى أي مدى تعتبر أن السمعة الطيبة تؤثر إيجاباً على سير عملكم خاصة أن مشاريعكم تعتمد على النباتات التي قد تأخذ وقتاً لتنمو وتظهر؟

بالطبع السمعة الطيبة، المصداقية والإلتزام بتسليم المشروع بالوقت المحدد، كلها خصائص مهمة لإسم الشركة وصاحبها في السوق، وبرأيي العنصر الأهم هو تواجد الشخص المسؤول أو صاحب الشركة في الميدان، وأن لا يوكّل هذه المهمة لأي موظف آخر أو مندوب عنه، لأن الشخص المندوب لن يقوم بالمهمة كأنها له على عكس صاحب الشركة.

برأيي سر النجاح يكمن بوجود المهندس أو صاحب الشركة شخصياً على الأرض، وأن يساعد العمال، هذا التموضع يعطي صورة إيجابية تقتضي بأن صاحب الشركة يعمل بضمير وكأن المشروع، مشروعه.

-هل تعتبر شركتك إمتداداً لشركة الوالد؟

تأسست شركة الوالد "Tropica" في العام 1975، أما عن شركتي الخاصة " EZ Landscape"، فعندما عدت إلى لبنان قمت بدراسة للسوق وبعد عامين وفي العام 2013 قمت بدراستي النهائية ووجدت الطريق الذي يجب علي إتباعه لتأسيس شركتي التي بالطبع تتماشى من شركة الوالد، ولكن هذه الشركة أسستها من الألف للياء، ويمكنني أن أعتبر أن الشركتين يكملان بعضهما البعض.

-بالإضافة إلى عمل التنسيق والتصميم، هل لك أن تخبرنا أكثر عن كيف تمكنت شركتكم من إستلام المشاريع كاملة لتتضمن الشق الهندسي أيضاً؟

دراسة السوق التي قمت بها سمحت لي بإكتشاف الخدمات التي بإمكاني تقديمها للزبائن، وبالتالي قررت ألا أحصر مهامي بالمشتل وتصاميم هندسة الريّ والحدائق، وسعّت هذا النطاق وأسست مكاتباً خاصاً بي وهو " EZ Landscape" ،كما ذكرت سابقاً، الذي نقدم من خلاله كل الخرائط التنفيذية إبتداءاً من الهندسة الخارجية وصولاً للداخلية منها، وتتضمن هذه العملية: هندسة الحدائق والريّ، هندسة الإنارة، والهندسة المعمارية وصولاً إلى رخصة التنفيذ.

يختار الزبون إذا كان يود أن ينفذ المشروع بنفسه أو تحت إشرافنا بالكامل. كذلك نقدّم له تعاقدات فرعية مع شركات تنفذ المشروع تحت إشرافنا، أو قد يختار أن نقدم له المشورة.

-ما هي رؤيتك للمجال البيئي؟

أتطلع قدماً لتأسيس مشروع أو مبادرة “Green Beirut” وقد قدّمه زميلي لبلدية بيروت سابقاً، إلا أنه لم يحظ بالدعم الكافي.

إنطلقت الفكرة من صورة لبيروت بوضعها الحالي من الأعلى، وتم مقارتنها بصورة معدّلة توضح كيف يمكن لبيروت أن تحتفل بجمالها إذا "لبست" مبانيها العالية الثوب الأخضر.

هذا المشروع الذي نتطلع لتنفيذه على سطوح بيروت يخفف نسبة التلوث بنسبة تقارب الـ50%. كما أنه لا يؤثر على أساسات المباني لوجود العديد من الأصناف التي تعيش ضمن نطاق الأحواض.

-ما هي أبرز العراقيل التي واجهت مسيرتك المهنية وكيف واجهتها؟

نمط عملنا يُشكل تحدياً يومياً بالنسبة لي خاصة انه لا يعتمد على الغذاء والدواء، وقد يُعتبر من المجالات الكمالية أم الفاخرة، في ظل مرور البلد بأوضاع متقلبة بشكل دوري.

وقد تخللت مسيرتي بعض المراحل العصيبة بعد إستشهاد رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري، حرب تموز، ومؤخراً الحرب في سوريا، التي أثرت تجارياً على لبنان خاصة بعد إغلاق الحدود.

في هذه المرحلة قررت أن أحمي نفسي من كثرة المصاريف، وأسست شركتي بطريقة لا تتطلب مني توظيف عدد كبير من الموظفين، كذلك قمت بتوسيع نشاط عملي ليشمل الشق الإستشاري والتعاقدات الفرعية أيضاً.

- ما هي رسالتك للشباب اللبناني؟

برأيي نحن متجهون نحو مرحلة إزدهار في لبنان ومحيطه، لكننا كجيل شاب نحبّ السرعة لذا علينا أن نتحلى بالصبر، وعلينا أن نكون جاهزين، فالإزدهار على الأبواب وهذه رسالتي لطلاب الجامعات الذي يسعون لهجرة البلد، أقول لهم، أنا شاب مثلكم، وعشت تجارب صعبة ولكنني صمدت وصبرت إلا أن حققت أحلامي.

أقول للشباب أن لا يترددوا في تحقيق أحلامهم وأدعوهم لأن يباشروا في تنفيذها لأن أصحاب الشركات تحبّ أن تتعامل مع الشباب ذو خبرة، إطلاع ومتابعة لآخر الصيحات والمستجدات.

وعلى صعيد منفصل، وكوني أستاذاً للغة الإيطالية في بيروت، وهي موهبة إكتشفتها حديثا، أود أن أنصح كل طالب وخريج لبناني أن يؤمن بقدراته وألا ييأس فمقابل كل منحدر، قمتين. تعلموا من أخطائكم، لأن من لا يخطأ لا يتعلم، وليس من المعيب أبداً ان نعترف بأننا لا نعرف معلومة ما، وإسعوا لكي تتعلموا معلومة جديدة كل يوم، فهذا يعكس مصداقية وإصرار على المعرفة.

ومن خلال ما أشهد يومياً في مجال العقارات والهندسة، أعتقد أن إنطلاقة العالم العربي ستنبع من لبنان، الإقتصاد في دربه نحو الإنتعاش، أما على الصعيد الداخلي فنحن نشهد في لبنان حالة من زحف الإستثمارات خارج بيروت ، وأتمنى ان يحقق هذا مبدأ النمو المتوازن.

وها أن مثال حيّ، عُدت لإستثمر في بلدي، علماً أني قادر على العمل في أميركا ، استراليا أو أوروبا، ولكني أود أن أنجح في قلب وطني لبنان.