لا يصح وصف طرح ملف الكهرباء داخل مجلس الوزراء في هذه المرحلة ، الا بالملف المكهرّب على توتر عال وبفولتاج قوي يحسن في إقامة الشرخ وإحراج اي معارض للتلزيمات العشوائية حتى إخراجه والمضي بالتسريع بانجاز الصفقات بعيداً عن دائرة المناقصات.

الجبنة الدسمة في هذا الملف تحرّك شهية العديد من الشركات التي تقف وراءها جهات نافذة.

فهناك موضوع استقدام البواخر الذي ما يزال بين الاخذ والرد دون السماح له بسلوك المنحى القانوني السليم تحت ضغوطات سياسية مختلفة، هذا لان الطبخة اعدت سابقاً وتقاسمها محسوم سلفاً، علما انه في المبدأ ما من خبير واختصاصي في القطاع يؤكد فكرة استئجار بواخر في البحر لمد الشبكة بالانتاج سيما انها سترفع من نسبة انخفاض الدخل القومي . وبالتالي ، فان استئجار البواخر لتامين 800 ميغاوات يتناقض مع ضبط ارقام الموازنة. وفي المقابل، فان إنشاء معامل جديدة على البر هو الأجدى اقتصاديا وبيئياً .

هذا على صعيد الانتاج، الذي يبدو انه سيسجل المزيد من التراجع بين الفصل والاخر، مقابل الارتفاع السريع للطلب في كل المناطق ، وايضاً مع هدر متنامي.ينتج لبنان حوالي 72% من حاجته ورغم هذه الكارثة بالمقاييس العالمية للتنمية، تخسر مؤسسة كهرباء لبنان 45% من هذه الطاقة المُنتجة عن طريق الهدر. ولبنان الاول بين الدول العربيةفي هذا السياق. وهو يعاني من الهدر الفني للطاقة التي تقدر ب 15% الى جانب هدر ناتج عن سرقة 25% من الطاقة المُنتجة، وعدم تحصيل 5% من الفواتير الصادرة، رغم تلزيم الصيانة والجباية في قطاع التوزيع لشركات خاصة بدءاً من العام 2010.

ومن المعلوم ان الخبراء و الاكاديميين والعاملين في هذا القطاع يدعون دائماً، التنفيذيين ومتخذي القرار إلى اتخاذ خيار استراتيجيلتوليد الطاقة بما يؤدي إلى إيجاد مصدر دائم للطاقة يأخذ في الاعتبار ضرورة حماية البيئة من أضرار استهلاك الطاقة اللاحفورية غير المتجددة وبما يوفر مجالاًللارتقاء بالجوانب الاجتماعية ومعطيات التوازن الايكولوجي والكفاءة الاقتصادية.

يقول وزير الطاقة والمياه سيزار ابي خليل :"لقد قمنا بزيادة القدرة التحويلية إلى 1200 ميغاوات . ونتوجه إلى اتمام معمل دير عمار بالاضافة إلى إنشاء معمل بسلعاتا وآخر في الجية"، مشيراً الى أن "15% من انتاج الكهرباء في عام 2030 سيكون معتمدا على الطاقات المتجددة.الا ان الاعتماد على البواخر الى اجل غير مسمى يناقض هذه الشعارات. فهل من تبدل في النهج؟

النقل

وفي قطاع النقل ، هناك عدة مشاكل مرتبطة بعدم اكتمال شبكات نقل الـ220 كيلوفولت منها :تواجد "الخنقات الزجاجية" على شبكات التوزيع وتكاثر الاعطال المحلية في المناطق المكتظة خلال أوقات الذروة في فصلي الشتاء والصيف، فقدان مرونة الترابط الكهربائي بين الشبكة القديمة والشبكة الجديدة،عدم استعمال أية برامج حسابية الكترونية تدرس وتنظم حركة الطاقة لتأمين التغذية وتقليص الهدر الفني GIS. ) ) ،افتقار المحطات الرئيسية وشبكات النقل لعمليات صيانة دورية من قبل جهاز فني متخصص،نسبة هدر تقني مرتفعة ناتجة خصوصاً عن عدم اكتمال شبكة نقل الـ220 كيلوفولت، تختلف من منطقة إلى أخرى و تفوق عن المعدل 15٪ لتصل إلى 20 ٪في البقاع.

و فيما يتعلق بشبكة الربط العربي الثماني، وعقد شراء الطاقة الكهربائية من مصر، فقد تم إنجاز تجهيز محطة كسارة الجديدة ونجحت المساعي في شهر أيلول 2009 بتشغيل خط الربط الهوائي الجديد العامل على 400 كيلوفولت ضغط كهربائي، وبالتالي إنهاء مشاريع الربط مع محطة الديماس السورية. إستفاد لبنان في العام 2010 من خلال هذا الربط من إستجرار حوالي 120 ميغاوات من القدرة الكهربائية الاضافية على الشبكة بمعدل 21ساعة يومياً، ولكنه سرعان ما توقف هذا الاستجرار في مطلع العام 2011 .إن سعة قدرات شبكة الربط الجديدة تصل إلى 300 ميغاوات، ويعمل لبنان على إستعادة التغذية من خلال العقد المبرم مع مصر، كذلك على زيادة قدرة الاستيراد من دول الربط لتغطية باقي القدرات (180 ميغاوات).

