في الوقت الذي يرتقب ال​لبنان​يون بخوف عودة ازمة النفايات مع وصول مكبي برج حمود وكوستا برافا الموقتين الى حدود الاستيعاب القصوى ، وفي الوقت الذي تستفحل ازمة الكهرباء المزمنة ، وتثار بسببها ازمات سياسية عاصفة ، برزت في الاسابيع القليلة الماضية فرصة ذهبية لحل الازمتين معا ، حلا علميا وبكلفة زهيدة للغاية ، يخشى ان تضيع كما ضيعت الطبقة السياسية فرصا سابقة.

فقد استضافت ​ايران​ وفدا اعلاميا لبنانيا ، جال على معامل انتاج الكهرباء وفرز النفايات وحرقها ، واطلع على تجارب مذهلة حققها هذا البلد للتخلص او بالاحرى للاستفادة من النفايات لتوليد الطاقة ، بالاضافة الى التطور الهائل الذي شهده قطاع انتاج الكهرباء بحيث اصبحت ايران تحتل المرتبة 14 عالميا .

والاهم في هذا الخبر ان المسؤولين الايرانيين حملوا الاعلاميين اللبنانيين رسائل ينقلونها الى دولتهم وشعبهم ، بان ايران مستعدة لحل ازمتي النفايات والكهرباء بالاستفادة من تجاربها وخبراتها وامكانياتها الصناعية.

يجدر التوقف عند شكل الرسالة فقد اختارت طهران التوجه مباشرة الى الشعب اللبناني عبر الاعلام ، ربما لعلمها المسبق ان الطبقة السياسية ستضيع الفرصة مجددا ، تماما كما فعلت في العام 2009 عندما اعربت إيران عن استعدادها للاستثمار في قطاع الكهرباء اللبناني، لحلّ مشكلة العجز في إنتاج الطاقة ، ووجهت وزارة الطاقة الإيرانيّة إلى نظيرتها اللبنانيّة أول رسالة مكتوبة في هذا الإطار، إلّا أن الانقسام بين فريقي 8 و14 آذار حال دون الاستفادة من هذا العرض. وفي العام 2010 جرت محاولة ايرانية ثانية ، خلال زيارات رسميّة متبادلة بين إيران ولبنان، وكان موضوعها بناء معملين لانتاج الكهرباء بقدرة الفي ميغاواط بكلفة زهيدة ، ولكن الحكومة اللبنانية برئاسة نجيب ميقاتي لم تقبل العرض.

واليوم ثمة خشية ان تضيع الخلافات السياسية ، والفراغ الحكومي المحتمل ان يطول ، هذه الفرصة التي تعتبر اكثر من ذهبية ، لسببين ، الاول ، سلوك عمليّة الاستكشاف والتنقيب عن النفط والغاز في البحر اللبناني سكّة التنفيذ. والثاني انطلاق مسيرة إعادة الإعمار في سوريا، حيث الأولويّة لحلفاء الدولة السورية التي وقعت عقوداً مع الحليفين روسيا وإيران للاستثمار في قطاعات الاتصالات والطاقة والمقاولات، وفي حقول الفوسفات.

ويعتقد الايرانيون انه كي يساهم لبنان في ورشة اعادة اعمار سوريا ، ينبغي ان يكون جاهزا ، وهذه الجهوزية تتطلب اولا احياء مرافقه العامة المتهالكة ، وابرزها قطاع الكهرباء .

وبالعودة الى تفاصيل العرض الجديد ، اكد معاون وزير الطاقة للشؤون الخارجيّة علي رضا دائمي، للوفد الاعلامي اللبناني ان أحد المشاريع المهمّة لإيران هو نقل الكهرباء إلى العراق وسوريا، ومنها إلى لبنان بأرخص الأسعار عالمياً. لبنان يحتاج إلى 4 آلاف ميغاواط، وهو ما يمكننا توفيره خلال 3 أشهر ، لان التوربينات جاهزة ولا تحتاج سوى الى التركيب.

وينصح الايرانيون بالاعتماد على الغاز مصدراً أساسياً لتوليد الطاقة اذا لم يتم اعتماد خيار شراء الكهرباء من ايران ، وذهب لبنان الى خيار بناء معامل انتاج جديدة ، فالغاز هو الاوفر في حالتنا مقارنةً بالمصادر الأخرى، نظراً إلى قرب لبنان من البحر حيث ستنشط عمليات التنقيب عن الغاز، او استيراده .

