شكّلت استقالة رئيس ​الحكومة​ ​سعد الحريري​ صدمة كبيرة على الصعيدين السياسي والاقتصادي، وساد القلق حيال الوضعين الأمني والنقدي. فبعد أن كان المواطنون يعلّقون آمالهم على العهد الجديد وعلى التوافق القائم، الى حدّ ما، بين أطراف السلطة السياسية الحاكمة، والإنجازات الاقتصادية المحققة، خاصة بعد إقرار الموازنة العامة للعام 2017، وإعادة عدد من الملفات الإقتصادية الى مسارها الصحيح، تمّ تعليق كل الملفات والقرارات والمشاريع بعد خبر الاستقالة ودخول الحكومة في مرحلة تصريف الأعمال. وبالتالي تبدّدت الآمال بإقرار موازنة 2018 خلال مهلها الدستورية، بانتظار تشكيل الحكومة الجديدة.

ولكن بطبيعة الحال، لن تلقي استقالة الحريري بتداعياتها على الوضعين المالي والاقتصادي بين ليلة وضحاها، كما أن كل المعطيات الموجودة لا تدلّ على انهيار قريب لليرة. وبالتالي فإن النتائج والتأثيرات المحتملة لهذه الاستقالة على الاقتصاد المحلي لا تزال ضبابية، مع العلم أن المسؤولين اللبنانيين طمأنوا الناس حول استقرار الاقتصاد والوضع النقدي في البلاد، فوزير الاقتصاد والتجارة ​رائد خوري​أوضح أن لا خوف على الليرة اللبنانية، وأن الوضع المالي والاقتصادي والأمني مستقر في ظل وجود رئيس جمهورية قوي. ومن جهته، أكد حاكم ​مصرف لبنان​ رياض سلامة استقرار سعر صرف الليرة تجاه الدولار الأميركي، وعزا ذلك إلى الهندسات والعمليات المالية الاستباقيّة التي أجراها المصرف. كما لفت وزير المالية علي حسن خليل أن الوضع المالي والنقدي مستقر، ولا يوجد خطرعلى الليرة، وأشار بدوره رئيس جمعية المصارف جوزف طربيه الى أن الليرة تدعمها احتياطيات ضخمة في البنك المركزي والثقة في القطاع المصرفي اللبناني واستمرار عمل المؤسسات.

فلبنان مرّ عبر السنوات الماضية، بمراحل مؤسفة ومأساوية وكارثية، بقيت خلالها الليرة صامدة، ولهذا السبب فإن صدمة استقالة رئيس الحكومة، قد لا تؤثر فعليا على أسعار الصرف. ولكن ليس بامكاننا اليوم سوى الترقب والانتظار، خاصة مع كل المستجدات الحاصلة على الساحة السعودية.

فهل أن الخطر على الوضع النقدي المحلي قائم بالفعل؟ هل أن التطمينات حقيقية؟ وهل سيبقى سعر صرف الليرة مستقرا خلال المرحلة المقبلة؟

هذه الأسئلة وغيرها أجاب عليها الخبير الاقتصادي د. لويس حبيقة، في هذه المقابلة الخاصة مع "الاقتصاد":

هل أن الخطر على الوضع النقدي في لبنان قائم بالفعل بعد استقالة الحريري؟

بالطبع لا، فالمرحلة التي نعيشها منذ يوم السبت الماضي، هي أقل سوءا أو حتى أفضل من فترة الفراغ الرئاسي؛ فقد عشنا فراغا بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان حتى تم انتخاب الرئيس ميشال عون، استمر لحوالي سنتين ونصف. وبالتالي كان البلد يسير بدون رئيس، وكانت الحكومة بالكاد تنهي أعمالها، لكن في المقابل كان الوضع الاقتصادي والمالي والنقدي، "قابلا للحياة والاستمرار".

أما اليوم، فأهمية المشكلة هي أقل بكثير من ما مررنا به في السابق؛ فالبلد لديه رئيسا للجمهورية - وهذا الأمر أساسي - كما لدينا حكومة تصرف الأعمال، ومجلس نيابيا، ورئيسا للمجلس، وبالتالي لا داع للخوف لأن لا شيء سيتغير في البلاد.

