يُقال "عندما تصل إلى عمق معنى كلمة النجاح تجد أنها ببساطة تعني الإصرار". وكاتيا طرابلسي لم تتخلّ يوما عن شغفها، وإصرارها، وسعيها المتواصل لتحقيق أهدافها مهما اشتدت الصعاب، بل ثابرت واجتهدت وكدحت حتى تمكنت من إيصال فنّها واسمها الى عدد كبير من بلدان العالم.

كاتيا طرابلس هي فنانة لبنانية، عاشت وعملت في دبي لحوالي 27 سنة. عُرِضت أعمالها على صعيد عالمي منذ العام 1986، وهي تشكل اليوم جزءا من مجموعات خاصة، موجودة في العديد من المزادات الفنية في باريس، لندن، دبي، الكويت، واشنطن، نيويورك، والجزائر،...

هي معروفة اليوم كفنانة شاملة، وليس كرسامة فحسب، لأن مسيرتها الإبداعية تجمع الفن في كل أشكاله. وقد شاركت في مشاريع فنية متعددة ونشرت كتابين: الأول هو "of others" في العام 2011، والثاني "Generation War" في العام 2013، كما كلّفتها شركة "Montegrappa" الايطالية في العام 2015، بتصميم "قلم جبران خليل جبران"، وقلم "Calligraphy" ذات الإصدار المحدود.

كان لـ"الاقتصاد" لقاء خاص مع طرابلسي للتعرف الى رحلتها المهنية الطويلة، وخطواتها المقبلة، بالاضافة الى الرسالة التي تودّ توجيهها الى المرأة.

كيف تبلورت مسيرتك المهنية حتى وصلت الى ما أنتِ عليه اليوم؟

أنا فنانة لبنانية معاصرة، ولدت في لبنان في الستينات، أي عندما بدأت الحرب، وعايشتها حتى النهاية.

في العام 1989، تزوجت وتركت البلاد، وسافرت مع زوجي الى دبي، حيث عشنا لمدة 26 سنة.

بدأت مسيرتي المهنية المحترفة في مجال الفن منذ العام 1986، وفي العام 1989، نظمت معرضي المنفرد الأول في دبي. أما في 2016، فقررت العودة للاستقرار في لبنان.

لماذا قررت التخصص في مجال الفن بالتحديد؟

أنا لم أقرر يوما الدخول الى مجال الفن، بل عشقته منذ الطفولة وكنت مهتمة كثيرا بالرسم والألوان. ومع الوقت، كبر عشقي معي، لأن لا شيء أوقفني؛ فالفن كان بمثابة طريقة مهمة جدا للتعبير بالنسبة لي.

وأعتقد أن كل انسان يولد فنانا، والصفة الفنية موجودة داخل كل شخص منا. لكن الحياة والتعليم والإصرار، هي عوامل تؤدي الى إيقاف هذه الموهبة أو الى تنميتها. وعلى الصعيد الشخصي، كنت محظوظة للغاية، لأن والدتي قدمت لي التشجيع الدائم، فهي كانت تضع أمامي الأقلام والأوراق لكي أعبّر عن نفسي من خلال الرسم. فكبرت وكبر معي حبي للفنون، وقررت التخصص في هذا المجال لأنه شغفي. ولكن لسوء الحظ لم أتمكن من ذلك بسبب الحرب في لبنان، فتخصصت في الهندسة الداخلية، لأنها كانت الأقرب الى الفن. وأنا أشعر اليوم بالقليل من الندم لأنني لم أتمكن من دراسة المجال الذي أحبه.

هل تعتبرين أن المنافسة موجودة في مجال الفن؟ أم أن لكل شخص ذوقه وأسلوبه الخاص الذي يبعده عن إطار المنافسة؟

لكي ينجح الفنان، ويصبح اسمه معروفا، ويجني الأرباح من هذا العمل، ويتمكن من استكشاف هذا المجال، هو بحاجة الى الدعم، ولا يستطيع القيام بهذه الخطوة بمفرده.

فصحيح أن الفن يتطلب من الفنان التركيز على إلهامه الخاص، لكنه بحاجة حتما الى الدعم والتأييد من "عالم الفن"، لكي يصبح فنانا وتعرض أعماله في المعارض.

في النهاية، الفن هو مهمّة، والفنان يسعى الى سرد قصته الخاصة طوال رحلته المهنة، لكي تبقى هذه القصة موجودة في التاريخ بعد موته.

هل هناك إقبال على شراء اللوحات في لبنان؟ وهل أن الرسم هو عمل مربح يؤمن لقمة العيش؟

لحسن الحظ، زوجي قادر على الاهتمام بأمور المنزل وتعليم الأولاد، وهذا الأمر أتاح لي التفرغ أكثر لعملي، وعدم القلق من الناحية المادية.

لكنني أعتقد أن مسيرة الفنان في لبنان صعبة للغاية، واذا لم تكن أعماله ذات قيمة مادية مهمة، فمن الصعب أن يستمر.