وبحسب المسؤول الايراني «يمكن شركة «مابنا» (Mapna) الإيرانية، المُصنّفة من ضمن الشركات المقبولة في وزارة الطاقة اللبنانيّة، التي سبق أن وضعت دراسات حول إنتاج الطاقة في لبنان وتنمية محطات الإنتاج الموجودة، أن تنشئ محطّات لتوليد الطاقة وتصنيع توربينات غازيّة، وتطوير حقول لإنتاج الطاقة من الرياح، أو حتى إنشاء معامل لتحويل النفايات إلى طاقة، بالكلفة الأقل عالمياً.

وبالانتقال الى ازمة النفايات فان الحل الايراني موجود ، فقد أنشأت احدى الشركات الايرانية في عام 2015 معملاً لتوليد الطاقة من النفايات، أو محرقة، يعمل وفق تقنية التغويز (GASIFICATION) على مساحة 3 هكتارات. وهو يعدُّ من المواقع الأساسيّة لإدارة النفايات في العاصمة التي تنتج يومياً نحو 7 آلاف طن، بحيث تفرز المواد العضويّة وتُحوّل إلى أسمدة زراعيّة، وترمى النفايات الباقية في مستودع الحرق على مدار الساعة، لإنتاج الكهرباء. تقدّر كلفة المنشأة بنحو 25 مليون دولار، فيما تبلغ كلفة معالجة طن النفايات في طهران نحو 17ــ 19 دولاراً أميركياً.

كلفة التخلص من طن نفايات في لبنان هي 155 دولارا ، فهل تجوز المقارنة ؟

لا شك ان البعض سيعترض على خيار حرق النفايات بذريعة الحفاظ على البيئة ، عملا ان ارقى الدول الاوروبية مثل المانيا والسويد والدانمارك تعتمده، كما ان التقنيات الحديثة تسمح بالحفاظ على سلامة الهواء عبر الحرق ، اكثر بكثير من الخيار اللبناني باعتماد المكبات والطمر .

ووفقا لما شرحه الخبراء الايرانيون للوفد الاعلامي اللبناني ان عملية الحرق تمّر من خلال فلاتر عالية الدقة لتجعله الدخان خالياً من اي ملوثٍ يفتك بالاجواء. ويتم جمع حوالى 7 ملايين طن من النفايات يومياً في هذا المعمل البعيد عن العاصمة طهران وكذلك المناطق السكنية. النفايات العضوية تتحول الى اسمدة اما النفايات الصلب قسم منها يطمر والقسم الاخر يتحول الى طاقة، ولهذا الهدف طوّر المهندسون الايرانيون تقنية gasification، المستوردة من الصين أي انهم يحرقون النفايات لانتاج الغاز الذي يتحول الى بخار ومن ثم يرسل الى مولدات الكهرباء لانتاج الطاقة. معادلة بسيطة يوضحها المهندسون : 200 طن من النفايات تتحولّ الى 3 ميغاواط في الساعة اما كلفة الطن الواحد في كل هذه العملية يتراوح بين 17 $ و19$ .

هل يستفيد لبنان من هذه التجربة ومن العرض الايراني الجديد ام ان السياسة ستفسد الامر مجددا؟ فثمة عائق سياسي قائم سلفا ، وهو رفض التعامل مع ايران ، وكانت الذريعة في السابق ان هذا البلد واقع تحت العقوبات الدولية ولا يمكن خرق هذه العقوبات ، وقد رفعت هذه العقوبات بالكامل ، واليوم تتهافت دول الغرب على عقد الصفقات مع طهران بمئات مليارات الدولارات .

وقد يخرج من يقول ان ايران دولة معادية ، او على الاقل غير صديقة للبنان ، وحتى لو سلمنا بهذا التصنيف المجحف فان المصلحة الوطنية تقتضي الترفع عن هذا العبث الايديولوجي ، فايران تتعامل مع الكثير من الدول غير الصديقة لها ، وفقا للمنطق المصلحي المنفعي ، وهي اذ تعرض خدماتها في لبنان ، فانها تبحث عن تعزيز علاقتها به ... وتسعى ايضا بالتأكيد لزيادة انتاج وارباح معاملها القائمة اصلا.