ونأمل بالطبع أن تسير الأمور بشكل ايجابي، ويتم تشكيل حكومة جديدة. فنحن نعلم منذ زمن طويل، أن متوسط عمر الحكومة في لبنان هو سنة واحدة، وحكومة الحريري ستبلغ من العمر سنة، وقد تم تشكيلها منذ حوالي 11 شهرا، ما يعني أن الاستقالة الحاصلة ليست بالأمر الكارثي. وبالتالي عندما تستقيل الحكومة ستأتي حكومة جديدة، وستستمر الحياة بشكل طبيعي.

لكن الصدمة حدثت بسبب طريقة الاستقالة، وأسلوب الكلام المتبع فيها، ومكانها أيضا. فلو أتى الرئيس الحريري الى رئيس الجمهورية، وعرض عليه استقالته، وقدم تصريحا بالاستقالة، فلن نواجه أي مشكلة حينها، خاصة أن العلاقة بينهما كانت ممتازة قبل سفر الحريري الى السعودية، ما يعزز فكرة وجود ضغط ما.

وبالتالي فإن الطريقة التي حصلت فيها الاستقالة، أدت الى حصول صدمة، لكن هذا الأمر لا ينذر حتما بأزمة قادمة.

هل أن تطمينات حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وغيره من المسؤولين اللبنانيين واقعية؟ وهل سيبقى سعر صرف الليرة مستقرا؟

التطمينات واقعية 100%، وستبقى الحالة على ما هي عليه لأن وضع المصارف ممتاز.

أما الأمر الايجابي الوحيد من موضوع الاستقالة، فهو حصولها يوم السبت؛ فلو تمّت الاثنين، لكانت تركت أصداءا سلبية أكثر. وبالتالي امتصّها الناس السبت أي قبل افتتاح الأسواق، وكنا قد تخطيناها الأحد، وبات الاثنين يوم عمل عادي.

فالمواطن اللبناني عايش حروبا كثيرة، وفراغات عدة، وأوضاع خطرة، بالتالي سيتمكن حتما من تحمل موضوع الاستقالة.

وعلى الأقل لدينا اليوم رئيس جمهورية، وحكومة تصريف الأعمال قادرة على التصريف الى أبد الأبدين.

هل هناك متطلبات اقتصادية طارئة يجب القيام في هذه المرحلة القائمة؟

أعتقد أن الموضوع الأساس ليس مرتبطا بنا، بل بالصراع السني – الشيعي أو الإيراني – السعودي، وبالتالي لا نستطيع إكماله أو إيقافه.

لهذا السبب علينا أن نكمل حياتنا كالعادة، ولكن الأهم هو تخفيف حدة الكلام والخطابات، والابتعاد عن الهجوم والتجاذبات، لأن الأمور، مع الأسف، ليست بأيدينا وليست متعلقة بنا. انما لدينا القدرة حتما على استكمال أعمالنا اليومية، لأن لبنان اعتاد على هذا الوضع منذ 40 سنة تقريبا، وعلى الأقل نحن نعيش اليوم في ظل استقرار أمني، وبالتالي لا يجب أن نخاف من أي شيء.

وفي حال لا يريد الرئيس الحريري استلام الحكومة، سيأتي شخص آخر ليؤلفها؛ فالرأي العام اللبناني لا يريد المشاكل، كما أن المصارف وضعها رائع، ومصرف لبنان يمسك بزمام الأمور.

ولا بد من الاشارة الى أن الاستثمارات الجديدة قد تتعثر وتتوقف قليلا، أو ستأخذ حذرها، لكن الاستثمارات الموجودة ستستمر بالعمل كالعادة.

في حال استمر الوضع على ما هو عليه، هل ستتأثر نسب النمو؟ وهل ستتراجع الحركة السياحية في البلاد خاصة أن شهر كانون الأول بات على الأبواب واقتربت فترة الأعياد؟

في حال شهدنا على أزمة في موضوع تشكيل الحكومة الجديدة - وليس تأخيرا، لأننا اعتدنا على هذا الموضوع، فحكومة الرئيس تمام سلام بقيت لحوالي تسعة أشهر حتى تشكلت – قد يعاني البلد من بعض المشاكل، وبالتالي فإن التخوف اليوم هو من أزمات جدية قد تمنع تشكيل الحكومة.

لكن لا يزال من المبكر الحديث عن هذا الموضوع، ولا يجب أن نتوقع دائما النتائج السيئة والسلبية. وأنا أعتقد أن الأسوأ ليس مطروحا اليوم على الساحة الداخلية.