استضافت ندوة "​حوار بيروت​" عبر أثير إذاعة لبنان الحر، من مقر الإذاعة في أدونيس، مع المعدة والمقدمة ريما خداج، بعنوان "بعد إستقالة رئيس الحكومة سعد الحريري، ما هو وضع الليرة اللبنانية؟ والودائع؟ وأي تداعيات على الإستقرار؟ وعلى تماسك القطاع المصرفي وعلى التصنيف الإئتماني وعلى الإقتصاد؟" رئيس قسم الأبحاث والدراسات الإقتصادية في مجموعة بنك بيبلوس د. نسيب غبريل، والخبير الإقتصادي د. إيلي يشوعي.

بداية قال د. نسيب غبيرل أن "وضع الليرة مستقر، فلبنان يمر في أزمة سياسية مع إستقالة الرئيس سعد الحريري من الحكومة، ولكن لا يوجد ازمة سيولة او أزمة نقدية أو مصرفية، وسعر الصرف مستقر .. ولقد شهدنا بعض التحويلات من الليرة اللبنانية إلى الدولار بمبالغ متوقعة ومقبولة جداً، وبالمقابل لم نشهد أي خروج للودائع من القطاع المصرفي إلى خارج لبنان .. هناك الكثير من الإتصالات التي تلقيناها من المودعين في لبنان وفي بلاد الإغتراب للإستفسار عن الوضع، ولكن حتى الأن لا يوجد اي داعي للخوف ولا يوجد أزمة سيولة في المصارف اللبنانية".

وأضاف غبريل "لا يوجد هلع ولا خوف، والأزمة الحالية بعيدة كل البعد عن الصدمات الكبرى التي أدت إلى تحويلات كبيرة من الليرة إلى الدولار في السابق، كحادثة إغتيال الرئيس رفيق الحريري في الـ 2005 أو حرب تموز 2006 ... أضف إلى ذلك أنه لا يجب ان ننسى بأن العام 2013 شهد إستقالة لحكومة الرئيس ميقاتي، وبعد ذلك بفترة دخلنا في الفراغ الرئاسي الذي إستمر سنتين ونصف، ورغم كل ذلك حافظت الليرة على إستقرارها ولم نشهد أي ضغط على العملة الوطنية أو أي خروج للودائع إلى الخارج .. وبالتالي فإن الأزمة التي نمر بها اليوم أقل تهديدا من الأزمات التي شهدناها في السنوات القليلة الماضية".

وفي سؤال للزميلة خداج عن مصير الليرة اللبنانية لو لم يتم إعتماد السياسة النقدية الحالية من قبل مصرف لبنان خاصة خلال الأزمات الكبيرة .. قال غبريل "لا شك ان هناك قلة ثقة في لبنان، ولكن قلة الثقة ليست بالسياسة النقدية، بل بالطبقة السياسية الحاكمة، وبعدم وجود إرادة فعلية لدى السياسيين في تطبيق الإصلاحات التي تخفف حاجات الدولة للإستدانة ... ففي الوقت الراهن لا يمكن تطبيق أي سياسة نقدية أخرى غير السياسة المتبعة حاليا، لان العجز إلى تفاقم خاصة مع إقرار سلسلة الرتب والرواتب دون أي إصلاح إداري في المؤسسات، إضافة إلى فرض سلة ضريبية جديدة بدلا من التوجه نحو كبح الإنفاق ومكافحة مزاريب الهدر والفساد .. إذا الخيار الوحيد اليوم هو إتباع سياسة تثبيت سعر صرف الليرة".

بدوره إعتبر الخبير الإقتصادي د. إيلي يشوعي "أنه عادة يقاس نجاح أي سياسة رسمية بمدى ثقة الناس بهذه السياسة، وإذا أردنا ان نقيس نجاح السياسية النقدية في لبنان فعلينا أن نقيس ثقة الناس بالليرة اللبنانية .. وثقة اللبنانيين اليوم بالليرة هي ثقة ضعيفة جداً، والسبب بسيط .. فنسبة الودائع بالدولار الأميركي في المصارف اللبنانية تصل عمليا إلى 70%، وهذا يعني أن معظم المودعين يفضلون إيداع أموالهم بالعملة الأجنبية بدلاً من الليرة، وبالتالي هذا يدل على عدم ثقة بكل هذه السياسة التي يتم إنتهاجها منذ العام 1993 وحتى اليوم، والتي يطلق عليها سياسة إستقرار نقدي، في حين أنها عملياً هي سياسة تثبيت نقدي، والفرق شاسع بينهما".

وأضاف "كل الفوائد وكل المكافئات التي وزعت لكل المودعين بالليرة اللبنانية لم تنفع في خلق الثقة اللازمة والضرورية ... علماً انه إذا نظرنا إلى كافة دول العالم نجد ان 15% من الودائع هي بالعملة الأجنبية كحد أقصى، في حين ان باقي الودائع هي في العملة الوطنية او المحلية، وهذا يعني ان هناك ثقة بصنّاع السياسات المالية والنقدية وبالقيمين عليها".

أما بالنسبة للسؤال عما إذا كان هناك خوف على الليرة قال يشوعي "عندما تبلغ موجودات البنوك 170 مليار دولار، ويكون أكثر من 120 مليار دولار من هذه الموجودات بالعملات الأجنبية فهذا يعني أن الليرة ليست بخير، لأنه لا يوجد ثقة بالسياسة النقدية المتبعة، فلا يجب إطلاق إسم سياسة إستقرار عليها، بل هي سياسة صلب، سياسة تثبيت، سياسة عدم مرونة، سياسة إرتفاع كلفة الإقتصاد في الأسواق الخارجية، وسياسة تراجع القدرة التنافسية للصادرات اللبنانية ... فالدول كلها بدات بالتصحيح، وسارت بالمرونة النقدية، في حين اننا مازلنا نسير في هذه السياسة المكلفة على كل الصعد داخلياً وخارجياً ... فمصر اليوم تنافسنا بقوة بعدما إعتمدت المرونة النقدية وحررت سعر الصرف، ونحن لا نستطيع أن نجاريها".

ولفت يشوعي إلى أنه "لا يجب أن ندعي بأننا أكثر معرفة وحنكة من الأميركيين والاوروبيين بالمسألة النقدية، فالعالم كله يعتمد المرونة اليوم، لأن المرونة هي السبيل الوحيد لتصحيح الأوضاع الإقتصادية .. والإستمرار بهده السياسة هو نوع من الإنتحار الإقتصادي الجماعي لهذا البلد المتهاوي في السياسة وفي الإقتصاد".