لا يبدو ان معركة رفع ​الحد الأدنى للأجور​ وتصحيحها للعاملين في القطاع الخاص ستسلك طريق الحرير، اذ ان الإتحاد العمالي في ضفة والهيئات الاقتصادية في ضفة اخرى. اما الدولة، فللأسف ليست بمثابة جسر العبور السليم لوصل الضفتين وتأمين الحقوق لأصحابها.

وان كانت قيادة الإتحاد العمالي الحالية تدرك اهدافها وتدرس ارقامها التي تساعد في رفع الغبن عن الطبقة العاملة والموظفين والمستخدمين الذين باتوا يقبضون اجورهم لتسديد ضرائب هبطت عليهم فيما ان مصير استمراريتهم في عملهم بات اكثر مهدداً من بعض ارباب العمل الذين ارتأوا حصر نفقاتهم لضمان ارباحهم ، وبعض آخر قرر الاستغناء عنهم بعد ايجاد البديل من العمالة الاجنبية الرخيصة الاجر ، فيما يعاني قسم آخرمن ضائقة مالية بفعل تراجع مؤشر الايرادات ، فان سياسة الحكومة الحالية لا تعطي الانطباع الجدي عن الارادة في معالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية خصوصاً وانها في الأساس شُكلت من اجل إجراء انتخابات نيابية ، اي اتخذت لنفسها منذ انطلاقتها صفة حكومةالمرحلة وحددت مهامها قبل تسمية وزرائها.

مليون و200الف ليرة او مليون او اقل او حتى اكثر ارقام بدأ التداول بها في الاوساط النقابية والعمالية عندما بدأ الحديث عن ضرورة رفع الحد الادنى للاجور الذي هو 675الف ليرة وفق آخر زيادة اقرت عام 2012، الى جانب تصحيح الاجور بناء على الشطور.

ان هذه الارقام تبقى في دائرة الطروحات غير الرسمية ، باعتبار ان المليون و200الف ليرة رقم لا يسمح الاتحاد العمالي العام بالنزول دون مستواه كحد ادنى للاجر ، فيما انه في العام 2012، كان الرقم المطلوب 975 الف ليرة تمكنت الهيئات الاقتصادية في ليلة بإبرام اتفاق سري مع رئيس الاتحاد العمالي السابق غسان غصن ليتنازل عنه الى مستوى 675 الف ليرة كحد ادنى للاجر، فضلاً عن تنازلات اخرى من جيوب العمال والموظفين خذل معها وزير العمل السابق شربل نحاس الذي كان يقود معركة تصحيح الاجور ورفع الحد الادنى الى جانب تصويب بدل التقديمات والمكاسب المحقة للعمال بعدما فاجأه غصن بالاتفاق المذكور.

اما اليوم ، فانه وفق مصادر الاتحاد العمالي العام التحضيرات جارية على قدم وساق لمعركة تحقيق المطالب وهي تستعجل تعيين اعضاء لجنة المؤشر .

وفي هذا السياق، علمت " الاقتصاد" ان رئيس الاتحاد العمالي العام الدكتور بشاره الاسمر وجه دعوة رسمية الى وزير العمل محمد كبارة يلفت فيها الى ضرورة الاسراع في تعيين اعضاء اللجنة باسرع وقت ممكن آملاً ان لايستغرق ذلك اكثر من نهاية الشهر الجاري.

ومن المعلوم ان هذه اللجنة تضم وزير العمل رئيساً، مدير عام وزارة العمل مقرراً، ممثلين عن ارباب العمل ، ممثلين عن الدولة بينهما ممثل عن دائرة الإحصاء المركزي وممثلين عن الاتحاد العمالي .

الاسمر

ويقول رئيس الاتحاد الدكتور بشاره الاسمر " للاقتصاد" كل الحوارات التي بدأت حتى اليوم ايجابية بغض النظر عن الآلية والارقام ؛ فان الاتحاد يستكمل دراساته بهذا الشأن التي اسندت الى بعض الخبراء الاقتصادين ليعلن الرقم الحقيقي عن زيادة غلاء المعيشة ، علماً ان المعطيات الاولية تشير الى انها بنسبة 20% فيما ان الاحصاء المركزي يقدرها بنسبة 11%.

