يسلّط ​البنك الدولي​ الضوء على مسارين أساسيين اليوم للخروج من حالة الازمة الاقتصادية والمالية في ​لبنان​ التي هي من تداعيات الازمة الاقليمية وما اسفرت عنه من تراجع في الودائع الوافدة إلى القطاع المصرفي، (في السنوات بين 2011 و2015 كان حجم الودائع الجديدة أقل بكثير من الحجم الوافد في الفترة بين 2003 و2010 ) الأول يتعلق بالمناطق الصناعية التي أطلقتها وزارة الصناعة خلال الفترة الأخيرة، والثاني يتعلق بالقطاعات التكنولوجية. هذان القطاعان مهمان لخلق الوظائف، وهما خطوة نحو استدامة النموّ لأنهما أقل عرضة للمخاطر الخارجية مقارنة بالمحركات التقليدية للنمو الاقتصادي في لبنان، أي محرّك السياحة ومحرّك العقارات. وأبعد من ذلك، فإنهما يسهمان في إبقاء راس المال البشري في السوق المحلية علماً بان السوق التصديرية تبقى محتملة، ما يخلص لبنان من الاعتماد على التدفقات الخارجية ويخفف من مخاطر عجز ميزان المدفوعات.

مع هذه التوصيات هل ستتوجه الانظار أخيرا ًالى دعم الصناعة اللبنانية التي تراجعت صادراتها في السنوات الاخيرة وبدّلت قوى الميزان التجاري؟

ترى هل سيكون الاهتمام المحلي جدي بالقطاع اسوة بسائر القطاعات ولا سيما التجارة والسياحة والعقارات؟

البادرة اتت من القطاع التجاري .فمنذ مدة قريبة ، زار رئيس اتحاد تجار جبل لبنان ​نسيب الجميل​ على رأس وفد من الاتحاد يضم عدداً من رؤساء الجمعيات التجارية في جبل لبنان (تشمل الحدث، برج حمود، الاقليم وغيرها ...)مقر ​جمعية الصناعيين​ اللبنانيين، حيث جرى البحث مع رئيس جمعية الصناعيين اللبنانيين الدكتور فادي الجميل في شؤون القطاعين التجاري والصناعي وابرز التحديات التي تواجههما لا سيما في ظل الظروف الصعبة التي يعاني منها الاقتصاد اللبناني. واتفق الطرفان على التكامل من خلال اعطاء التجار الاولوية لتسويق الصناعة اللبنانية في المؤسسات التجارية في جبل لبنان. وشرح الجميل التحديات التي يواجها القطاع الصناعي ولا سيما منها الاغراق والمنافسة غير الشرعية التي يتعرض لها الصناعيون من مؤسسات غير قانونية. واتفق الطرفان على انه عندما يكون القطاع الصناعي بخير اي تتوفر له امكانات العمل يكون قادراً على تحريك القطاع التجاري.

و دعا نسيب الجميل الى" ضرورة تشجيع المستهلكين على التركيز في مشترياتهم على شراء المنتجات اللبنانية الصنع بما يقوي الاقتصاد ويريح القطاعات ويؤمن لها السيولة".

ولاول مرة ، تكون التجارة في خدمة الصناعة التي هُمشت في الحقبات السابقة نتيجة السياسات الحكومية الخاطئة التي كانت تفتقر للرؤية الاقتصادية السليمة .

ما هي اهمية هذا التكامل بين القطاعين ؟ وهل يحقق انقاذ الاقتصاد ؟

فادي الجميل

رئيس جمعية الصناعيين فادي الجميل يقول "للاقتصاد" ان هناك اقتناعا بان كل من القطاعين الصناعة والتجارة يتكاملان ولا يتضاربان ابداً خلافاً للاعتقاد السائد لدى البعض. فانتاج اي سلعة تصنّع محلياً يحتاج الى قائمة من المواد الاولية المستورد ة . وهي تشغّل اكثر من تاجر وموزّع . وبالتالي فإن توّسع الصناعة وزيادة انتاجها المحلييساعدان على توسيع حلقة التجارة ويخلقان آلاف فرص العمل الى جانب تحريك سائر القطاعات.

نحن اليوم نستورد بـ 19 مليار دولار ونصدر بـ2.8 مليار دولار بعدما كان يبلغ حجم صادراتنا 4.2 مليار دولار عام 2011 اي بتراجع 30 في المئة، لذا نحن نعمل اليوم على اعادة رفع صادراتنا. وللغاية طلبنا من الحكومة أمران: مساعدتنا من خلال دعم النقل، والحد من اغراق لبنان بسلع ينتجها أو يصنعها.

ويتابع الجميل : نحن لا نقول انه يجب خفض رقم الاستيراد الى الصفر ولكن اذا خفضناه الى 3 و 4مليارات دولار سنوياً نكون قد نجحنا ، سيما واننا نعاني من استيراد إغراقي مصدره بلدان مدعومة صناعياً.

