يستكمل المجلس النيابي لليوم الثالث والأخير جلساته المخصصة لمناقشة موازنة 2017، والتي من المفترض أن تنتهي بإقرارها.

لبنان اليوم ينجز ما لم يتمكن من إنجازه منذ 12 عاماً، الإ أن الأمر لا يمكن وضعه في خانة "الإيجابيات 100%"، فبالإضافة الى أن الإقرار سيتم دون إنجاز قطع الحساب، فإن رئيس لجنة المال والموازنة إبراهيم كنعان قد أوضح أيضاً انه تم "إنفاق نسبة كبيرة من الاعتمادات الملحوظة بمشروع الموازنة وحتى من الاحتياطي الذي بوشر بالنقل منه قبل إقرار مشروع الموازنة من قبل الحكومة واستناد المؤشرات المعتمدة في إعداده على أرقام الموازنة العامة وحدها ولا تلحظ أي مؤشر بباقي المؤسسات التي لا تعتمد على دعم مباشر من الخزينة"، مشيرا الى ان "لجنة المال أدخلت تعديلات على المشروع وكان بإمكان إجراء المزيد من التعديلات في ما لو كان المشروع قد وردها خلال المهلة الدستورية".

ولمعرفة المزيد عن إقرار هذه الموازنة "التاريخية" وتأثيراتها وبعض الأمور الأخرى كان لـ"الإقتصاد" هذا اللقاء مع كبير الاقتصاديين ورئيس قسم الأبحاث في "بنك عودة"، د. ​مروان بركات​:

ماذا سيكون تأثير إقرار الموازنة على الإقتصاد اللبناني والمالية العامة؟

إن إقرار الموازنة العامة حاجة ملّحة لانتظام المالية العامة في لبنان، ويحمل في طيّاته بلا أدنى شك إشارات مؤاتية للأسواق والمستثمرين ويساهم في تعزيز عامل ثقة العالم الخارجي بالاقتصاد الوطني. في هذا السياق، أشار صندوق النقد الدولي عقب ختام بعثات الصندوق في منتصف أيلول لجهة أن إقرار موازنة عامة بالترافق مع تدابير جدّية لضبط المالية العامة من شأنه أن يرسل إشارات مؤاتية لناحية تعزيز الثقة العامة. إلا أنه يجدر الذكر أن الموازنة العامة في المطلق ليست فقط وسيلة لحصر احتياجات الحكومة وإيراداتها، بل لها وظائف جوهرية أخرى وبالأخص استخدامها كوسيلة لضبط السياسة المالية للبلاد ولتحقيق أهداف الدولة وتنفيذ سياستها الاقتصادية. وتكمن أهمية الموازنة العامة في دورها كأداة رئيسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويشكل إعدادها رافداً أساسياً في الجهد التنموي وفي تلمّس احتياجات الدولة ومواطنيها. في هذا السياق، إننا نرى أن الإقرار الذي نشهد للموازنة العامة بحد ذاته ليس كافٍ إذ يجب أن يترافق مع تقدم مرجو على مسار الاصلاحات الهيكلية التي طال انتظارها من الاصلاحات الاقتصادية إلى المالية والإدارية منها، والتي من شأنها أن تعزز النمو الاقتصادي وتحفّز كل من الإنتاجية والعجلة الاقتصادية وتحدّ بالتالي من الاختلالات القائمة على صعيد القطاع الخارجيوالمالية العامة. نستفيد من هذه الفرصة للقول أن التهجم الذي شهدناه على السلطة النقدية ليس بمحله خصوصاً وأن سياسات مصرف لبنان أثمرت عن إنجازات نوهت بها كافة المرجعيات الدولية في بلد تشوبه الضبابية والمخاطر والاختلالات.

توقّع "البنك الدولي" في تقرير له مؤخراً، صعوبات كبيرة على الصعيد المالي للبنان، فأشار إلى ان تكلفة سلسلة الرتب والرواتب والانتخابات النيبابية القادمة ستتخطى الزيادة في الإيرادات مما سوف يؤدي الى زيادة العجز في المالية العامة من 9.2% من الناتج المحلي الاجمالي في العام 2017 الى 9.6% في العام 2018، إلى أي مدى ترى أن هذه التحذيرات واقعية؟