وعن موقف الهيئات الاقتصادية الرافض لتدخل الدولة في مسألة تحديد الزيادة على الشطور يعتبر الاسمر ان الدولة يجب ان تكون الراعي الصالح والحكم العادل ، فلا يترك هذا الشق رهينة لاعتبارات كل رب عمل . ويسأل من يقرر اذا كان من المفترض زيادة راتب من يتقاضى اليوم الحد الادنى اذا اصبح مليون و200 الف ليرة ؟ فهل نقول له ستبقى على نفس الأجر بعد سنوات من الخدمة لانك تقاضى الحد الادنى؟

ولم ينف الاسمر انه لمس التفهّم الكامل عند معظم الهيئات الاقتصادية ، لاسيما عند رئيس جمعية الصناعيين الشيخ فادي الجميل الذي يملك المقاربة السليمة والرؤية الاقتصادية الصحيحة التي تساعد على تحفيز النمو وتحقيق الانتاج.

وقال : بانتظار ان يتم تعيين اعضاء لجنة المؤشر ، طلب الاتحاد العمالي سحب كل محاضر جلسات لجنة المؤشر السابقة لمعرفة ما آلت اليه مناقشاتها الاخيرة وما توصلت اليه من نتائج .

في ضوءمجريات الامور ، بعد السلسلة والضرائب المرحلة المقبلة هي لرفع الحد الادنى وتصحيح الاجور في القطاع الخاص . هذا طبعاً ، اذا سمحت السياسة بذلك ، خصوصا وان الهمروجة القائمة تصب في خانة الانتخابات النيابية.

والحد الادنى للأجر بتعريف بسيط هو أدنى مبلغ من المال يتقاضاه العامل كأجر مقابل العمل في ( الشهر أو اليوم أو الساعة ) بحكم نص القانون أو التشريع المتعلق بالحد الأدنى للأجور.

وقد عرفت منظمة العمل الدولية الحد الأدنى للأجور بأنه "أقل مبلغ يتوجب دفعه للغالبية العظمى من العمال في دولة معينة لقاء العمل لمدة ساعة أو يوم أو شهر على أن يتم تحديد هذا المبلغ على ضوء تغطية الاحتياجات الأساسية للعامل وأفراد عائلته تبعاً لمستوى الشروط الاقتصادية والاجتماعية السائدة في تلك الدولة".

وبناء على ذلك ، نجد ان الحد الأدنى للأجور له أبعاده الاجتماعية والاقتصادية، ويراعى مستويات نفقات المعيشة والحاجات الأساسية للعامل وأفراد أسرته، ويوفر الحد الادنى لحفظ كرامة الإنسان، ومستوى لائقاً للمعيشة، ويحميه من استغلال المشّغل والمساومة بالأجر بالقانون.

كما وانه وفق المعايير الدولية يفترض أن يكون الحد الأدنى للأجور أعلى من مستويات الفقر ويكون المشّرع قد اعتبر خط الفقر هو الخط الأحمر الذي لا يجوز تجاوزه في حالة إقرار الحد الأدنى للأجور.

اخيرً ليس هناك حد أدنى موّحد لأجور العاملين في العالم، وما يُعرف بالحد الأدنى القانوني للأجور يمكن أن يختلف اختلافًا كبيرًا عن الحد الأدنى الحقيقي الذي يمثل القوة الشرائية الفعلية لأجر العامل، وفقًا لمؤشر أسعار المستهلك.

الاتفاق الذي تمخّض في العام 2012 عن انسجام بين ارباب العمل والاتحاد العمالي العام نصّ على حصر دور الدولة في تحديد الحد الادنى للاجور ولكنه ايضاً نصّ على وجوب إعادة النظر بهذا الحد الادنى سنوياً طبقاً لزيادة غلاء المعيشة. وهذا لم يحصل ولم يحترم ، فمن يضمن اليوم وصول موضوع الاجور الى خواتيمه السعيدة والهيئات الاقتصادية تدق ناقوس الخطر والاقتصاد في دائرة الانكماش والركود ؟