فنحن لدينا عددا كبيرا من الفنانين الموهوبين والرائعين وذات الامكانيات الكبيرة في لبنان، لكنهم لم يحصلوا على الفرصة والحظ، ليعرضوا أعمالهم في صالات العرض المهمة، أو ليتعرفوا على أشخاص يشجعونهم في رحلتهم.

كما أننا نعاني من نقص في القيمين على المعارض (curators)، وفي الأشخاص الذين يكتشفون الفنان، ويقدمون له الدعم والمساعدة لكي يتوسع الى الخارج.

كيف تصفيننفسك اليوم كفنانة وسيدة أعمال ناجحة؟

أنا أعمل في هذا المجال منذ حوالي 35 سنة، وقد ثابرت كثيرا للوصول الى ما أنا عليه اليوم.

لذلك أنصح كل شخص يطمح الى أن يصبح فنانا:

أولا، أن لا يفكر بالربح المادي؛ فمن الطبيعي أن يسعى الانسان الى تأمين لقمة العيش، لكن العمل الجدي، والتفكير والاهتمام بما يحدث من حولنا، هي عوامل تقوده ليصبح فنانا أفضل.

ثانيا، أن يكون فضوليا ومحبا للاطلاع والمعرفة؛ وبالتالي عليه زيارة المعارض، والتعرف الى أبرز المستجدات، فهذا المجال واسع للغاية، وعلى الفنان أن يتواجد في داخله بشكل دائم.

ثالثا، يجب أن يسعى الفنان الى نشر أعماله وعرضها، لأن هذه الطريقة ستغير نظرة الآخرين الى أعماله، وستساعده على تصحيح الأخطاء والتعرف إلى أذواق الناس.

رابعا، لا أحد منا كامل، ولا يمكن الحصول على فن مثالي، وبالتالي فإن الأمر بأكمله هو مسألة متعلقة بالإدراك والتصوّر.

خامسا، اذا كان الشخص خبيثا ومزيفا وغير اجتماعي، لن يحظى بأصدقاء يتكلمون عنه ويجتذبون الاهتمام لصالحه.

سادسا، يسعى الفنان الى التقدم في فنّه، والتواجد في كل مكان؛ فمن خلال عرض أعماله، وتقبل النقد، سيتمكن من تعديل رؤيته وتحديدها، وسيصبح حينها أفضل.

لذلك لا بد من الاشارة الى أنه اذا تعرف الشخص على هذه الوقائع، سيسعى حتما الى تحسين نفسه والتحكم بنفسه، لأن لا أحد يريد أن يكون غير مقبول في الحياة.

ما هي خطواتك المستقبلية في عملك؟

عندما أترك هذه الحياة، أتمنى أن تستمر أعمالي من بعدي، وأن تأخذ مكاني في هذا العالم.

فعملي يعبر اليوم عن ما أراه وأشعر به وألتمسه، وفني يمثل أوقاتي ومرحلتي وأحداثي المتعلقة بالحرب، والعالم العربي، وكل ما يحصل من حولي. فأنا شاهدة على الأحداث كافة، وعملي شاهد أيضا عليها.

لذلك أتمنى أن يتمكن "الميراث" الذي أصنعه في الوقت الحاضر، من استكمال مسيرتي الفنية بعد موتي.

هل تمكنت من التنسيق بين حياتك الخاصة وعملك الفني؟

نعم بالطبع، فقد حققت التوازن في كل جوانب حياتي، لأنني غير قادرة على العيش والاستمرار في الحياة، دون العمل في مجال الفن؛ فهذا الأخير يتيح لي أن أكون متوازنة ومتصالحة مع نفسي.

من قدم لك الدعم في رحلتك المهنية؟

تلقيت الدعم من أشخاص عدة التقيت بهم: من فنانين، ومعارض، وصالات عرض، ومشترين، ومعجبين بفني. وفي دبي أيضا، تعرفت على أناس احترموا عملي، وقدروا فني، وشجعوني على الاستمرار.

كما أشكر الفنان الكبير أمين الباشا من كل قلبي، على دعمه لي في الثمانينيات، وعلى إيمانه بموهبتي وقدراتي.

ما هي النصيحة التي تودّين إيصالها الى المرأة اللبنانية؟

أنصح المرأة أولا، أن تحافظ على روعتها وبهائها.

ثانيا، أن تكون مستقلة من الداخل والخارج، ومن الناحية المادية والنفسية أيضا.

ثالثا، أن تكون مثقفة، لأنها تربي الجيل الجديد ومجتمع المستقبل.

رابعا والأهم، أن تؤمن بنفسها وتستمع الى نفسها، لأن المرأة تتحلى بقدرات خارقة، وهي تعطي الحياة، وتتمتع بكل الصفات التي تتيح لها أن تكوّن مجتمعا صلبا وقويا.