يبرز على كافة الشاشات العالمية في الفترة الأخيرة الإستحقاق العالمي الداهم المتعلق بتعيين رئيس جديد للبنك الفدرالي الاميركي، الذي له كل الصلاحية في رفع سعر الفائدة مما يؤثر على الإقتصاد العالمي والإقتصاد اللبناني طبعاً. ما هي المخاطر الجديدة التي ستضاف الى المخاطر المالية التي يعاني منها لبنان جراء المديونية المرتفعة؟ وماذا بشأن العقوبات الأخيرة المتوقعة على حزب الله وتوسع نطاقها؟

حول هذه المخاطر العالمية وتداعياتها والخطوات المطلوب من الحكومة اللبنانية اتخاذها في المرحلة القادمة، دار هذا الحوار مع الخبير الإقتصادي د. ​كامل وزنة​:

- ما هي المخاطر التي قد تواجهنا في المرحلة القادمة مع تعيين حاكم جديد للبنك للفدرالي الاميركي، الذي قد تكون نظرته الإقتصادية مختلفة عن نظرة الرئيسة الحالية جانيت يلين، وما هي تكلفة قرار رفع الفائدة على لبنان؟

الأسواق العالمية تنتظر قرار تعيين رئيس جديد للبنك الفيدرالي، وهذا القرار قد يصدر في اي وقت من هذا الاسبوع، ما يشكل تحديا للأسواق العالمية، فلكل رئيس نظرة إقتصادية مختلفة عن الآخر، وقد يكون للرئيس الجديد نظرة تصعيدية بخصوص الفائدة، ورفع الفائدة على مستوى الولايات المتحدة يعني رفع الفائدة على صعيد الإقتصاد العالمي الذي يشمل الإقتصاد اللبناني.

هناك توقعات بأن الفائدة الاميركية قد ترتفع تدريجياً خلال العام القادم وأنها قد تصل إلى 2%، أي إرتفاع بنسبة 1% في الفوائد. وفي لبنان، قد تفوق التكلفة على الخزينة المليار دولار بسبب خدمة الدين.

وبالرغم من توصية الرئيس دونالد ترامب بالمحافظة على فوائد غير مرتفعة، إلا أن تعيين رئيس البنك الفيدرالي الأميركي سيمنحه الحرية في أن يحدد مستوى الفائدة والسياسات النقدية التي يريدها للولايات المتحدة.

- ماذا تتوقع لأسعار النفط؟

ان الإتفاق بين دول "أوبك" المنتجة للنفط والدول غير المنتجة على تخفيض الحصة لرفع الأسعار اصبح واقعا وهناك التزام به بنسبة كبيرة، لذلك بدأت الاسعار ترتفع منذ ستة أشهر وهذا الإتفاق من المرجح ان يمدد لـ9 أشهر. والجدير بالذكر، أن هناك مصلحة قوية للمملكة العربية السعودية في ان تجعل إتجاه أسعار النفط مرتفعاً، فأخذت على عاتقها تخفيض الحصة بشكل كبير وذلك ضمن السياسات التي يتبعها ولي العهد مع وزير النفط السعودي.

وشهدت اسواق النفط إرتفاعا من 44 دولار لسعر البرنت إلى ما يقارب 61دولار خلال الاشهر الماضية. وإذا إستمر معدل الإرتفاع بهذا الشكل فسيكون لذلك تكلفة على الاقتصاد اللبناني تصل إلى مئات الملايين من الدولارات بإعتبار، وذلك يعود لتكلفة الكهرباء وعملية الدعم المكلفة للإقتصاد اللبناني.

من المحتمل أن تستمر اسعار النفط في الارتفاع خاصة إذا أقرّ الكونغرس الاميركي عقوبات اضافية على إيران وهدد بمنع صادراتها ما سيؤدي الى تأزم سوق النفط وإلى إرتفاع اكبر في الاسواق العالمية وبالتالي سيترتب على لبنان تكلفة أكبر قد تصل إلى ما بين الـ500ـ700 مليون دولار.

- ماذا عن موضوع الضر ائب الجديدة؟

إن رفع الضرائب الاخيرة بهذه الطريقة قد يكون له إنعكاس سلبي على الإقتصاد بإعتبار أن الضرائب جاءت في وقت كان فيه النمو منخفضا. برأيي، إن السياسات المتبعة عكس المنطق الاقتصادي، رفع الضرائب في ظل وتيرة نمو منخفضة تقارب الـ1%، غياب اي انفاقات إستثمارية في الإقتصاد وخاصة في البنى التحتية، سيؤدي الى تباطؤ الإقتصاد والتخوف من حصول حالة من الركود. لكن هنالك شيء ايجابي في الموضوع وهو إقرار سلسلة الرتب والرواتب ما سيساعد على نمو الإستهلاك.

