أشادت وكالة التصنيف الدولية "موديز" في تقرير لها بإقرار قانون الموازنة العامة في لبنان ووصفت هذا الحدث بالايجابي.

ورأت الوكالة أن تمرير قانون موازنة العام الحالي يعكس حوكمة أفضل، الأمر الذي من شأنه أن يسهّل عملية استحصال البلاد على سبل تمويل من الجهات الدولية وتشمل قروضاً ومنحاً جديدة من البنك الدولي لتنفيذ مشروعين لطريقين تتخطى قيمتهما 400 مليون دولار كانت مشروطة بتمرير القانون المذكور.

بالتوازي، اعتبرت الوكالة ان انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة وتمرير قانون الانتخابات النيابية القادمة تشكّل مؤشرات اضافية لتحسّن الحوكمة، حيث ان العين تتجه الأن نحو الإنتخابات النيابية المقبلة في أيار 2018، والتي ستحدد نتائجها ملامح المرحلة القادمة على كافة الصعد، سياسياً وإقتصادياً وإجتماعيا.

فما هي أهمية إقرار مشروع موازنة 2017 بعد غياب الموازنات لأكثر من 12 عاماً ؟ وما خطورة إقرارها بدون قطع الحساب ؟ وهل ستكون إنتخابات العام المقبل بداية التغيير المأمول والمنتظر ؟ خاصة أن المواطنين فقدوا الثقة تماماً بالطبقة السياسية الحاكمة التي فضلت فرض ضرائب جديدة على الفقراء بدلاً من الإتجاه نحو محاربة الهدر والفساد.

هذه الأسئلة وغيرها، أجاب عنها الخبير الإقتصادي د. إيلي يشوعي في هذه المقابلة مع "الإقتصاد".

بداية ما اهمية إقرار مشروع موازنة 2017 ؟ وما هي خطورة إقراره بدون قطع حساب؟

لا شك ان الموازنة ضرورية، فالكل يتفق على أهمية وجود موازنة سنوية لأنها تضع سقفاً للإنفاق، فقبل فصل تقريبا من بداية كل سنة مالية جديدة يتم تحضير مشروع موازنة، وفي هذه الموازنة يتم توقع حجم الإنفاق والواردات الضريبية وغير الضريبية، وهذا يساعد على وضع سقف للإنفاق العام. أما القاعدة الإثني عشرية فهي قاعدة إستثنائية يتم تطبيقها لأشهر قليلة فقط في حالات إستثنائية، إلا أن ما حصل هو إستمرار تطبيق هذه الطريقة لمدة 12 سنة، مما أدى إلى تفلّت فظيع وكبير في عملية الإنفاق العام وأدى إلى فوضى مالية عارمة.

إذا أهمية إقرار موازنة 2017 بحد ذاتها تكمن في أننا عدنا من جديد لنضع سقفاً للإنفاق العام. ولكن خطورة ما حصل يكمن في فصل هذه الموازنة عن السنوات الـ 12 الماضية، وإقرارها بدون قطع حساب، وهذه مخالفة للدستور بالدرجة الأولى .. كما ان هذه المخالفة ستسمر في السنوات القادمة في حال عدم حل موضوع قطع الحساب، لان الفلتان المالي وغياب الموازنات إنطلق منذ العام 2006.

إذا عزل هذه الموازنة عن السنوات الماضية وإقرارها بهذه الطريقة هو امر مخالف دستوريا، خاصة ان الوعود التي أطلقوها بإنجاز قطع الحساب في الفترة القادمة هي وعود غير مضمونة.

