من غير المحسوم عما اذا كانت فترة عام على العهد الجديد ، عهد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون كافية لتقييم اداء العهد على الاقل على الصعيد الاقتصادي.

من نهاية تشرين الاول 2016ولغاية نهاية تشرين الاول 2017 حقبة مليئةبالملفات والاحداث والاستحقاقات الاقتصادية والمالية التي سحبت اداء الحكومة الحالية الى ميزان التقييم.

لا مجال للتفاؤل المفرط ولا للتشاؤم الدائم مع اقتصاد محكوم بالتقلبية والاستقرار السياسي.

في الواقع ، الاقتصاد عرف نموا خجولاً الا ان ذلك دون المطلوب لتحقيق نهوض ملموس مع التباطؤ الذي سيطر لاكثر من خمس سنوات.

لقد كان النشاط الاقتصادي هذا العام مدعوما بالاستهلاك الخاص بدلاً من الاستثمار، في ضوء استمرار حالة الترقب والتريث السائدة لدى المستثمرين وما يرافقها من تأجيل للقرارات الاستثمارية الكبرى كما يشهد على ذلك نمو حركة التسليف الواهن هذا العام. من ناحية أخرى، ارتبط نمو الإستهلاك الخاص بالتحسّن الطفيف في استهلاك اللبنانيّين المقيمين، وبتوافد عدد أكبر من اللبنانيّين غير المقيمين، وبالتحسن النسبي للنشاط السياحي.

وعلى هذا الأساس، من المرجح أن يكون نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للعام 2017 أعلى بقليل من النمو الذي سُجل في السنوات الأخيرة. بحيث من المتوقع أن يتحقق هذا الارتفاع في النمو في سياق تحسن كل من حركة التدفقات المالية نحو لبنان ووتيرة نمو الودائع، ما يتماشى مع الإشارات التي ظهرت في أداء القطاعات الخارجية والمالية منذ بداية السنة بشكل عام.

الكل يترقب اليوم إشارات ايجابية مؤاتية للأسواق والمستثمرين بعد إقرار موازنة العام 2017 لان هذا يساهم في تعزيز عامل الثقة بالاقتصاد الوطني.

سنة في غربال التقييم الاقتصادي ؛ ما الذي تحقق وماذا بعد ؟

الحاج

يعتبر الخبير الاقتصادي رئيس حركة "المستقلون " الدكتور رازي الحاج اننا كنا قبل انتخاب رئيس للجمهورية في واقع مؤسساتي مأزوم؛ مؤسسات الدولة معطلة، فراغ في الرئاسة الاولى ، التشريع مشلول بغياب مجلس النواب وكذلك القضاء . كل هذا ارتد على حركة الاستثمار الخارجي الذي بقي في دائرة الترقب عن بعد لمجريات الامور.

وبطبيعة الحال مع انتخاب الرئيس وانتظام عمل مؤسسات الدولة عادت الامور الى مجراها الطبيعي.

ولتقييم السنة الاولى من العهد ما يزال الوقت باكراً ، خصوصا وان عودة الثقة للمستثمر الاجنبي تحتاج الى وقت اطول سيما وان الوضع الاقتصادي والاجتماعي ما زال صعباً. فالبلد يعاني من فقدان السيولة سواء لدى اصحاب المهن الحرة وسواء لدى الموظفين بعد تآكل قيمة الاجور.

ويقول الدكتور الحاج "للاقتصاد" الا انه في غضون ذلك ، ثمة انجازات تحققت اهمها:

القوانين التي أقرت في مجلس النواب ومنها قانون الشراكة بين القطاعين الخاص والعام. وهو بدون شك يساعد كثيراً في استعادة ثقة المستثمر الاجنبي والمحلي معاً وتشجيعه على توظيف امواله في قطاعات اساسية مثل الكهرباء والطاقة وغير ذلك...

المضي في تلزيم ملف النفط وفض العروض المقدمة .

إقرار سلسلة الرتب والرواتب وتصحيح الخلل بعد عدة سنوات. وصحيح ان هذه الخطوة افضت الى جدل كبير وواسع ، وفتحت باب النقاش الاقتصادي ولكن هذا مفيداً لكل الاطراف والاحزاب. فقد مهّد الطريق لصياغة مشروع اقتصادي، وبالتالي ، اصبح الاقتصاد في سلم الاولويات.

إقرار موازنة العام 2017بعد طول انتظار. وهذا انجاز بحد ذاته وان أتى متاخراً.

و تكمن اهمية إقرار الموازنة لضبط الانفاق وإعادة الامور الى نصابها الاساسي.

الا ان كل هذه الاجراءات لم تمنع من وجود ازمة اقتصادية بنيوية. فهناك تراكم مستمر في الدين العام الى جانب تنبيهات متتالية من قبل مؤسسات التصنيف الدولية.