وفي النقل ايضا، تم إنشاء شبكة هوائية من خطوط 220 كيلوفولت : شملت الشبكة تمديد 339 كيلومتراً من الخطوط الهوائية. و اكتمل تمديد الخط الهوائي من دير نبوح إلى كسارة، وآخر من كسارة إلى عرمون، ثم من عرمون إلى الزهراني وصور، وآخر من البحصاص إلى بصاليم مروراً بحالات ، الى إنشاء محطات 220 كيلوفولت في وسط بيروت، عرمون، المكلس، الحرش، رأس بيروت، حالات ، كسارة، بصاليم، وصور. وإنشاء شبكة 220 كيلوفولتللكابلات الجوفية في الشمال وبيروت . وكذلك إنشاء شبكة 400 ك.ف ومحطة التحويل في كسارة التي تسمح بتبادل الطاقة الكهربائية بين بلدان المنطقة.

وتبقى العراقيل في إستكمال الـ1900متر من خط المنصورية وتنفيذ أشغال سحب الكابلات على الاعمدة في مناطق المنصورية – عين – سعادة – عين نجم بسبب اعتراض الاهالي بناء لتضارب التقارير الفنية حول وجود مخاطر صحية ذات دلالة من جراء التعرض للحقول الكهربائية والمغناطيسية غير المؤينة وبين عدم وجودها.

التوزيع

في التوزيع : بتاريخ 12 تشرين الاول ،اقر مجلس الوزراء التمديد لشركة "BUS" في منطقة جبل لبنان الشمالي ومناطق والشمال، وشركة "KVA" في مناطق بيروت والبقاع العاملتين في مجال مقدمي الخدمات في الطاقة الكهربائية لغاية 31-12-2021.

وطلب من وزارة الطاقة والمياه إيجاد الحلول المناسبة لمنطقة الجنوب وجنوب جبل لبنان مع الشركة الملتزمة NEU، وإلا طرح مناقصة وفقا للأصول، وذلك بعد اعتراض وزير المال علي حسن خليل على التجديد للشركة التي تتولى خدمات الجنوب والضاحية الجنوبية معتبرا ان هناك تقصيراً منها.

وعلمت" الاقتصاد " في هذا السياق ان محادثات جرت مع النائب نعمة طعمة المحسوب على الحزب الاشتراكي وهو رجال اعمال من اجل تسلم المناطق من NEU الا انها لم تنجح حتى تاريخه فيما الشركة الاخيرة تتمسك بعدة شروط للبقاء.

في الواقع ،ان دخول القطاع الخاص الى التوزيع في الكهرباء يعتبر اول غيث الشراكة بين القطاعين العام والخاص مع العلم ان الاداء لم يكن بمستوى الآمال . وهذا مرتبط بعدة اعتبارات لها علاقة بالسياسة وتقاسم النفوذ.

باختصار ، ان الخدمة المقدمة في الكهرباء هي من الاسوأ في العالم بحسب تقرير التنافسية لمنتدى الاقتصاد العالمي الذي صنّف لبنان في المرتبة 135 من 138 دولة، وكل تأخير في الحل يساهم في المزيد من تراكم الديون.

ومن المتوقع ان يصل عجز الكهرباء الى 29مليار دولار تقريباً اي ما نسبته 40% من الدين العام نهاية 2017 .وقد يكون ذلك مؤشرأً على أن الدولة غير قادرة على النهوض بهذا القطاع من دون إشراك القطاع الخاص به.

ووفق ما يؤكد عليه نائب رئيس الحكومة وزير الصحة العامة غسان حاصباني أن عملية إشراك القطاع الخاص يجب أن تتبع الأصول القانونية والإجرائية المرعية لتأمين الشفافية في العمل، وقطع الطريق على الشكوك حول الصفقات العامة بما يتعلق بالفساد، لافتاً إلى أن اتباع أصول المناقصات العمومية وقوانينها هو أسرع طريق للوصول إلى الحلول الإيجابية، مع تعيين هيئة ناظمة مستقلة مهمتها إدارة عمليات التنافس ورفع التوصيات إلى الوزير المختص، ليرفعها بدوره إلى مجلس الوزراء.

وقد قدر البنك الدولي الانعكاس السلبي على الدخل القومي لعجز الكهرباء بما يوازي 1،5%سنوياً.

باختصار ، الكهرباء قطاع مترّهل يستنزف خزينة الدولة وكل المعالجات التي طبقت تعتمد سياسة الترقيع والتنفيع بعيداً عن الحلول السليمة رغم تكدس برامج الخطط وانفاق الملايين.

هو ملف ينتج عنه التوتر عند المناقشات ويعلو فيه فولتاج الحصص عند الصفقات، ولكن الى متى يبقى رهينة مصالح السياسات؟