من جهة أخرى، كل مواطن هو عبارة عن مكلّف، يقوم بدفع الضرائب المختلفة للدولة، والموازنة هي عبارة عن "مُختلف ضرائب المكلفين"، وعن "الديون" التي يتم وضعها على المكلف وأولاده وعائلته .. وأنا كمُكلّف ملتزم بهذا الواجب الضريبي منذ سنوات، ولكن عندما أرى ان الأموال التي دفعتها على مدى 12 عاماً مجهولة المصير، أضف إلى ذلك ان كل الهبات التي قدّمت إلى لبنان منذ العام 1993 ليس لها أثر محدد أو مصير معين (بإعتراف وزير المالية الحالي)، وعندما أعرف أنه تم إستدانة المليارات على مدى 12 سنة وهي ديون متراكمة عليّ وعلى اولادي، وكل هذه المليارات إختفت أيضاً .. فإن الحافز الضريبي سينعدم لدى المواطن الملتزم ضريبياً، وسترتفع نسبة التهرب الضريبي بشكل كبير.

فالمواطن هو عبارة عن مساهم في هذه الدولة، وكأي مساهم في شركة أو مصنع أو مشروع ما .. وبالتالي هو يمتلك الحق للإطلاع على حسابات هذه الشركة.

وما يزيد الأمر خطورة وتأزيم، ان الطبقة الحاكمة مازالت هي نفسها، في حين أن الإستمرار بالنهج الصحيح يحتاج إلى ثقافة معينة، وثقافة هذه السلطة الحالية باتت معروفة لدى الجميع.

بعد إقرار موازنة 2017 والعودة نوعاً ما إلى النهج الصحيح من الناحية المالية .. هل تعتقد أن هذا النهج سيستمر وسيتم إقرار موازنة 2018 ضمن المهل الدستورية المحددة ؟ أم أننا سنعود للجدال والخلاف السياسي من جديد ؟

لدينا ثلاثة أشهر فقط يجب خلالها إرسال مشروع موازنة 2018 إلى مجلس النواب، ليتم مناقشتها وإقرارها في بداية السنة المالية المقبلة، والتصويت عليها لكي تصبح نافذة لكي تتمكن الحكومة من أن تُشرع في الإنفاق وجباية الضرائب.

وهذا الكلام يعني أن كل الجبايات للضرائب خلال الأعوام الـ 12 الماضية لم تكن دستورية .. فطالما لم يكن هناك موازنات أقرت دستورياً في مجلس النواب، فهذا يعني أنها ليست نافذة، ودستوريا لا يحق للدولة أن تنفق فلس واحد أو أن تجني ضريبة واحدة بدون موازنة .. إذا ما حصل خلال كل هذه السنوات هو نوع من الدكتاتورية وسرقة لجيوب الناس.

أضف إلى كل ذلك حجم الديون الكبير، ونوعية الحياة التي يعيشها المواطن اللبناني، فلا بنى تحتية ولا طرقات ولا إتصالات ولا إنترنت ولا كهرباء .. فأين هي المليارات التي تم إستدانتها والتي تمت جبايتها من جيوب المواطنين المناضلين والمكافحين؟

هل تتوقع اي تغيير ملموس خلال الإنتخابات النيابية المقبلة ؟ وهل ستكون بداية للتغيير المأمول والمنتظر؟

من الواضح ان الناس بدأت تستيقظ، وقد وصلت إلى طريق مسدود، وجمعيات الحراك المدني تتحرك بشكل جيّد في المرحلة الأخيرة، لذلك نأمل أن يحصل نوع من التغيير ولو الجزئي في المرحلة الأولى .. فالحل الوحيد أمامنا هو التغيير من خلال الوسائل الديمقراطية.

ولكن يجب أن نعرف ونعي تماماً بانه لم يعد من السهل التغلب على هؤلاء، لأنهم أصبحوا أصحاب ثروات هائلة وكبيرة جداً، ففي كل مجتمعات العالم تكون العصابات والمافيات موجودة داخل المجتمع، ولكن يبقى للناس أمل في التحسين والتغيير بسبب وجود دولة وسلطة تحاول محاربة هذه العصابات، ولكن في لبنان الأمر مختلف تماماً، فالعصابات والمافيات موجودة داخل السلطة، وهذا ما يجعل من التغيير أمراً صعباً ويحتاج إلى تغيير ثقافة التفكير لدى الناس.