واشار الى ان هذه المبادرة التي قام بها اتحاد جمعيات جبل لبنان تم دعمها بإنشاء لجان مشتركة لمتابعة هذا الموضوع وتحقيق الهدف المشترك المنشود وهو تكبير حجم الاقتصاد اللبناني .

ويقول الجميل: نحن هدفنا زيادة الانتاج الوطني الذي هو 52 مليار دولار.

وابعد من ذلك، فان منظمة الامم المتحدة للتنمية الصناعية "اليونيدو" تفيد ان كل وظيفة في القطاع الصناعي تخلق 2،2 وظيفة في قطاعات اخرى. كل مليار دولار يضخ في الصناعة يخفف عجز الميزان التجاري ويمنع الاغراق والتهريب.

فنحن قادرون على الوصول الى كل المغتربين المنتشرين في العالم وهم ما بين العدد 10 و14 مليون لبناني. فكل مليار دولار يتم استثمارها في الصناعة توّفر 64 الف فرصة عمل فيما ان ارقام البطالة في لبنان تلحظ نسبة ال 27%.

ولتأمين التواصل بين القطاع الصناعي واللبنانين المغتربين تقوم جمعية الصناعيين بالتنسيق مع الملحقين الاقتصاديين في السفارات الى جانب المشاركة في اللقاءات والمؤتمرات الخارجية .

ونحن في هذا الصدد نحرص على الإفادة من خبرات هذا الاغتراب وحثّه على اهمية توظيف امواله المرسلة الى لبنان في القطاع الصناعي .

البنك الدولي

اخيرا لا بد من الاشارة الى ان البنك الدولي اعد ّ دراسة عن العوائق التي تواجه المصانع اللبنانية. أكبر العوائق هي الكهرباء اللازمة للصناعة، وتمويل الاستثمار الصناعي. وتليهما معدلات الضريبة المعمول بها في لبنان، ثم كلفة الأرض القابلة للاستثمار الصناعي، وبعدها قوانين العمل، وكلفة الرسوم الجمركية وتخليص البضائع. الأقل تأثيراً هو مهارات العمّال، والسوق غير النظامية، والنقل، والتراخيص.هذه العوائق، لا تشمل الحالة السياسية ولا الفساد أيضاً.

ويقدر البنك الدولي الخسائر السنوية للصناعة اللبنانية بسبب انقطاع الكهرباء ب 400 مليون دولار، والقيمة الاضافية التي تتكبدها عملية الانتاج الصناعي من جراء هذا الانقطاع 23% من كلفة الانتاج، لأن تأمين الطاقة عن طريق المولدات غالٍ بسبب غلاء المواد الاولية النفطية لعدم توافرها في لبنان، وهي تأتي عن طريق الاستيراد المُكلف. وهذا الامر ينعكس زيادة على كلفة انتاج السلع اللبنانية، وبالتالي خفظ قدرتها التنافسية في الاسواق المحلية والخارجية.

وتُقدَّر خسارة القطاع الصناعي من اليد العاملة ب 30 الف وظيفة من اصل 140 الف وظيفة يعملون في هذا القطاع .

اخيراً لابد من الاشارة الى انه في اطار الاهتمام العالمي اليوم بالصناعة سجل تقرير تحقيق "أهداف التنمية المستدامة – اغتنام الفرصة في مجال التصنيع العالمي" الذي نشر في آذار الماضي (صادرعن بي دبليو سي بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية في القمة العالمية (UNIDO) للصناعة والتصنيع ) ان التغيرات البنيوية نحو الاستدامة والابتكار والتقنية ستحدد المشهد الصناعي في المستقبل.

ويلفت التقرير الى ان ميلاد الثورة الصناعية الجديدة أو الثورة الصناعية الرابعة يكونبتأمين فرص كبيرة لتحقيق التنمية الجامعة والمستدامة لكل من شركات التصنيع والحكومات.

كما يُعد بناء الشراكات النشطة والمنهجية مع قطاع الصناعة شرطاً حيوياً لنجاح تطبيق الأجندة التحولية الرامية إلى تسريع وتيرة القضاء على الفقر وتحقيق التنمية المستدامة. ويتعيّن على الحكومات والشركات أن تعمل معاً من أجل وضع أطر سياسية واضحة وتحديد حوافز تضمن ترجمة الأرباح إلى نمو اقتصادي مستدام وإدماج اجتماعي وحماية للبيئة.

ومن شأن تحقيق هدف التنمية المستدامة التاسع أن يخلق نمواً ورخاءً قويين ومستدامين ومتوازنين عن طريق توفير فرص العمل ووضع حلول صناعية أكثر وضوحاً.