الاقتصاد ليس بخير اليوم نعم. ولكن يمكننا القول انه دخل الى غرفة العمليات للمعالجة ووضع الامور على السكة الصحيحة، سيما وان هناك خطوات مواكبة بدأنا نلمسها ومنها ضبط المرافئ.

ويتابع: اليوم ونحن تقريبا اصبحنا في نهاية العام 2017 ، المؤشرات الاقتصادية ليست افضل ،فالعجز سيحقق رقماً كبيراً.وقد يكون ميزان المدفوعات افضل الا ان الميزان التجاري ليس بخير.

كما لابد من الاشارة ، الى بدء الاهتمام بملف النزوح السوري وبضرورة عودة النازحين الى بلدانهم بعد وصول عبء وجودهم على الاراضي اللبنانية الى الخطوط الحمراء.

ويشير الحاج الى ان هناك ملفات اقتصادية كثيرة تعاني من الازمات البنيوية واهمها الصناعة اللبنانية التي تحتاج للدعم الكبير والحوافز المساعدة لتكبير حجم الصادرات وتصويبالميزان التجاري في الاقتصاد الى جانب ضرورة معالجة ملف الكهرباء الذي يرهق المالية العامةوجيوب المواطنين ، بالاضافة الى انعكاس اداءه اعباء على سائر القطاعات الانتاجية الاخرى وخصوصاً منها الصناعة بفعل الكلفة المرتفعة. فلم يعد مقبولاً اليوم اهمال هذا الملف بكل المعايير.

ايضاً لا يجوز التغاضي عن موضوع الفساد اذ علينا الذهاب بعيداً وعدم التوقف عند مقولة " عفى الله عما مضى" ولنفتح صفحة جديدة. فهذا السلوك يشجع على المزيد من الفساد وسرقة المال العام والاستهتار بامور المواطنين. من هنا يجب فتح الملف وإجراء المقتضى طبقاً للقوانين المرعية . كما علينا تصويب الانفاق نحو الاستثمار وليس الريع بهدف خلق فرص العمل ومساعدة الصناعة على توسيع دائرة التوظيف.

اولوية الاقتصاد

من الممكن ان الشأن الاقتصادي لم يكن في اي مرحلة سابقة يتصدر الاولويات لدى السلطات لاعتبارات عدة مرتبطة بالاستقرار السياسي والامني. الا ان المرحلة الحاضرة تنذر بان الازمة الاقتصادية والظروف المعيشية الصعبة قد تولّد حرباً جديدة ويكون معها صوت الجوع والعوز اقوى من صوت المدافع. فالامان الاجتماعي يعتمد على النهوض الاقتصادي ايضاً.

بالامس القريب ، كشف وزير الاقتصاد والتجارة رائد خوري "ان الازمة السورية كلّفت لبنان 18 مليار دولار، متمنيا عودة الناحين الى بلادهم، موضحا انه سيسمّي بالاسم البلديّات التي لا تقوم بواجباتها ولا تقفل المؤسّسات غير الشرعيّة."

واستنادا ً الى أرقام واحصاءات حول النازحين في لبنان مصدرها البنك الدوليّ والمجتمع الدوليّ، لفت الى "أنّ الناتج المحلّي انخفض من 8% عام 2011 الى 1% عام 2017، . وفاقت اليد العاملة للنازحين 384 ألف، وأصبحت نسبة البطالة حسب الاحصاءات عند اللّبنانييّن 30% وزادت نسبة الفقر 53% في الشمال، 48% في الجنوب و30% في البقاع. هذا ويبلغ معدّل الراتب للنازح السوريّ 278دولاراً أي بنسبة 50% أقلّ من الحدّ الأدنى للراتب اللّبنانيّ. أمّا الرقم الصادم فهو أنّ لبنان يستقبل نسبة لعدد سكّانه النسبة الأعلى للنازحين في العالم وهي تبلغ 35في المئة".

وأشار الى "أنّ الأزمة السوريّة زادت الطلب على الطبابة بنسبة 40%. هذا وتعاني المستشفيات الحكوميّة من مشاكل ماديّة حادّة خصوصا أنّها قبل العام 2011 كانت تواجه صعوبات في تأمين مصاريف الاستشفاء للمواطنين اللّبنانييّن. اضافة الى ذلك، زاد استهلاك الكهرباء بحيث أصبح لبنان يستهلك 486 ميغاواط اضافيّة من الكهرباء. كما زاد الانفاق في الصرف الصحّي بنسبة 40%. والمشكلة الكبيرة هي في التعليم اذ وصل عدد الطلاب السورييّن الى 200 ألف طالب، كما أنّ السجون اللبنانيّة أصبحت مكتظّة، وبدورهم، يقضي القضاة وقتا طويلا لمعالجة قضايا النازحين".

انها رزمة حقائق غير مطمئنة وتشتد خطورة شيئاً فشيئاً، فهل يحكم العهد السيطرة على مفاعيلها وينصرف الى إطلاق رؤية اقتصادية شاملة تعزز الاستقرار السياسي والامني والاجتماعي؟