لا شك بأن لبنان يواجه تحديات جمّة على صعيد المالية العامة، لاسيما وأننسب المديونية والعجز العام عادتالى الارتفاع مجدداًوإن لا تزال أدنى من المستويات القياسية المسجلة في السنوات الفائتة، إلا أنها تبقى مرتفعة نسبياً بالمقارنة مع المعايير العالمية. فنسبة الدين العام إلى الناتج المحلي البالغة 148% هي ثالث أعلى نسبة حول العالم، ونسبة العجز العام إلى الناتج البالغة 10% هي في العشر الأول بين دول العالم. من هنا تكمن أهميةإقرار موازنة عامةوالشروع بالإصلاحات الهيكلية ما من شأنه أن يسهم في ترشيد الإنفاق العام عبر تخفيض النفقات الجارية في ظل انعدام نسب التضخم، وفي رفع تدريجي لنسبة الاقتطاع الضريبي إلى الناتج من 19% إلى ما لا يقل عن 22% (مقابل متوسط 30% في الأسواق الناشئة و40% في البلدان المتقدمة). يجدر الذكر في هذا السياق أنالفرصة متاحة أمام الحكومة اللبنانية لتقليص التهرب الضريبي والذي يقدَّر بحوالي4.2 مليار دولار أو بما يعادل 8% من الناتج المحلي الإجمالي، وتعود هذه الفجوة بشكل خاص الى التهرّب من سداد ضريبة الدخل وفواتير الكهرباء والرسوم العقارية وغيرها في بلد يبلغ فيه العجز العام 5 مليارات دولار سنوياً، ما يؤشر إلى الحاجة الملحة للضبط التدريجي لهذه الفجوة مع ما يحمله ذلك من انعكاسات إيجابية على صعيد الهبوط الآمن المنشود للمالية العامة.

توقع "صندوق النقد الدولي" ان يحقق لبنان نمواً اقتصادياً حقيقياً بنسبة 1.5% في العام الحالي مقارنةً بـ2% كانت متوقعة في نسخة نيسان من التقرير، ما هي توقعاتكم الشخصية للنمو؟

بالرغم من التفاوت الواضح في توقعات النمو الاقتصادي للبنان خلال العام 2017 بين مختلف المؤسسات والمرجعيات الدولية، إلا أنها أشارت بالإجماع على أن الاقتصاد الحقيقي قد شهد تحسناً طفيفاً هذا العام بالمقارنة مع العام 2016 إلا أنه بقي دون المتطلبات اللازمة لتحقيق نهوض ملموس. إذ توقع صندوق النقد الدولي أن يبلغ النمو الاقتصادي 1.5%، في حين توقع معهد التمويل الدولي أن يصل النمو إلى 2.3%. أما مصرف لبنان فقد توقع نمواً اقتصادياً بنسبة 2.5%، وموديزأشارت إلى نمو اقتصادي متوقع بنسبة 2.8%، علماً أن توقعاتنا للنمو الاقتصادي تقارب نسبة 3%.

هذا التحسن الطفيف في نشاطالاقتصاد الوطنيوإن لا يزال يعاني من فجوة لافتة مع الناتج الممكن تحقيقه ومستوى العمالة الكامل، أكده نمو أسرع في المؤشر الاقتصادي العام الصادر عن مصرف لبنان لتقييم الأداء الماكرو اقتصادي، إذنما هذا الأخير بمتوسط نسبته 5.7% في الأشهر السبعة الأولى من العام 2017، مقابل نمو بنسبة 4.4% في الفترة المماثلة من العام 2016. كما وإن تطور مؤشّرات القطاع الحقيقي يدعمهذا التحسن النسبي في الأداء الاقتصادي، فمن أصل 11 مؤشّراً للقطاع الاقتصادي الحقيقي، ارتفعت ثمانية مؤشّرات فيما انخفض ثلاثة منها فقط. كما يجدر الذكر أنه وفق النظرية الكمية للنقود فإن نمو الكتلة النقدية الذي سجل نسبة 8% خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام، فاق تقلص سرعة دوران النقد الذي سجل نسبة 5% في ظل شبه انعدام في نسبة التضخم، ما ولّد نمو إيجابي في الناتج الحقيقي، أعلى بشكل نسبي عن المستوى المسجل في العام السابق.

في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن التحسن الطفيف في النشاط الاقتصادي هذا العام مدعوم بشكل أساسي بالقطاعات الاستهلاكية أكثر منها الاستثمارية. ومن بين القطاعات الاستهلاكية نذكر قطاع السياحة الذي شهد تحسناً في الأداء انطلاقاً من قاعدة ضعيفة، بحيث ازداد عدد السياح بنسبة 13% خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام. في حين أن نسبة الاستثمار إلى الناتج لم تشهد أي تغير يذكر عن نسبة العام 2016 والبالغة 23% (بعد أن كانت قد بلغت 31% في العام 2010)، في ظل حالة من الترقب والتريث في أوساط المستثمرين ما زالت تساهم في تأجيل القرارات الاستثمارية الكبرى في البلاد.