- كنت قد أشرت سابقاً إلى تكلفة إضافية للسلسلة بمئات الملايين من الدولارات لم يتم إحتسابها عند الإقرار، ما هي؟

هناك مسألة أساسية في سلسلة الرتب والرواتب وهي نسبة ارتفاع عدد المتقاعدين، التي تصل تكلفتها الإضافية إلى مئات الملايين من الدولارات على الخزينة، بإعتبار أن المعاش التقاعدي يُحسب وفقاً لآخر شهر، وبعض الاجور تتم مضاعفتها من خلال السلسلة وهذا بتكلفة كبيرة. بعض المتفاعدين الذين كانوا يتقاضون 300 مليون دولار عن سنوات الخدمة باتوا اليوم يحصلون على 500 مليون دولار، خاصة أولئك الذين يشغلون المراتب العليا في القوى العسكرية والادارية، ما سينتج تكلفة كبيرة على الإقتصاد وقد يشكل عائقا سلبيا على المديونية وعلى الموازنة.

ان الدولة البنانية بحاجة الى ترشيد الانفاق في موازنة العام 2018 والى إعادة بناء الإقتصاد اللبناني بطريقة مختلفة تهدف الى زيادة انتاجية العاملين في القطاعات، فيمكن للدولة ان تلجأ لنظام تقاعدي مبكر تسمح من خلاله للشباب واصحاب الخبرات بأن يدخلوا إلى سوق العمل ما يؤدي إلى ترشيد الهيكلية للإقتصاد اللبناني. ان الإنتاجية المتدنية للعامل وعدم مكننة القطاعات يؤدي إلى خلل في النمو الإقتصادي.

ومسألة أخرى يجب العمل عليها، وهي تفعيل الشراكة بين القطاع العام والخاص من خلال الاسواق المالية لتحديث البنى التحتية.

وهنالك عامل آخر قد يعتبر سلبيا، لأنه سيدخل البلد في إجازة، وهو مرحلة الإنتخابات النيابية. في هذه المرحلة، سيتوقف البلد عن العمل بطريقة ونحن لا نستطيع أن نتوقف إقتصادياً عندما تكون المديونية تقارب الخطوط الحمراء.

- ما النمط الإقتصادي المطلوب برأيك للخروج من المأزق؟

أن الهيكيلية الجديدة المطلوبة هي تغيير نمط الإقتصاد اللبناني فهناك صناعات جديدة لم تُعطى الأولوية، كصناعة المعرفة المتعلقة بالتكنولوجيا، والبرامج الإلكترونية وتحويل جزء منها.

نحن بحاجة لإنشاء مؤسسة وطنية للمعلوماتية في لبنان هدفها التعاون مع الشركات الكبرى الموجودة في العالم، بإعتبار أن لدينا كفاءات كبيرة في هذا المجال تتيح لأن يكون لبنان البلد الذي يساهم في صناعة الفرص

- تحدثت عن اقتراح يؤمن استمرار الإقتصاد ما هو؟

المعادلة في لبنان اليوم هي كيفية صنع الثروة التي تؤمن إستمرار الإقتصاد، على الدولة ان تتحلى بالدبلوماسية الإقتصادية لتأمين التواصل بين لبنان والعالم.

ان الإقتصاد الأميركي استطاع ان يبني الثروة من خلال التركيز على ارتفاع الاسهم في الاسواق المالية للشركات الكبرى والصغرى بالإضافة إلى قطاع العقارات. هذه الخطوة ضاعفت مديونية الولايات المتحدة ولكن في الوقت ذاته، أدت الى نمو الاسواق المالية والقطاعات العقارية والانتاجية بنسبة تفوق المديونية، ما ساهم في إبقاء الإقتصاد قوياً.

علينا ان نبني اسواقا مالية حقيقة تقبل المخاطر والفرص وتسمح بإلتقاء الإبداع ورأس المال.

- هل يجب أن نعوّل على عائدات النفط والغاز منذ الآن برأيك؟

موضوع النفط والغاز بحاجة من 7 إلى 10 اعوام ليتم الحصول على اي مردود للصندوق السيادي الذي يُطرح اليوم. هناك العديد من الأمور التي سيكون لها مردود اكبر للخزينة في الوقت الحالي اذا عملنا على تحسينها، كالقطاع الخدماتي غير القادر على استيعاب عدد كبير من السياح بسبب ترهل البنى التحتية.

اما على مستوى الصناعة فيجب ان يكون هناك دعم للتجميع والتصنيع والتصدير بإعتبار ان لبنان يمكنه المنافسة بقوة إذا سُمح بأن يكون فيه مناطق إقتصادية مدعومة من الدولة.

لبنان هو كل ما نملك وعلينا ان نحافظ عليه، فإذا وقعنا بالمحظور سنبقى وحدنا. نحن لسنا جزءا من منظومة دولية اوعالمية تستطيع أن تقف إلى جانبا، عندما يسقط لبنان، سيسقط بمفرده. فهل نستطيع ان نرتفع الى حجم التحدي والمسؤولية وحجم المخاطر التي نواجهها؟